رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

أدهم إبراهيم يكتب: نحو عراق زاهر ومستقل

نشر
أدهم إبراهيم
أدهم إبراهيم

شهد العراق دمارا واسعا نتيجة الحروب والحصار، ثم الغزو الامريكي الغاشم، الذي جلب معه الاطروحات الدينية والطائفية لتكريس الفوضى والفساد. والناس في كل مكان يعانون من الفقر والجهل وتفشي المخدرات ، وانعدام الامن والخدمات العامة.

وتكالبت دول عديدة عليه للتدخل بشؤونه سرا وعلنا، واصبح الان قاب قوسين او ادنى من حرب اقليمية تستنزف قواه البشرية والاقتصادية لعقود طويلة اخرى . كل ذلك نتيجة استقطابات دينية وطائفية تخدم دول الجوار ولا تخدم الشعب العراقي بكل اطيافه المتنوعة.

ويقف العراق الان على مفترق طرق، وهو يصارع التحديات التي واجهت شعبه وبنيته التحتية ، بعد عجز  النظام السياسي عن معالجة الازمات المتلاحقة حتى وصل الى مرحلة الاحتضار.
 وبينما نفكر في طريق إعادة بناء وطننا، علينا ألنظر إلى الهوية الوطنية البعيدة عن الانقسامات الدينية والطائفية كمنطلق أساس. 
وتدعونا الحاجة الماسة للوحدة المبنية على القيم المشتركة والرؤية الجماعية التي تمهد الطريق لوطن مزدهر ومتناغم.

العراق يضم العديد من الأعراق والثقافات والمعتقدات الدينية المتنوعة، وبدلاً من النظر إلى هذا التنوع باعتباره مصدراً للانقسام، يجب علينا الاعتراف باعتباره قوة تثري المجتمع . ومن خلال الارضية المشتركة يمكننا بناء دولة أكثر شمولا ووحدة.

‬وقد اصبحت الحاجة ملحة الى مشروع‭ ‬عراقي‭ ‬وطني‭ ‬لا‭ ‬يستثني‭ ‬أحدا‭ ‬وينبذ‭ ‬الطائفية‭ ‬التي تفرق ، ولاتجمع  . 
  والتاريخ العتيد يزودنا بدروس قيمة لتجاوز العواقب المترتبة على التوترات الدينية والطائفية التي يثيرها اصحاب المصالح النفعية والحزبية الضيقة ، ويصبح لزاما علينا التمسك بوطن موحد لتحقيق الاستقرار ، والاستقلال الناجز .
ومن خلال التعلم من التجارب المريرة ، يمكننا تحقيق مستقبل زاهر يسود فيه التعاون والرؤية الواحدة على الفرقة والانقسام .

إن إعادة بناء الوطن تتطلب جهودا غير اعتيادية ، فالتغيير المنشود  يتمثل في تغيير البنية الأساسية   للعملية السياسية ، بمعنى آخر التخلي عن الطائفية والمناطقية التي مهدت لتدخل دول كبرى ، واخرى اقليمية ، حتى صار العراق ساحة لتصفية الحسابات افقدته  سيادته واستقلاله .

ولاجل تقويم العملية السياسية وإعادة بناء الدولة في العراق لابد من اتخاء تدابير  أساسية لعل اهمها:

مراجعة شاملة للدستور العراقي :

 اول الخطوات لتصحيح المسار،  لابد من تعديل الدستور بما يوائم الطبيعة الاجتماعية والثقافية للشعب العراقي وضمان وحدته ، بعيدا عن التقسيمات الطائفية والمناطقية .
والذهاب نحو نظام شبه رئاسي يُنتخب فيه الرئيس من قبل الشعب مباشرةً . ورئيس الوزراء من قبل البرلمان ، وتوزع الصلاحيات بينهما لتجنب الاستئثار بالسلطة . مع حضر الاحزاب الدينية والطائفية ، لكونها مدعاة للتفرقة والانقسام .

السلام والأمن
تعد سيادة القانون والاستقرار الأمني من أهم متطلبات بناء الدولة، حيث يجب توفير الحماية للمواطنين من العنف والإرهاب واستغلال النفوذ . وفي العراق، يعد انتشار السلاح والفصائل الحزبية المسلحة من أبرز التحديات التي تواجه عملية إعادة البناء، والتي يجب مواجهتها بشكل حازم من خلال بناء جيش وشرطة وطنية وانهاء الميليشيات الحزبية التي تستنزف موازنة الدولة وتعبث بامن المواطنين .

استقلالية القضاء 
مبدا إستقلال القضاء يعني قدرة  المحاكم على إتخاذ القرارات في الدعاوى والنزاعات المعروضة أمامها بحيادية ، دون تدخلات  خارجية وخصوصا من السلطة التنفيذية او الاحزاب المتنفذة .

التنمية:
تحفيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل أمر ضروري لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل ويشمل ذلك الاستثمار في الصناعات الرئيسية، وتشجيع ريادة الأعمال، وتعزيز الصناعة ، والتخلص تدريجيا من الاقتصاد الريعي المعتمد على مبيعات النفط.

بناء الهوية الوطنية

يتوجب تعزيز الهوية الوطنية العراقية المشتركة، وبناء شعور بالانتماء للوطن بعيدا عن طغيان الانتماءات الفرعية كالعشيرة والطائفة والقبيلة . وان لايكون الايمان بهذه الانتماءات على حساب الانتماء الكلي للوطن وأن أي خلل في ذلك الانتماء سيعود بلا شك بالسلبية تجاه الهوية الوطنية
لدى جميع المواطنين .
   وفي قلب الوحدة الوطنية يكمن العيش المشترك المستند على القيم الوطنية المتجذرة في التاريخ، والتراث الثقافي، وتجمعنا رؤية واضحة للمستقبل،  تكون اساسا للاحساس بالانتماء للوطن بدل الانتماءات الفرعية الواهية التي تكرس للطائفية والعنصرية .
وهنا يلعب الاعلام دوراً محورياً في كسر الصورة المشوهة للهوية الوطنية الواحدة . 

 وكذلك من خلال تعزيز التفاهم في المناهج الدراسية المبنية على روح التسامح والاحترام المتبادل،  بما يحقق تنشئة اجيال تقدر الوحدة وترفض التحيزات الجهوية .

   إن إعادة بناء العراق تتطلب حكماً شاملاً يضمن التمثيل والمشاركة من جميع شرائح المجتمع. 
ومن خلال تفكيك الهياكل التي تديم الاحتكارات الدينية أو الطائفية، يمكننا خلق مشهد سياسي يعكس الوحدة الحقيقية لأمتنا.

وفي الختام، فإن رحلة إعادة بناء العراق تتطلب التزاماً جماعياً بالوحدة التي تتجاوز الاختلافات الدينية والطائفية.  ومن خلال الاعتراف بتنوعنا، والتعلم من التاريخ، والتأكيد على القيم المشتركة، وتعزيز التعليم من أجل التفاهم، والدعوة إلى الحكم الشامل، يمكننا وضع الأساس لعراق مزدهر ومتناغم.  لقد حان الوقت لصياغة مسار يوحدنا في هدفنا المشترك المتمثل في إعادة بناء وطننا على اسس علمية مجربة .