رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: هل تعود واشنطن إلى المنطقة بعدما غيرت السعودية قواعد اللعبة؟

نشر
الأمصار

أدركت السعودية أن هناك فرق بين الصين والولايات المتحدة في التعامل مع المنطقة، فالصين لديها مصلحة في إنهاء التوترات في المنطقة، لأن لديها مصلحة في تلاقي مشروعها الحزام والطريق برؤية السعودية 2030، لكن الولايات المتحدة بعيدة عن المنطقة واستراتيجيا لا تود أن تستحوذ الصين على المنطقة على حساب مصالحها، لذلك تدير أمريكا الأزمات في المنطقة دون إنهائها، ما جعل السعودية تتجه نحو تحقيق مصالحها دون الارتهان لأي طرف، لكنها تستفيد من قدرات كل الأطراف دون استبعاد أي طرف، حيث تعتبر واشنطن أن العلاقات السعودية الصينية مسألة أمن قومي لكن السعودية تقدم مصالحها على مصالح الآخرين.

رغم المصالحة السعودية الإيرانية برعاية بكين يبقى هناك صراع خفي بين أمريكا وإيران للسيطرة على الحدود العراقية السورية، وتعتبر إيران معبر البوكمال القائم على الحدود السورية العراقية نكهة استراتيجية وجبهة إيرانية لا يعكرها سوى الغارات الغامضة مع دخول روسيا على الخط والانغماس برا في المسرح المعقد بتوسيع الوجود العسكري في منطقة النفوذ الأميركية والتحرش بقاعدة التنف من بوابة مخيم الركبان، لكن هناك تنسيق روسي أمريكي إسرائيلي تستثمر إيران النفوذ الروسي وتستثمره خصوصا أنها استثمرت الحرب على داعش 2014 في رسم مناطق النفوذ والتعايش على جانبي الحدود بين البلدين، لكن استعر السباق بعدما عززت أمريكا وجودها في غرب العراق وشرق سوريا وقطعت طريق طهران بغداد دمشق بيروت بسيطرتها على معبر التنف ردت طهران بالسيطرة على جيوب غرب الفرات ومناطق في دير الزور وطريق البوكمال للوصول إلى دمشق بيروت والبحر المتوسط بالالتفاف على الطريق التقليدي التنف.

لكن بعدما أعلنت واشنطن في مارس 2019 القضاء الكامل على داعش فلابد من ترك المشاحنات الجيوسياسية الإقليمية الكبيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، رغم ذلك سعت إيران للفوز بنفوذ أكبر عندما شكل الحرس الثوري شبكة ممتدة من الجماعات شبه العسكرية عابرة للحدود تقيد حركة الحكومتين العراقية والسورية في العمل المستقل عن إيران، لكن واجهت واشنطن النفوذ الإيراني عبر دعمها قوات سوريا الديمقراطية في سيطرتها على شرق الفرات، وشنت واشنطن في 29 ديسمبر 2019 هجمات جوية ضد مواقع فصائل مدعومة من الحرس الثوري الإيراني إلى أن أمر الرئيس ترمب باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في يناير 2020، وأعلنت واشنطن أنها باقية في التنف حتى تتحقق أهداف استراتيجية كبرى، إضافة إلى مدى جرأة التوسع الروسي والتوغل التركي في شرق الفرات ومستقبل الأكراد في العراق وسوريا، ما جعل السعودية وبقية العرب يتجهون إلى ضم سوريا إلى جامعة الدول العربية من أجل ألا تبقى سوريا منطقة صراعات إقليمية ودولية ويتولى العرب استعادة سيادة سوريا مستثمرين المصالحة بين السعودية وإيران.

لكن لا يزال حتى بعد المصالحة بين السعودية وإيران برعاية بكين في مارس 2023 تواجد يقدر بنحو 15 ألف مقاتل من المجموعات العراقية والأفغانية والباكستانية الموالية لإيران في دير الزور وتحديدا المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال الحدودية مع العراق ودير الزور مرورا بالميادين.

فالصراع مستمر بين إيران وأمريكا، ما جعل القيادة المركزية الأميركية تعلن عن نشر من 12 مقاتلة من طراز إف 35 لايتنينغ 2 في الشرق الأوسط لتعزيز القدرات الجوية في منطقة مسؤوليتها كجزء من العمليات الهادفة لردع إيران وروسيا عن الأعمال الاستفزازية، وأفاد الناطق الرسمي باسم القوة التاسعة لدى القيادة المركزية الأميركية الكولونيل مايك أندروز في بيان بأنه التنسيق مع حلفائنا الإقليميين وشركائنا والبحرية الأمريكية ستشارك طائرات إف 35 مع طائرات من طرازي إف 16 وإيه 10 الموجودة بالفعل في المنطقة للمساعدة في مراقبة مضيق هرمز على اثر محاولات الحرس الثوري الإيراني الاستيلاء على سفن تجارية بعدما حاولت البحرية الإيرانية بشكل غير قانوني الاستيلاء على سفينتين تجاريتين في مضيق هرمز وخليج عمان ووقع الحادث في المياه الدولية، وبشكل متزامن كثفت الطائرات الحربية الروسية من مضايقاتها للطائرات الأميركية فوق سوريا ففي حادثين في 23 يوليو وفي 26 من يونيو 2023 أطلقت مقاتلات روسية قنابل إنارة ألحقت أضرارا بمسيرتين أميركيتين، ما جعل وزارة الدفاع الأمريكية تعلن في 17 يوليو 2023 أنها سترسل مقاتلات إضافية فضلا عن سفينة حربية إلى الشرق الأوسط في محاولة لمراقبة الممرات المائية الرئيسية في المنطقة.

أيضا راهن حزب الله كثيرا على المصالحة بين السعودية وإيران برعاية بكين أن السعودية ستتنازل عن مصالحها وعن مصالح الدول العربية، فكان الاختبار الأول في حقل الدرة الذي أوضحت السعودية أنه حقل كويتي سعودي ليس لإيران نصيب فيه، كما راهن حزب الله على أن السعودية ستقبل تعويم فرنسا لحزب الله عندما رفضت السعودية في اجتماع الخماسي حول لبنان في الدوحة وهو الاجتماع الثاني بعد الاجتماع الأول في باريس وأصرت السعودية ومعها قطر ومصر وأمريكا التأكيد على سيادة لبنان وأن حل الأزمة داخلي تم خلال الاجتماع عرض خارطة طريق مبدئية تتيح الذهاب إلى حل سياسي بضرورة إيجاد مرشح ثالث بعد الجلسة النيابية الأخيرة وحصول فرنجية على 51 صوتا وأذعور على 59 صوتا ينهي الأزمة المستمرة في لبنان ينهي حالة الفراغ في سدة الرئاسة.

ولا تزال الولايات المتحدة تبحث عن آفاق استراتيجية واستثمارية متجددة مع السعودية، فقد التقى سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 27/يوليو 2023 بجيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي ومعه فريق في مجال الأمن والطاقة.

تخفيف حدة الصراع في المنطقة بعد المصالحة بين السعودية وإيران برعاية بكين يساعد في إعادة توجيه الطاقة السياسية إلى الصراعات الداخلية الجوهرية لكنها لا تقلص الصراعات الداخلية الجوهرية،خصوصا وأن أمريكا ليس من أولوياتها منطقة الشرق الأوسط، فيما أولوياتها مواجهة الصين والحرب الروسية في أوكرانيا يمكن للمصالحة السعودية الإيرانية أن تهدئ من أزمات المنطقة، وأرادت السعودية البناء على هذا الزخم الذي ولده نجاح محادثات بكين، فدعا الملك سلمان حفظه الله إبراهيم رئيسي رئيس إيران لزيارة السعودية.

نجاح الصين في تلك المصالحة شكل صدمة لواشنطن التي طالما اعتبرت نفسها الضامن التاريخي لأمن دول الخليج، وهذه المصالحة لن تعزز النفوذ الصيني في الخليج فقط، لكنها تجعل السعودية أقل احتياجا للولايات المتحدة في حماية أمنها القومي، بعدما شككت السعودية في مدى التزام واشنطن عقب تعرض منشآتها النفطية لهجوم الطائرات المسيرة عام 2022 وسحب الباتريوت في نفس التوقيت ناهيك عن عدم تعاونها بالشكل الكافي في تزويدها بالأسلحة والذخائر في حرب اليمن، فبدأت السعودية تنحو نحو الشرق والانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها الصين وتقدمها بطلب للانضمام إلى منظمة بريكس التي تقدم نفسها بديلا عن مجموعة السبع إضافة إلى أن السعودية تلوح بتسعير نفطها باليوان الصيني عقب تخلي واشنطن عن ربط الدولار بالذهب عام 1971 واتجاه السعودية ودول الخليج تسعير النفط بالدولار حصرا، منح السعودية أكثر استقلالية. 

إذن السعودية غيرت قواعد اللعبة في المنطقة عبر الورقة الصينية، رغم ذلك تحتاج السعودية إلى الولايات المتحدة كقوة موازنة تحجم من التحديات الموجودة في المنطقة التي لن تنتهي بالاتفاق السعودي الإيراني، كما أن واشنطن ليست مستعدة للتفريط في مصالحها في المنطقة ولا يزال الدبلوماسيين الأمريكيون يتوافدون بعد تلك المصالحة إلى الرياض لاستعادة النفوذ في السعودية وفي منطقة الخليج، حيث تود أمريكا أن تقوم بعمل مواز لما فعلته بكين التمكن من التطبيع بين السعودية وإسرائيل من خلال تطبيق المبادرة العربية 2002 من أجل أن يستخدمها بايدن ورقة في الانتخابات القادمة، كذلك تود أن تستثمر السعودية هذه الفرصة لتحقيق هدف بناء مفاعل نووي سلمي علنا بجانب الحصول على أسلحة نوعية قادرة على حماية أمن السعودية.