مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

فيتو إسرائيلي ضد المشاركة التركية.. ملامح ترتيبات ما بعد حرب غزة تتبلور

نشر
الأمصار

تتجه الأنظار في الأوساط السياسية والدبلوماسية نحو الترتيبات الجارية لتشكيل القوة الدولية المنتظر نشرها في قطاع غزة، في إطار خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار. 

غير أن الجدل حول هوية الدول المشاركة في هذه القوة بدأ يلقي بظلاله على المشهد، بعدما أبلغت إسرائيل حلفاءها رفضها القاطع لأي وجود تركي ضمن التشكيل، في خطوة تعكس عمق التوتر المتصاعد بين تل أبيب وأنقرة منذ اندلاع الحرب على غزة.

وبحسب ما نقلته صحيفة ذا غارديان البريطانية، فإن إسرائيل تصرّ على أن يكون رضاها شرطًا أساسيًا لتشكيل القوة الدولية، وهو ما وافقت عليه واشنطن التي تبنت مبدأ «القوة المقبولة إسرائيليًا». وبهذا الموقف، أُغلقت فعليًا أبواب المشاركة أمام تركيا، التي كانت من الدول الضامنة لخطة ترامب والمتحمسة للعب دور إقليمي في استقرار غزة ما بعد الحرب.

خلافات دبلوماسية وخطة أمنية جديدة

وتشير التقارير إلى أن القوة المقترحة ستضم نحو 5 آلاف جندي من دول مختارة، على أن تعمل داخل القطاع لضمان الأمن ومنع فراغ السلطة عقب انتهاء العمليات العسكرية. 

لكن رفض إسرائيل مشاركة القوات التركية أثار تساؤلات حول مستقبل هذه القوة ومدى توازنها، لا سيما أن الجيش التركي يُعد من أكثر الجيوش كفاءة وخبرة في المنطقة، ولديه تاريخ طويل في عمليات حفظ السلام.

ويأتي الموقف الإسرائيلي بعد تصريحات حادة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أعلن صراحة معارضته لأي دور تركي في غزة، معتبرًا أن تدخل أنقرة غير مرغوب فيه. ويُعزى هذا الموقف إلى تدهور العلاقات بين البلدين على خلفية انتقادات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحملة العسكرية الإسرائيلية، والتي وصفها بأنها «جريمة ضد الإنسانية».

وفي الوقت ذاته، أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن رضا إسرائيل عن جنسيات الدول المشاركة في القوة شرط أساسي قبل إقرار تشكيلها، في إشارة واضحة إلى أن واشنطن ماضية في منح تل أبيب حق الفيتو غير المعلن بشأن الأطراف المشاركة.

القوة الدولية ومركز التنسيق العسكري

وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن بعض الدول الغربية تفضل منح القوة تفويضًا من مجلس الأمن الدولي حتى وإن لم تكن تحت مظلة الأمم المتحدة رسميًا، بحيث تعمل بالتنسيق مع خلية عسكرية تقودها الولايات المتحدة تحمل اسم «مركز التنسيق المدني العسكري»، ومقرها في مدينة كريات جات جنوب إسرائيل.

وقد افتتح نائب الرئيس الأمريكي، جاي دي فانس، هذا المركز الأسبوع الماضي، بمشاركة مستشارين من بريطانيا وفرنسا والأردن والإمارات، ليكون بمثابة منصة تنسيقية للعمليات الميدانية، ولتنظيم المساعدات الإنسانية التي لا تزال معابرها الرئيسية مغلقة حتى الآن.

وتشير التسريبات إلى أن القوة الدولية ستُكلف بنزع سلاح حركة حماس وتأمين حكومة فلسطينية انتقالية، وهو ما يثير جدلاً واسعًا، خاصة بعد استبعاد نتنياهو للسلطة الفلسطينية من أي دور في إدارة القطاع بعد الحرب، مقابل اتفاق الفصائل الفلسطينية مؤخرًا على تشكيل لجنة تكنوقراط مستقلة لإدارة غزة بشكل مؤقت.

توتر تركي – إسرائيلي على الأرض

وفي مؤشر آخر على التوتر القائم، بقي فريق إدارة الكوارث والطوارئ التركي الذي أُرسل للمساعدة في البحث عن جثث فلسطينيين وإسرائيليين في غزة ينتظر الإذن بالدخول من الجانب الإسرائيلي منذ أيام، رغم تمركزه على الحدود المصرية. ويُنظر إلى هذا التأخير على أنه رسالة سياسية من تل أبيب تؤكد تحفظها على أي وجود تركي في الميدان الغزي.

ومن جانبه، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واشنطن إلى ممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل، بما في ذلك فرض عقوبات أو حظر مبيعات الأسلحة، للالتزام ببنود خطة ترامب، مؤكدًا أن «العدالة والسلام لا يمكن تحقيقهما دون وقف الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين».

نتنياهو يحدد «القوات المقبولة»

وفي سياق متصل، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تل أبيب ستحدد بنفسها القوات الأجنبية التي ستُسمح بدخول غزة ضمن القوة الدولية، مشددًا على أن أمن إسرائيل «خط أحمر» لا يُقبل التفاوض حوله.

وقال نتنياهو خلال اجتماع لمجلس الوزراء:"نحن نتحكم في أمننا، وقد أوضحنا للقوى الدولية أن إسرائيل ستحدد الدول غير المقبولة بالنسبة لنا، وهذه هي طريقتنا وسنستمر بها".

وأضاف أن هذا الموقف «يحظى بقبول الإدارة الأمريكية»، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تدعم حق إسرائيل في تحديد شكل التواجد الأجنبي في غزة.

مأزق الأونروا ودور الأمم المتحدة

من جهة أخرى، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لن يكون لها دور في غزة بعد الحرب، متهمًا إياها بأنها «فرع تابع لحماس». هذا التصريح أثار موجة من الانتقادات الدولية، إذ ترى الأمم المتحدة وعدد من الدول الأوروبية أن الأونروا تُعد الوسيلة الأساسية لتوزيع المساعدات الإنسانية داخل القطاع.

وتواجه هذه المعضلة مزيدًا من التعقيد، خاصة وأن خطة ترامب نصّت على استمرار دور الأمم المتحدة في توزيع المساعدات، لكن واشنطن تبدو مصممة على استبعاد الأونروا تحديدًا من المشهد الإنساني في غزة.

وفي المقابل، تعمل النرويج على صياغة مشروع قرار أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يُلزم إسرائيل بعدم تقييد وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، باعتبارها القوة المحتلة وفق القانون الدولي.

وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن عدد الشاحنات التي دخلت غزة منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بلغ في المتوسط 89 شاحنة يوميًا فقط، أي ما يعادل 14% من العدد المتفق عليه في خطة ترامب (600 شاحنة يوميًا)، ما يعكس حجم الأزمة الإنسانية المستمرة داخل القطاع.

غزة بين الأنقاض والتحديات الإنسانية

وفي وصف صادم للوضع داخل غزة، قال توم فليتشر، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، عقب زيارته الأخيرة للقطاع:"شعرت وكأنني أقود سيارتي عبر أنقاض هيروشيما أو ستالينغراد.. الدمار هنا يفوق الخيال".

ولا تزال إسرائيل تفرض سيطرة كاملة على جميع المعابر المؤدية إلى غزة، وتفرض حصارًا مشددًا منذ أكثر من عامين، في إطار حملتها العسكرية ضد حركة حماس التي بدأت عقب هجوم 7 أكتوبر 2023.

خيارات محدودة ومخاوف إقليمية

بينما تستبعد إدارة ترامب إرسال قوات أمريكية إلى غزة، تدرس واشنطن الاستعانة بقوات عربية وإسلامية، مثل مصر وإندونيسيا والأردن والإمارات، في محاولة لتشكيل قوة ذات قبول إقليمي ودولي. غير أن المخاوف الإسرائيلية من نفوذ تلك الدول داخل القطاع تبقى حجر عثرة أمام أي توافق نهائي.

وأكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال زيارته الأخيرة لتل أبيب أن القوة الدولية يجب أن تضم فقط دولًا "ترحب بها إسرائيل"، متجنبًا الإشارة المباشرة إلى تركيا، التي تبدو اليوم الخاسر الأكبر سياسيًا من ترتيبات ما بعد الحرب.

وفي ختام تقريرها، قالت صحيفة ذا غارديان إن استبعاد تركيا من القوة الدولية يعكس عمق الانقسام داخل التحالف الداعم لخطة ترامب، مشيرة إلى أن المفاوضات الحالية بين واشنطن وتل أبيب والعواصم العربية ستحدد ملامح المرحلة المقبلة من إدارة غزة، التي تقف عند مفترق طرق بين إعادة الإعمار أو العودة إلى مربع الفوضى.