رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: السعودية وأمريكا يخلقان مساحة مشتركة للتفاهم

نشر
الأمصار

تحاول السعودية وأمريكا عن خلق مساحة مشتركة للتفاهم، وهناك خلافات في الرأي لكن البلدين يعملان على إيجاد آليات تمكنهما من العمل معا، ولفت وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى أن الهواجس الأميركية حيال التقارب السعودي مع الصين، حيث أن السعودية لا تقيم علاقة على حساب علاقة أخرى، فلا تزال لدى السعودية شراكة أمنية قوية مع الولايات المتحدة يتم تجديدها بشكل يومي تقريبا، رغم تنامي التعاون مع الصين في نفس الوقت، والسعودية قادرة على إقامة شراكات والتزامات متعددة، كما الولايات المتحدة تفعل نفس الشئ في الكثير من الحالات، هذا الخطاب والرؤية الواضحة من الدبلوماسية السعودية فرض على وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بقوله لا نطلب من أحد الاختيار بين الولايات المتحدة والصين.
بدأت زيارة وزير خارجية أمريكيا بلينكن في 6/6/2023 التي استمرت ثلاثة أيام التقى خلالها بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كما تضمنت أجندتها اجتماعا مع وزراء دول الخليج، في محاولة من قبل واشنطن لتخفيف الهوة بينها وبين شركائها في المنطقة في الكثير من الملفات، وبلينكن ثاني مسؤول يزور السعودية خلال أقل من شهر، بعد زيارة مسؤول أميركي كبير مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان في السابع من مايو 2023.
تعتبر السعودية ان تركيز إدارة بايدن على قضايا حقوق الإنسان في السعودية وإثارته من حين لآخر لا يخلو من خلفات سياسية، وترى أمريكا أن سوريا لا تستحق العودة الى الجامعة العربية، وتعتبر أن نظام الأسد لا يستحق بعد القبول والاعتراف، لكن ترى السعودية بصرف النظر عن نظام الأسد فإن الوضع الحالي والمقاربات السابقة في التعاطي معه لم تؤد إلى نتيجة ولم تحل الوضع الإنساني المتردي والقضايا المتعلقة باللاجئين السوريين، فقامت بكسر العزلة السورية.
كما أعتبر الأمير فيصل بن فرحان أن التطبيع مع إسرائيل في مصلحة المنطقة ولكن لا يمكن تنفيذه دون مسار لحل القضية الفلسطينية عندها ستكون منافع التطبيع ضعيفة، وركزت السعودية على أحقيتها في بناء برنامج نووي مدني، وتفضل السعودية أن تكون الولايات المتحدة أحد مقدمي العروض لهذا البرنامج، أي أن السعودية لم تترك لأمريكا سوى دخول السباق وليس لديها أولوية في ذلك، كما اتبعت السعودية في ملف النفط تطبيق الجانب الاقتصادي كذلك تتبعه في الملف النووي، وليس هذا فحسب بل فصلت السعودية بين خيار التطبيع وقرار بناء محطة نووية كخيار سعودي استراتيجي لن توقفه أي ضغوط، يأتي في ظل تمسك سعودي ببناء محطة نووية في ظل أيضا تقارب السعودية مع الصين على أكثر من مستوى، وتضع السعودية الجميع أمام الأمر المقضي مستفيدين من تجربة نجاح استراتيجية تعدد الشركاء التي اعتمدها الأمير محمد بن سلمان في السنوات القليلة الماضية، حيث تعتبر الصين أكبر شريك تجاري، وروسيا شريكها في صياغة سياسات إنتاج النفط العالمي،  بالرغم من بعض الخلافات الناشئة أخيرا التي تم حلها في إطار ثنائي، والسعودية تحقق مصالحها في عالم تحدده بشكل متزايد منافسة القوى العظمى بالإضافة إلى تحسين العلاقة مع خصوم الولايات المتحدة كالصين وروسيا وفنزويلا من أجل تحقيق مصالحها، ولم تتوقف عند ذلك بل دعت زيلينسكي حليف الغرب الوثيق لإلقاء كلمة في قمة جامعة الدول العربية في مايو 2023.
هناك تكهنات مكثفة لدى الولايات المتحدة بعد منذ مارس الماضي 2023 حين توسطت بكين في اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران في أن أهداف الصين الاستراتيجية في المنطقة تتجاوز صفقات الطاقات التقليدية إلى طموحات ليس فقط سياسية بل وعسكرية وأنها ستنشر قواتها لإظهار قوتها عبر إنشاء قواعد عسكرية، خصوصا وأن الصين تحصل على نحو 53 من وارداتها النفطية من هذه المنطقة، ومن المنطقي أن تتجه نحو حماية تدفق الطاقة إليها، ومن الطبيعي أن تقوم بوقف الصراع في المنطقة بعدما ساد خطف ناقلات النفط نتيجة الصراع في المنطقة، مما يفرض عليها وقف النزاعات بين دول المنطقة.
كما أن إيران والسعودية هما محورين لمشروعها الطريق والحزام، فإيران طريق إلى آسيا الوسطى وأوروبا، والسعودية جزء من الحزام البحري إلى أفريقيا وأوروبا، وكذلك إيران بالنسبة لروسيا طريق قادم من روسيا إلى المنطقة، ولا تمانع السعودية في الطريق الذي اقترحته أمريكا من إسرائيل إلى الهند وهما طريقان بري وبحري بعدما تطبق إسرائيل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية جنبا إلى جنب.
كما تحسب الصين حسابها من أن تايوان بؤرة توتر محتملة بينها وبين الولايات المتحدة، وإذا اندلعت أعمال عدائية فيها، قد تضطر واشنطن لاستخدام التدخل عسكريا لإغلاق ممرات نقل الطاقة إلى الصين، لهذا الاحتمال تعمل الصين على الاستعداد لهذا الاحتمال من خلال تكثيف عمليات نقل الطاقة من الشرق الأوسط، وهو قلق صيني ينتابها من فرض الولايات المتحدة حصار أميركي محتمل على واردات الطاقة من الشرق الأوسط، لذلك تحرص الصين أيضا على الانتشار العسكري في منطقة الشرق الأوسط، وتود الصين أن يكون إنفاقها العسكري مساويا لإنفاق الولايات المتحدة نحو 70 مليار دولار الإنفاق الإقليمي، مقابل إجمالي إنفاق عسكري للصين نحو 224 مليار دولار في 2023، أي أنها تحتاج إلى ثلث إنفاقها العسكري الإجمالي لتصل إلى ما تنفقه الولايات المتحدة، لكنها استبدلت الإنفاق العسكري الذي هو أقل تكلفة للتخفيف من مخاطر تهدد أمن الطاقة ومنها السعي لإنهاء الصراعات الإقليمية من خلال التوسط في اتفاقات الصلح بين الأعداء الدائمين.
ترى السعودية بغض النظر عن موقف الولايات المتحدة أن الوجود الصيني السياسي والاقتصادي والدبلوماسي قوة لا يستهان بها، حتى من دون نشر قوات عسكرية في الشرق الأوسط بأعداد كبيرة بسبب أن صادراتها النفطية الأكبر تتجه نحو الصين والهند وآسيا التي تصل إلى آسيا والشرق الأقصى نحو 73.4 في المائة من إجمالي صادراتها في 2019 صعدت إلى 77 في المائة عام 2020 ثم صعدت إلى 81 في المائة في عام 2022.
لم يتبق أمام الولايات المتحدة سوى الرضوخ للواقع، لذلك حاول وزير الخارجية الأمريكي بلينكن من تأكيد الشراكة مع السعودية، واصفا إياها بأنها استراتيجية مؤكدا أنها لن تغادر واشنطن منطقة الشرق الأوسط، معترفا أن الاتفاق السعودي الإيراني برعاية بكين أمر جيد إذا كان يؤدي إلى خفض التوترات، وتقوم واشنطن بدور إيجابي مع السعودية في إنهاء النزاع في اليمن، وهناك شراكة في السودان لإنهاء العنف، ويرى بلينكن أن العلاقة تسير على مسار إيجابي بناء على المصالح التي يتشاركها الطرفان، وهي تحدث في مساحة أوسع من التعاون في المجال العسكري والطاقة ومكافحة الإرهاب رغم أهمية هذه المجالات.