ترامب يفتح جبهة بحرية ضد فنزويلا.. مقتل ثلاثة وتصاعد خطر المواجهة العسكرية

أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب في التاسع عشر من سبتمبر 2025 تشغيلًا عسكريًا جديدًا في مياه البحر الكاريبي ضد مركب يُشتبه في نقله المخدرات من فنزويلا، وأسفرت الضربة حسب التصريحات الأمريكية عن مقتل ثلاثة أشخاص وصفهم ترامب بأنهم “إرهابيو مخدرات”.
هذا الحدث يُضاف إلى سلسلة من “الضربات” وعمليات المواجهة في إطار ما تسميه واشنطن “حربًا ضد الكارتلات والعصابات التي تمارس أنشطة مخدرات دولية”، وهو ما أثار ردود فعل ساخنة من حكومة الرئيس نيكولاس مادورو التي ترى في هذه الخطوات تهديدًا مباشرًا لسيادة البلاد وعملاً عدوانيًا.
تفاصيل الحدث الأخير
وفقًا للرئيس ترمب، فإن الضربة تمت “بأمر منه” وكانت تستهدف “كارتلات تهريب المخدرات وإرهابيي مخدرات فائقي العنف” في منطقة البحر الكاريبي، في مياه دولية.
العملية تلت ضربة سابقة قُتِل فيها 11 شخصًا كانوا على متن مركب من فنزويلا، تزعم السلطات الأمريكية أنه كان يحمل مخدرات ويتبع كارتل “ترين دي أراغوا” (Tren de Aragua).
ترمب أكد أن هناك أدلة، منها لقطات فيديو تُظهر انفجار المركب وانتشار حمولته في البحر، وقال إن تلك الحمولات كانت من “الكوكايين والفنتانيل”.
وقد صرّح أيضًا بأن الخيارات العسكرية قد تُستخدم مستقبلاً ليس فقط في البحار، بل على الأراضي أيضًا إذا اقتضى الأمر مراقبة وتحركًا أوسع ضد الكارتلات.

ردود الفعل من فنزويلا
الرئيس نيكولاس مادورو وصف الضربة وتلك التي سبقتها بأنها “عدوان عسكري”، مؤكّدًا أن فنزويلا تحتفظ “بالحق المشروع” في الدفاع عن نفسها وفق القانون الدولي.
وأضاف أن العلاقات بين كراكاس وواشنطن “مقطوعة” عمليًا، وأن حكومة فنزويلا تعتبر هذه الضربات جزءًا من حملة متكاملة تستهدفها سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا.
انتقادات فنزويلية تتضمن التشكيك في الأدلّة التي تُقدّمها الولايات المتحدة، واتهامات باستخدام صور أو فيديوهات “مزيفة” أو مفبركة، واعتبار أن ادعاءات واشنطن تُستخدم كذريعة للضغط على الدولة الفنزويلية أو حتى السعي لتغيير النظام.
كذلك، هاجمت كاراكاس ما وصفته باعتداءات بحرية، من بينها واقعة قارب صيد فنزويلي تمّ اقتحامه من قبل سفينة مدمرة أمريكية لمدة ثماني ساعات في المياه الاقتصادية الفنزويلية، وهو ما أثار احتجاجًا دبلوماسيًا شديدًا.

الخلفية التاريخية للنزاع
لفهم السياق الكامل لما يحدث، من الضروري استعراض ما سبق من تطورات في العلاقة بين الولايات المتحدة وفنزويلا، خصوصًا منذ تولي ترمب الرئاسة هذه المرة، وما قبلها.
كارتل “ترين دي أراغوا” ودور العصابات
ترين دي أراغوا هي مجموعة إجرامية فنزويلية نشأت داخل السجون بولاية أراغوا، وتوسّعت نشاطاتها لتشمل الاتجار بالمخدرات، التهريب، الابتزاز، وحتى الاغتيالات المأجورة.
واشنطن تربطها بادعاءات حول تواطؤ أو تساهل من بعض دوائر الحكم الفنزويلي مع هذه الكارتلات، بينما تنفي كراكاس ذلك بشدة.
الإجراءات الأمريكية ضد فنزويلا
منذ عودة ترمب إلى الرئاسة، تشهد العلاقة تصعيدًا ضاغطًا من الجانب الأمريكي، اشتمل على:
تجميد أصول الحكومة الفنزويلية داخل الولايات المتحدة.
فرض رسوم أو تهديدات بفرض رسوم على الدول التي تستورد النفط الفنزويلي، أو عقد اتفاقيات تتعلق بالنفط بين فنزويلا ودول أخرى.
استخدام تشريعات مثل “قانون الأعداء الأجانب” (Alien Enemies Act) لمحاولة تسريع ترحيل أشخاص يُشتبه بصلتهم بعصابات مثل Tren de Aragua.

المواقف الفنزويلية
مادورو والحكومة الفنزويلية يعتبران أن هذه السياسات تشكل انتهاكًا لسيادة فنزويلا، وتتهم واشنطن بالسعي إلى تغيير النظام تحت ذريعة مكافحة المخدرات، بل وترى أن النية هي في السيطرة على الثروات الطبيعية، خصوصًا النفط، وإعادة فنزويلا إلى النفوذ الأمريكي.
كذلك فنزويلا قامت بتعبئة عسكريّة، ونشرت قوات موسّعة على الحدود مع كولومبيا وعلى الساحل، وطلبت من المواطنين المشاركة في ميليشيات دفاعية، تحسبًا لأي تدخل أمريكي محتمل.
الجانب القانوني والدولي
محللون قانونيون يشيرون إلى أن استخدام القوة العسكرية خارج إطار حرب معلنة له قيود واضحة في القانون الدولي والعرف الدبلوماسي.
يُطرح السؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تملك تفويضًا قانونيًا من الكونغرس لهذه الضربات، أو ما إذا كانت هذه الأفعال تشكل اغتيالات أو انتهاكًا للقانون البحري وحماية المدنيين.
من جهة أخرى، تثير واشنطن مسألة “الأمن القومي” وتهديد المخدرات – خصوصًا المواد شديدة الخطورة مثل الفنتانيل – بوصفها ضغينة تُجبر على رد فعل أقوى من مجرد حجز المخدرات أو إيقاف السفن على الحدود.
تحليل الموقف الحالي وتداعياته المحتملة
رسائل ترمب الأمريكية
تعبير صريح عن رغبة في استخدام القوة الحركية (kinetic force) ضد جرائم المخدرات، ليس فقط على الأراضي، بل أيضًا في البحار. وهو ما يعكس سياسة أكثر تصادمًا مقارنة بإدارات سابقة.
محاولة لبث رسالة ردع واضحة: أن الولايات المتحدة لن تكتفي بالمراقبة أو التحذير، بل ستنفّذ ضربات بشكل مباشر ضد أي جهة يُشتبه أنها تُرسل المخدرات إليها.
المخاطر والتحديات
تصعيد عسكري واسع: قد تؤدي هذه الضربات إلى استجابات من فنزويلا، سواء عبر عمليات دفاعية عسكرية أو اشتباكات بحرية غير متوقعة، ما قد يرفع من خطر الصدام المباشر بين الدول.
التداعيات القانونية: استخدام القوة في المياه الدولية أو القريبة من المياه الإقليمية لفنزويلا، المسائل المتعلقة بالتعريف القانوني للكارتلات كـ”منظمات إرهابية”، وضرورة وجود أدلة قابلة للتحقيق وإشراف قضائي، كل ذلك مؤجج للجدل.
ردود الفعل الإقليمية والعالمية: من الممكن أن تلجأ فنزويلا إلى منظمات دولية تطالب بالتدخل، أو تلجأ إلى حكومات حليفة للحصول على دعم سياسي أو عسكري، مما قد يعقّد المشهد في أمريكا اللاتينية.
الأمن الداخلي الأمريكي: قد يستخدم ترمب هذا النهج في حملته، أو ليُظهر تأثيرًا محليًّا في الداخل الأمريكي، لاسيما في الولايات التي تتضرر بشكل كبير من تهريب المخدرات. لكن أيضًا هذا الأسلوب قد يعرّضه لاتهامات بعدم احترام القانون والفصل بين السلطات.
الإنسانية والحقوق: مطالبة منظمات حقوق الإنسان بالشفافية في عدد الضحايا والتأكد من أن المدنيين لم يُستهدفوا بالخطأ، وضمان احترام حقوق الإنسان حتى في العمليات العسكرية المعقدة.
موقف محتمل للمعارضة والسيناريوهات المستقبلية
المعارضة في الولايات المتحدة
أعضاء في الكونغرس من الحزبين (ديمقراطي وجمهوري) قد ينتقدون تجاوز الصلاحيات التنفيذية دون استشارة أو موافقة تشريعية.
منظمات حقوق الإنسان أو القانونية ستطالب بكشف الأدلة، وربما بمراجعة قضائية أو تحقيق مستقل في ما إذا كانت الإجراءات متوازنة مع القوانين الدولية الأمريكية.
السيناريوهات المحتملة
مزيد من الضربات البحرية والجوية: من الممكن أن تتصاعد الضربات ضد الكارتلات إلى أن تشمل مواقع داخل فنزويلا، إذا اعتُبرت هذه المواقع تُستخدم كمراكز انطلاق أو دُعم للنشاطات المخدّرة.
رد من فنزويلا يحذّر من تدخل مباشر: مادورو قد يعلن "جمهورية في السلاح" أو ينفّذ تحركات عسكرية دفاعية أوسع، مثلاً تعزيز القوات البحرية أو الحرس على السواحل، وربما سياسات دعائية تقوية من داخله للتماسك الشعبي ضد ما يصفه بالعدوان.
تورّط الجهات الدولية: الأمم المتحدة أو منظمة الدول الأمريكية قد تُدعو إلى جلسات طارئة، وقد يُطرح موضوع انتهاكات السيادة. قد تلعب دول أمريكا اللاتينية دور وسيط أو ناشطة للسلام أو لخفض التوتر.
تأثير اقتصادي ودبلوماسي: العقوبات قد تتوسع، والعزلة الدولية لفنزويلا قد تزداد، وقد تمارس الكراكاس ضغوطًا على شركائها التجاريين للوقوف إلى جانبها، فيما الولايات المتحدة تستمر في تشديد العقوبات الاقتصادية.
الضربة الأخيرة التي أعلنتها الولايات المتحدة ضد مركب يُشتبه بنقله مخدرات من فنزويلا تُعد أحدث حلقات تصعيد دبلوماسي وعسكري بين البلدين، في إطار سياسة أمريكية أكثر حدة تجاه ما تُسميه “مخاطر المخدرات”، لكن مع احتمال أن تُستخدم هذه السياسة كمقدمة لضغوط شاملة ضد النظام الفنزويلي.
المعركة ليست فقط على سطح البحر، بل هي أيضًا في ساحات القانون الدولي، الشعبية الداخلية، والصورة الدولية. والأهم من ذلك: كيف سترجع هذه الخطوات على الاستقرار في الكاريبي وأمريكا اللاتينية ككل، ومدى قدرتها على الحد من تدفقات المخدرات فعلاً دون إحداث أضرار جانبية جسيمة.