هواتف ذكية أم عقول خفية؟.. كيف غيّر الذكاء الاصطناعي ملامح حياتنا اليومية

لم تعد الهواتف الذكية مجرد وسيلة للتواصل أو تصفح الإنترنت، بل تحوّلت إلى مراكز تشغيل مدعومة بعقول خفية تُدير تفاصيل حياتنا اليومية، وتعرف عنا أكثر مما نُدركه أحيانًا، ولم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد اختراع تقني، بل أصبح شريكًا دائمًا في قراراتنا، وسلوكنا، وحتى حالتنا الصحية.
وبينما تبشّر هذه التقنيات بثورة في الكفاءة والراحة، تلوح في الأفق مخاوف متزايدة حول الخصوصية، وغياب الضوابط، والتساؤل الأخطر: من يملك السيطرة؟ وهل نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي، أم أنه بدأ يستخدمنا؟
الذكاء الاصطناعي من الهواتف إلى الخصوصية: بين التمكين والمخاطر

أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية، بدءًا من الهواتف الذكية وحتى التطبيقات الطبية، مما يعكس تسارعًا غير مسبوق في دمج هذه التقنيات في أنماط حياتنا، ومع هذا التطور، تبرز تحذيرات متزايدة بشأن المخاطر التي قد تنجم عن سوء استخدام الذكاء الاصطناعي، خاصة فيما يتعلق بالخصوصية والرقابة الأخلاقية.
ويؤكد خبراء تقنيون أن الذكاء الاصطناعي تطور بسرعة لافتة حتى بات يحاكي الذكاء البشري، بل ويتفوق عليه في بعض المهام، لا سيما في قدرته على التنبؤ والتعلم وتحليل البيانات، وأصبح ما كان يُنظر إليه كخيار مستقبلي، واقعًا قائمًا يفرض نفسه في مختلف مجالات الحياة.
أول ظهور لدمج الذكاء الاصطناعي في الهواتف الذكية

ويعود أول ظهور لدمج الذكاء الاصطناعي في الهواتف الذكية إلى عام 2011، حين أطلقت شركة "آبل" مساعدها الصوتي "سيري"، لتبدأ منذ ذلك الحين رحلة التطوير التي شملت تقنيات التنبؤ بالنصوص، والتعرف الصوتي، وصولًا إلى أدوات أكثر تقدمًا مثل "Apple Intelligence" و"Circle to Search" من "جوجل".
واليوم، تعتمد الهواتف على شرائح دقيقة بالغة القوة مثل Snapdragon Gen 3 وMediaTek Dimensity 9300، وهي رقائق تتيح تنفيذ عمليات معالجة معقدة للبيانات بشكل فوري ودون الحاجة إلى الاتصال بخوادم سحابية، مما يعزز كفاءة الأداء بشكل غير مسبوق.
لكن في المقابل، تُطرح تساؤلات ملحّة حول الجانب الأخلاقي والرقابي في استخدام الذكاء الاصطناعي، ويشير متخصصون إلى وجود تحديات خطيرة تتعلق بسلوك المستخدم وخصوصيته، في ظل غياب تشريعات دولية موحدة تنظم هذا الاستخدام بشكل آمن.

ويوضح الخبراء أن العديد من التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي يتم تطويرها من قبل مبرمجين شباب دون إشراف واضح، ثم تُستحوذ عليها شركات كبرى مثل "ميتا"، "أمازون"، و"أوراكل"، وتُضخ فيها استثمارات ضخمة بهدف التوسع والانتشار، دون أن تراعي في كثير من الأحيان الضوابط الأخلاقية الكافية.
ويُعد غياب الوعي بحدود الاستخدام الأخلاقي أحد أخطر أوجه هذه القضية، إذ يصعب تحديد المسؤولية في حال حدوث تجاوزات أو أضرار ناجمة عن استخدام تلك التقنيات، سواء من جهة المطوّر أو المستخدم.
ومن أبرز التهديدات المثارة اليوم، المساس بالخصوصية الشخصية، حيث أصبحت الساعات الذكية مثلًا قادرة على الوصول إلى بيانات الهاتف، بل والحالة الصحية للمستخدم، ووفقًا لتقارير، يمكن لبعض هذه الأجهزة التنبؤ بالحمل بنسبة دقة تصل إلى 92%، وهو ما اعتُبر مؤشرًا مرعبًا على حجم البيانات الحساسة التي يتم جمعها.
ولم تقف هذه التحذيرات عند الأجهزة القابلة للارتداء، بل امتدت إلى تقنيات مثل النظارات الذكية التي طورتها "ميتا" بالتعاون مع "رايبان"، والتي تتيح التقاط الصور والفيديوهات دون علم من حول المستخدم، ما يطرح أسئلة جادة حول الحق في الخصوصية في الأماكن العامة.
ويتخوف الخبراء من استغلال قواعد البيانات الضخمة لأغراض غير معلنة. فعلى سبيل المثال، إذا امتلك طرف ما قاعدة بيانات تشمل 60 ألف شخص، تتضمن تفاصيل عاداتهم اليومية، وحالتهم الصحية، وأنشطتهم الغذائية والرياضية، فإن هذه المعلومات قد تُستخدم لأغراض تسويقية، أمنية، أو حتى سياسية، دون علم أو إذن من الأفراد المعنيين، وهو ما دفعهم إلى التأكيد بأن "من يمتلك المعلومة يمتلك القوة".
في المحصلة، ورغم الإمكانات الهائلة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، يبقى التحدي الأكبر في ضمان استخدامه بشكل أخلاقي وآمن، مع ضرورة الإسراع في وضع أطر قانونية وتشريعية تحمي المستخدمين، وتضمن عدالة النفاذ إلى هذه التقنية الثورية، دون انتهاك لحقوق الأفراد أو تهديد لخصوصياتهم.