ما هي الرسائل التي تحملها طهران وراء زيارة الرئيس الإيراني إلى مسقط؟

في وقت تشهد فيه المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة بعض التعقيدات، يقوم الرئيس الإيراني مسعود بزشکیان بزيارة العاصمة العُمانية مسقط، وسط تكهنات واسعة حول هدف الزيارة الحقيقي، الذي قد يبعد الأخبار المتدولة على المواقع الإعلامية والطاولات النقاشية…

وفي وقت بالغ الحساسية، تأتي زيارة الرئيس بزشكيان إلى سلطنة عمان ، ووسط جولة خامسة من المحادثات النووية لم تسفر بعد عن نتائج حاسمة.
وجاءءت زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى مسقط، في وقت تكاثرت فيه المساع الدبلوماسية لإعادة الروح إلى الاتفاق النووي المترنح بين طهران وواشنطن.
وفي زيارة تحمل أكثر مما تعلن، تبدو الزيارة رسميا لتعزيز العلاقات الثنائية، إلا أن ما بين السطور يكشف عن تحركات لفتح كوة في جدار الجمود النووي…
+ما هي الرسائل التي تحملها طهران؟ وهل باتت الصفقة النووية أقرب مما يتصور البعض؟
سلطنة عمان، هي مركز الثقل الإقليمي لوساطة هادئة وفعالة بين الطرفين. لكن زيارة الرئيس الإيراني في هذا التوقيت بالذات أعادت تفعيل التكهنات بشأن اقتراب صفقة مرحلية أو تفاهم مؤقت.

وترجع أهمية هذه الزيارة في ظاهرها إنها استكمال للتعاون الاقتصادي بين طهران ومسقط، والذي شهد نمو لافت خلال السنوات الأخيرة. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 20 مليون دولار إلى أكثر من 2 مليار خلال عامين فقط، في دلالة على تقارب استراتيجي يتجاوز الشكليات.
وبالفعل فقد تم التوقيع بين البلدين على 18 مذكرة تفاهم، لم يكن سوى الغلاف العلني لتحركات دبلوماسية تستهدف تحريك الجمود في ملف التخصيب النووي، وهو العقدة الأكبر التي تحول دون أي اختراق تفاوضي.
وبحسب تكهنات بعض الصحف الإيرانية اليوم حول أهداف تلك الزيارة، فأن أبعادها قد تتجهة لتطورات الوساطة العُمانية بين طهران وواشنطن، وأنّ الملف النووي، وتحديداً قضية تخصيب اليورانيوم، باتت تمثل العقبة الأكبر أمام أي اختراق محتمل في مسار التفاهمات.
وبالرغم من إعلان طهران أن زيارة بزشكيان تهدف إلى "تعزيز التعاون الاقتصادي والعلاقات الثنائية" بين البلدين، إلا أن الصحف الإيرانية أكدت أن المحور الأساسي للمباحثات سيكون من دون شك "مقترحات وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي" التي طُرحت خلال الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في روما يوم الجمعة الماضي.
وبحسب بعض المراقبين، المقترح الأول يتضمن تشكيل كيان صناعي عربي إيراني مشترك لتخصيب اليورانيوم، كوسيلة لموازنة السيطرة التقنية ومخاوف الانتشار. أما المقترح الثاني، فينص على تعليق إيران مؤقت لنشاطات التخصيب مقابل رفع جزئي للعقوبات، تشمل الإفراج عن أموال مجمدة والسماح بتصدير النفط.
إلا أن كلا المقترحين يواجهان صعوبات كبيرة؛ فالاتفاق المؤقت لا يحظى بقبول داخلي في إيران ولا في الولايات المتحدة، في حين فقد خيار الكونسورتيوم جاذبيته بسبب الخلاف على المكان القانوني والموقع الجغرافي (لتخصيب اليورانيوم).
ومنذ 12 أبريل الماضي، بدأ الوفد الإيراني الذي يرأسه وزير الخارجية عباس عراقجي، والوفد الأميركي بقيادة المبعوث ستيف ويتكوف محادثات غير مباشرة من أجل التوصل لاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، حيث عقدت 5 جولات وصفت بالإيجابية.
إلا أن مسألة السماح لطهران بتخصيب اليورانيوم لا تزال من بين أكثر المواضيع تعقيدا، إذ يتمسك الجانب الإيراني بما يعتبره "حقا سياديا" وخطا أحمر لا يمكن التنازل عنه. بينما ترفض الإدارة الأميركية السماح لطهران بالتخصيب داخل البلاد.
وتتباين قراءات الداخل الإيراني للمفاوضات النووية. تصريحات بزشكيان الأخيرة، بأن إيران "لديها مئة طريق إذا فشلت المفاوضات"، تؤكد على خطاب مزدوج: صلابة أمام الداخل، وانفتاح محسوب للخارج.
فقد شدد المرشد الأعلى نفسه على ضرورة عدم حصر الرهانات على المفاوض الأميركي، وهو ما يترجم سياسيا بتوسيع علاقات طهران نحو الشرق، وتحديدًا مع الصين، ومنظومة البريكس ومنظمة شنغهاي.
صدقيان يرى أن هذه المواقف تشكل "رسالة مزدوجة": طمأنة للشارع الإيراني بأن البلاد لن ترهن لنتائج تفاوضية، وتحفيز للمفاوض الأميركي بأن لدى طهران بدائل جدية، بما في ذلك استثمار الاتفاقية الاستراتيجية مع بكين، البالغة قيمتها 400 مليار دولار على مدى 25 عام.
وتعد زيارة بزشكيان إلى مسقط ليست رحلة دبلوماسية عادية، بل هي جس نبض فعلي لمعادلة تفاوضية جديدة قد تطرح على طاولة الرئيس ترامب، في إطار اتفاق مرحلي أو تفاهم قابل للتوسيع. وبينما تواصل سلطنة عمان لعب دور العراب الهادئ، يبقى نجاح الصفقة رهين توازنات دقيقة بين ضمانات إيران السيادية ومطالب واشنطن الأمنية.