مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

حرب تايلاند وكمبوديا.. صراع حدودي يتحول إلى اختبار للأسلحة الأمريكية والصينية

نشر
الأمصار

في تطور عسكري خطير على الساحة الآسيوية، اشتعل النزاع الحدودي القديم بين تايلاند وكمبوديا وتحول منذ مايو/أيار الماضي إلى حرب شاملة، ليعيد المنطقة إلى دائرة التوتر ويضع الأسلحة الصينية والأمريكية تحت اختبار ميداني مباشر.

الصراع، الذي تجدد شرارته بعد مقتل جندي كمبودي في اشتباك حدودي يوم 28 مايو، تصاعد بوتيرة سريعة، إذ تبادلت الدولتان القصف المدفعي والهجمات الصاروخية والغارات الجوية.

 ووسط هذه المواجهات، برز استخدام الأسلحة الأمريكية من جانب تايلاند مقابل الأسلحة الصينية التي تستخدمها كمبوديا، في مشهد يعكس امتداد التنافس الجيوسياسي بين بكين وواشنطن.

وبينما تعتبر تايلاند حليفاً رئيسياً غير عضو في الناتو للولايات المتحدة، حيث تعتمد بشكل شبه كلي على الطائرات الأمريكية F-16، تلقت كمبوديا دعماً عسكرياً كبيراً من بكين، بلغ أكثر من 100 مليون دولار مساعدات خلال السنوات الأخيرة. 

كما اشترت أنظمة إطلاق صواريخ صينية من طرازات AR2 وType 90B وSH15، بالإضافة إلى تطوير قاعدة ريام البحرية بدعم صيني.

 

يرجع أصل النزاع إلى ترسيم الحدود إبان الحقبة الاستعمارية الفرنسية في أوائل القرن العشرين، والذي لا يزال يثير التباساً قانونياً وسيادياً حول مواقع أثرية بارزة، أبرزها معبد برياه فيهير، الذي منحته محكمة العدل الدولية لكمبوديا في عام 1962، بالإضافة إلى معبدي "تا موين ثورن" و"تا كرابي".

اشتباكات عنيفة وخسائر بشرية

الاشتباكات الأخيرة أسفرت عن مقتل 38 شخصاً ونزوح أكثر من 300 ألف آخرين، بحسب التقارير الميدانية. ونقلت وسائل إعلام مشاهد حية للمعارك، أظهرت اشتباكات مباشرة على طول الحدود البالغ طولها 800 كيلومتر، مما أثار قلقاً متزايداً من تحوّل النزاع إلى صراع إقليمي أوسع.

وقف هش لإطلاق النار

رغم التوصل إلى هدنة غير مشروطة برعاية ماليزيا في 29 يوليو الجاري، اتهم الجيش التايلاندي كمبوديا بانتهاك الاتفاق، بعد رصد عمليات إطلاق نار وهجمات على عدة مواقع داخل أراضيها. 

فيما نفت كمبوديا وقوع تلك الانتهاكات، مؤكدة التزامها بوقف إطلاق النار، وسط محاولات للتهدئة عبر لقاءات بين قادة عسكريين من البلدين.

أبعاد استراتيجية للأسلحة

التصعيد العسكري بين البلدين لا يُعد مجرد صراع إقليمي، بل يمثل اختباراً حقيقياً لكفاءة الأسلحة الصينية أمام نظيراتها الأمريكية. وبحسب تحليل نشره موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي، فإن النتيجة الميدانية لهذا النزاع قد تؤثر على قرارات شراء السلاح في دول الجنوب العالمي، حيث تراقب دول عدة كفاءة أنظمة التسلح خلال النزاعات الحديثة.

صراع نفوذ في آسيا

الصراع يعكس عمق المنافسة الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة في آسيا، ليس فقط عبر الدعم العسكري، بل من خلال التوسع الاستراتيجي البحري والسياسي، إذ تسعى بكين لتوسيع نفوذها في بحر الصين الجنوبي وشبه الجزيرة الهندية الصينية، في وقت تعمل فيه واشنطن على تعزيز تحالفاتها التقليدية.

ورغم الدعوات الدولية لخفض التصعيد، فإن الغموض يكتنف مصير الحرب، خاصة في ظل استمرار الاتهامات المتبادلة، وعدم وجود آلية رقابة فعالة على تنفيذ وقف إطلاق النار. وتبقى المنطقة على صفيح ساخن، مع ترقب مخرجات الجولات التفاوضية الجديدة، واحتمالات التصعيد أو التهدئة خلال الأسابيع المقبلة.

أصل النزاع الحدودي بين كمبوديا وتايلان

يمتد النزاع الحدودي بين كمبوديا وتايلاند لعقود طويلة، ويعود جذوره إلى الاستعمار الفرنسي للمنطقة في أواخر القرن التاسع عشر. في عام 1904، تم ترسيم الحدود بين كمبوديا (التي كانت تحت الحماية الفرنسية) وسيام (الاسم القديم لتايلاند) من خلال اتفاقيات استعمارية لم تكن دقيقة دائمًا، ما خلق بؤر توتر متكررة.

معبد بريا فيهير، الذي يقع على قمة جبل دنجريك على الحدود بين البلدين، أصبح محور النزاع. رغم أنه يقع جغرافيًا على أراضٍ صخرية صعبة الوصول من الجانب الكمبودي، إلا أن التايلانديين يعتبرونه جزءًا من تراثهم الثقافي والتاريخي.

 

في عام 1962، أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا يقضي بأن المعبد يقع ضمن السيادة الكمبودية، ما أثار غضب تايلاند، التي استمرت في المطالبة به ضمنيًا. ولم تهدأ الأوضاع بشكل كامل منذ ذلك الحين، بل ازدادت توترًا بعد إدراج المعبد ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو في عام 2008، بطلب من كمبوديا.

انفجار لغم يشعل صراعا بين كمبوديا وتايلاند.. اشتباكات حدودية وغارات جوية -  CNN Arabic

تفجر النزاع: 2008–2011

 

مع إدراج معبد بريا فيهير كموقع تراث عالمي، اندلعت الاحتجاجات داخل تايلاند، حيث اتهم القوميون الحكومة بالتنازل عن السيادة. على الأرض، تحركت القوات التايلاندية نحو المناطق الحدودية، وردّت كمبوديا بتعزيز مواقعها. اندلع أول اشتباك دموي في يوليو 2008، وأسفر عن مقتل جنود من الجانبين وسقوط جرحى، إلى جانب إخلاء السكان المحليين.

تكررت الاشتباكات المسلحة في فترات متقطعة، أبرزها في فبراير وأبريل 2011، حيث استخدمت المدفعية الثقيلة والأسلحة الرشاشة، واستُهدفت البنية التحتية والقرى القريبة من خط النار. قدرت منظمات حقوقية أن أكثر من 85,000 شخص قد تم تهجيرهم بسبب القتال.

وأسقطت مقاتلات تايلاندية، الخميس، قنابل على أهداف عسكرية كمبودية على طول حدودهما المتنازع عليها، حيث أسفرت اشتباكات مسلحة بين الجارتين الواقعتين في جنوب شرق آسيا عن مقتل 11 مدنيا على الأقل، في تصعيد حاد للتوترات يهدد بتحولها إلى صراع أوسع نطاقا.