رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. تحسين الشيخلي يكتب: تحية لأخر الأبرياء..

نشر
الأمصار

الجسد، هو العامل الحاسم للفصل بين الافتراضي و الواقعي. ففي العالم الافتراضي ينفصل الجسد عن العقل ، الاختلاف بين العالمين الافتراضي والواقعي هو مفهوم الهوية أو الجسد . في العالم الافتراضي يصبح عقلك منفصلاً عن جسدك ، فجسدك موجود معك في حيز ملموس في حين ان عقلك يعيش في حيز أخر غير ملموس بحقيقته المادية، وبالتالي ان الاختلاف بين الواقعي والافتراضي هو الشكل المادي.


في العالم الافتراضي ليس لديك هوية مادية كاملة وأن إزالة عقلك من الجسد المادي هو التمييز بين الحقيقي والافتراضي. بمعنى آخر ، في العالم الافتراضي ليس لديك هوية حقيقية أو تفاعل مادي ، بينما في العالم الحقيقي لديك.
السؤال، هل عاشت أجيال ما قبل الانترنيت تجربة العوالم الافتراضية ؟ 
كان مفهوم الافتراضي موجودًا لفترة أطول بكثير من وجود التكنولوجيا التي تجعل الآن الجزء الافتراضي من حياتنا واقعاً. كنا نطلق تسمية ( أحلام اليقظة) على عوالمنا الافتراضية، فقبل ان يسك مصطلح العالم الافتراضي كنا نخلق لأنفسنا عوالم أخرى نعيشها بعقولنا ومع ذلك لم نكن ندرك انها ممكن ان تصنف كعوالم افتراضية، لم يكن مفهوم الافتراضي قد بدأ بالفعل إلا في الآونة الأخيرة. 
أجيال ما قبل الانترنيت كانت تعيش عوالمها الافتراضية بشكل مختلف ، هي من تخلقها و ترسم سيناريوهاتها و تحدد مسارات زمنها و تنسج من الخيالات و شخوص الواقع و بيئته قصصاً نحن أبطالها و يشاركنا فيها أشخاص نعرفهم من واقعنا او من عوالم أخرى كأبطال الأفلام و القصص و الروايات ، هو عالم منسوج من الخيال و الواقع لكنه عالم آمن ، وهذا هو المهم ، لا يوجد فيه عنصر الخطر على ارواحنا ، نعيشه كما نشاء و نفترض فيه ما نشاء. الخطر شيء لا يمكن تجربته حقًا إلا من خلال المادي وليس العالم الافتراضي الوسيط.
في الوقت الحالي ، مع التقنيات الناشئة والعالم الذي أصبح غير مستقر أكثر من أي وقت مضى ، نما عالم الافتراضي بسرعة. الآن ، الافتراضي يقترب أكثر فأكثر من الواقع ، وقريباً قد لا نتمكن من تمييز هذه العوالم عن بعضها البعض. في حين أنه من الواضح أن لدينا الآن فكرة عن الفرق بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي ، فإن الاختلافات بين الاثنين كانت أقل بكثير من ذي قبل.، فالاشخاص في أحلام اليقظة كانوا جزء من الخيال ،صور نحن نحدد هويتها ، في حين عالمنا الافتراضي اليوم نحن نعيش مع اشخاص حقيقيين يشاركونا نفس الحالة ، فالشخص الذي تتحاور معه على وسائل التواصل الاجتماعي هو حقيقي و ليس مفترض لكنه يعيش مثلك عالماً ينفصل فيه الجسد عن العقل في حيزين مختلفين.
بينما لا نزال نعيش في عالم يبدو فيه الواقعي والافتراضي في معظم الحالات منفصلين ، لكن ربما يكون هذا أقل صحة مما نعتقد. أصبح العالم الحقيقي للمعلومات لا يمكن تمييزه عن العالم الافتراضي ، ومع التقنيات الجديدة أصبح العالم الافتراضي أكثر شمولاً وإقناعًا. 
يعني هذا التغيير أنه من المستحيل الآن فصل كل هويتنا المادية الحقيقية عن التمثيل الافتراضي لأنفسنا في العالم الافتراضي. ومع ذلك ، فإن أحد العوامل التي لا تزال تتيح لنا التمييز بين الافتراضي والواقعي هو مفهوم الخطر ، والذي لم يتم إدراكه بالكامل بعد في العالم الافتراضي. ومع ذلك ، إذا زادت تقنية الافتراضي في المستقبل إلى الحد الذي يمكن من خلاله تجربة الأحاسيس الجسدية بشكل كامل في العالم الافتراضي ، فستكون المخاطر الجسدية على الجسم والعناصر الأخرى ذات القيمة ممكنة. إذا كان من الممكن تكرار المخاطر بالكامل في العالم الافتراضي ، فيبدو أن العالمين سيكونان قريبين جدًا من عدم إمكانية تمييزهما تمامًا.
الأشخاص الذين ولدوا في السبعينيات هم آخر من نشأ بدون الإنترنت. يسميهم علماء الاجتماع آخر الأبرياء. هم آخر سلالة متحضرة لم تكن تعرف أيامًا من عدم وجود التقنيات المستخدمة على نطاق واسع والتي تتلاعب بهم من خلال الخوارزميات ، جيل عاش عوالمه الافتراضية من خلال أحلام نسجها بارادته و وفق مزاجه ، جيل لم يتلوث بالسموم الرقمية ،هم آخر جيل من البشر على هذا الكوكب نشأ قبل تعميم الثقافة الرقمية.