رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

تونس.. أهمية راسخة في المُحيط المغاربي وتطور جذري في السياسة الخارجية

نشر
الأمصار

تُعد تونس من الدول المفصلية من بين بلدان الأقطار العربية، لما تُمثله من أهمية كبرى على مستوى الموقع الجغرافي والموارد الاقتصادية، فضلًا عن الدور السياسي البارز الذي تتمتع به الجمهورية التونسية، كونها من أكثر الدول العربية والإفريقية، تأثيرًا على مستوى العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع سائر دول العالم.

 

 

أهمية تونس في مجالها الحيوي

 

من الناحية الجغرافية، تقع تونس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في شمال أفريقيا، بمنتصف الطريق بين المحيط الأطلسي ودلتا النيل، وتُشكل بروزًا في الشاطىء الإفريقي، قريب من أوروبا وشواطىء فرنسا وإيطاليا، كما تأخذ سواحل البلاد، موقعًا متوسطيًا فريد من نوعه.

 

تبلغ مساحة تونس 163,610 كم مربع (63,170 ميل مربع)، ويبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، كما تحتوي على الطرف الشرقي لجبال الأطلس والروافد الشمالية للصحراء الكبرى، بجانب الكثير من أراضيها المتبقية من الأراضي الصالحة للزراعة، ويشمل خطها الساحلي الذي يبلغ طوله 1300 كيلومتر (810 ميل) الارتباط الأفريقي بين الأجزاء الغربية والشرقية من حوض البحر الأبيض المتوسط. تونس هى موطن لأقصى نقطة في شمال أفريقيا، رأس أنجلة، وعاصمتها وأكبر مدنها هى مدينة تونس، وتقع على الساحل الشمالي الشرقي.

 

 

كيف تطورت السياسة الخارجية في تونس منذ الثورة في ٢٠١١؟

 

 

تقلبات عديدة اتسمت بها السياسة الخارجية في تونس عقب ثورة 2011، على غرار باقي ثورات الربيع العربي التي شهدت حالة من الاضطرابات، حيث اتسمت السياسة الخارجية لتونس، بالاصطفاف خلف محاور عربية نابعة من حالة الانقسام السياسي الداخلي في تونس، بين حزب النهضة ذو التوجه الإسلامي، وباقي الأحزاب ذات التوجه العلماني.

 

السياسة الخارجية لتونس منذ قدوم الرئيس قيس سعيد

 

عقب قدوم الرئيس قيس سعيد في عام 2019 اكتسبت الدبلوماسية والسياسة الخارجية التونسية، طابعًا جديدًا لاح بالأفق مع التقرب من المحور الروسي الصيني، فيما شهدت علاقة تونس بكل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، حالة نسبية من التوتر، بعدما وجه لهما الرئيس قيس سعيد، رسائل عديدة في أكثر من مناسبة كانت أولها استدعاء القائمة بأعمال السفارة الأمريكية للاحتجاج على تصريحات وزير الخارجية توني بلينكن واعتباره “تدخّلا سافرا” في الشأن الداخلي التونسي، ورفضه مواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإملاءاته، فضلا عن توتّر العلاقات مع الإتحاد الأوروبي في خصوص ملف الهجرة غير الشرعية، ورفض لما يعتبره “ابتزازًا” مقابل مساعدات مالية، فضلًا عن موقفه تجاه الحرب في قطاع غزّة، وتجديد دعمه الثابت للقضية الفلسطينية، في وجه القوى الغربية المساندة للاحتلال الإسرائيلي.

 

 

تأثير تونس في الهجرة غير الشرعية

 

 

وفقًا للإحصائيات، تزايدت معدلات الهجرة غير الشرعية، التي سببت حالة من الأرق المُزمن لدى الحكومة التونسية، بسبب تداعياتها وانعكاساتها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، في وقت تعول خلاله تونس على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في دعم التنمية ومواجهة موجات الهجرة التي تستنزف الاقتصاد.

 

وخلال الآونة الأخيرة وقعت الحكومة التونسية مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي تهدف إلى الحد من الهجرة، بعد أن أصبحت تونس نقطة انطلاق من أجل الوصول إلى الأراضي الأوروبية عبر البحر المتوسط، وهو ما دفع تونس للتأكيد مع شركائها من دول الجوار، ومن بينها ليبيا، للتأكيد على ضرورة تبني سياسة مشتركة لمواجهة أزمة الهجرة غير الشرعية، التي تتصدر المشهد التونسي في الوقت الحالي.

 

عطفًا على السابق، وصف البرلمان التونسي، السياسة الأوروبية في التعامل مع قضية "الهجرة غير الشرعية" بأنها سياسة انتقائية منذ عقود، وتمارس حتى الآن بنفس الآليات، منوهًا بأن الضغط الذي تمارسه الدول الأوروبية في ملف "الهجرة غير الشرعية"، على دول شمال أفريقيا، يهدف بالأساس لإبقاء المهاجرين أطول فترة ممكنة، ومن ثم الانتقال للمرحلة الأخرى وهى انتقاء العناصر التي تحتاج إليها من اليد العاملة.

 

 

تأثير تونس في محيطها المغربي

 

تتميز تونس بالعديد من المزايا التي جعلتها تحتل أهمية كبرى في الشمال الإفريقي، كونها تفصل ما بين مصر وليبيا من الشرق، والجزائر والمغرب من الغرب، وهى تُشكل دائرة حيوية في الشمال الإفريقي، وهى تعتبر دولة شاطئية غير ممتدة جنوبًا لشتمل أجزاء من الصحارى الإفريقية الكبرى، وهى دولة سهول ومرتفعات محدودة ومجاري مائية عديدة، ما أدى إلى توافر المساحات الخضراء، ولُذلك اكتسبت لقبها ذائع الصيت "تونس الخضراء".

 

كانت تونس أول دولة توقع معاهدة الأخوة والوفاق مع الجزائر، عام 1983 خلال تاريخ الجزائر المستقلة، ارتبطت الجزائر بعدد من الشراكات الاقتصادية مع تونس، ومنها خط الأنابيب الذي يربط الجزائر بإيطاليا مرورا بتونس، إزدادت العلاقات بين البلدين قربا عام 1987 وذلك بعد رحيل الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة من السلطة، وتولي الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وفي 8 يناير 2013 صدّق البرلمان الجزائري، على مشروع قانون متعلق بترسيم الحدود البحرية مع تونس.

 

وشمل مشروع القانون، الموافقة على اتفاقية الحدود البحرية بين الجزائر وتونس، مادتين وملحقاً يشمل تسع مواد تهدف في مجملها إلى الضبط النهائي للحدود البحرية بين البلدين من خلال ممارسة كل طرف في مجاله البحري، سيادته أو حقوقه السيادية أو ولايته القانونية. وتنص الاتفاقية وفق التقرير التمهيدي للجنة الشؤون الخارجية والتعاون والجالية على تبادل المعلومات في حال التنقيب لاستكشاف أو استغلال الموارد الطبيعية على مقربة من خط الحدود البحرية، وفي حال إمكان استغلال هذه الموارد كلياً أو جزئياً انطلاقاً من الجانب الآخر لخط الحدود يضبط الطرفان باتفاق مشترك الترتيبات المتعلقة بهذا الاستغلال، كما تنص الاتفاقية على تسوية كل خلاف ينشأ بين الطرفين بخصوص تفسيرها أو تطبيقها عن طريق المفاوضات، وإن تعذّر ذلك يتم اللجوء إلى أي طريقة سلمية أخرى يقبلها الطرفان وفق القانون الدولي، إلى جانب ذلك، شهدت العلاقات التونسية الليبية حالة من التقارب، وسط مساعي لتعزيز سبل العلاقات في المجال التربوى، وتطوير العلاقات بين البلدين. 

 

أما العلاقة بين تونس والمغرب، فقد شابها بعض التوتر، خصوصًا عندما استقبل الرئيس التونسي، قيس سعيّد، في 26 من أغسطس 2022، زعيم جبهة البوليساريو في قصر قرطاج، على هامش مشاركته بالدورة الثامنة لمنتدى التعاون الاقتصادي الإفريقي الياباني، الذي استضافته تونس في 27 و28 أغسطس من العام ذاته، ليرد المغرب عبر بيان الخارجية المغربية "بعد أن ضاعفت تونس مؤخرا من المواقف والتصرفات السلبية تجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا"، جاء السلوك التونسي الأخير "ليؤكد بشكل صارخ هذا التوجه العدائي" ليقرر المغرب عدم مشاركته في أعمال القمة، بجانب استدعاء سفيره في تونس للتشاور.

 

 

الصعود الصيني الروسي وتأثيره عالميًا وعربيًا

 

الدور الصيني الروسي، شهد تصاعدًا داخل النظام العالمي، تم تسجيله من خلال «مجموعة العشرين» (G - 20)، التي باتت تلعب دوراً مركزياً في إدارة النقاش العالمي حول إصلاح النظام الاقتصادي والتجاري العالمي، وعلى رأسه إصلاح صندوق النقد الدولي، وقد نجحت الصين بشكل لافت في الاضطلاع بالدور المركزي داخل المجموعة والتعبير بقوة عن مصالح الاقتصادات الناشئة والنامية، فضلًا عن دور روسيا والصين في تأسيس مجموعة «بريكس» التي تضم الاقتصادات الناشئة الخمس الأهم: الصين، روسيا، الهند، جنوب أفريقيا، البرازيل، بجانب مصر والسعودية والإمارات وإثيوبيا.

 

كمل تجلى التحول الأهم مع طرح المبادرة الصينية الضخمة «الحزام والطريق»، التي تمثل إطاراً لتعميق حالة الاعتماد المتبادل بين الاقتصاد الصيني من ناحية، وعدد كبير من الاقتصادات الموزعة على معظم الأقاليم (شرق آسيا، جنوب شرقي آسيا، جنوب آسيا، وسط آسيا، أوروبا، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشرق أفريقيا)، بهدف خلق «مصلحة عالمية» مستقرة (بما في ذلك لدى القوى الأوروبية وحلفاء الولايات المتحدة) في استمرار عملية الصعود الصيني الروسي.

 

قراءة في السياسة الخارجية التونسية على المدى القريب

 

مؤخرًا، أدلى أكد الرئيس التونسي قيس سعيد، بتصريحات أكد فيها ضرورة التمسك بمبادئ السياسة الخارجية للدبلوماسية التونسية ومن أهمها عدم الانخراط في أي محور واستقلال القرار الوطني، مشددًا على أن مواقف تونس في الخارج تنبع من إرادة شعبها في الداخل، فيما أكدت وزارة الخارجية التونسية، مواصلة دعم علاقات التعاون مع الولايات المتّحدة الأمريكية في إطار الاحترام المتبادل، كما أكدت في الوقت ذاته، رفضها التام لأي تدخّل خارجي في شأنها الداخلي وفي عمل المؤسّسة القضائيّة، وهو مبدأ تحرص تونس على الالتزام به في علاقاتها مع جميع الدول المُجاورة.