رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

بعد مرور عام على الحرب.. كيف تأثر إنتاج أوكرانيا من القمح؟

نشر
الأمصار

لم تكن أزمة الحرب الروسية - الأوكرانية، ذات تأثير على طرفيها الأثنين فحسب، بل إنها كانت بمثابة قنبلة موقوتة آتت بالخراب والدمار على العالم أجمع، فكانت ومازالت سبب رئيسي في عدد من المشكلات على رأسها ظهور الأزمة الاقتصادية ومشكلة الحبوب الغذائية وغيرها.

ومنذ بداية الحرب، دخلت روسيا في أكبر مواجهة جيوسياسية مع المنظومة الغربية، ووقعت تحت أضخم قائمة عقوبات عرفها تاريخ العلاقات الدولية، كما وضع الاقتصاد الروسي تحت ضغوط طالت كافة قطاعاته.

وتعتبر "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، أول نزاع عسكري كبير خلال الـ30 عامًا الماضية، تخوضه قوات تستخدم ترسانة شبه كاملة من الوسائل المتاحة للحرب على الأرض وفي البحر والسماء، حتى مع استثناء الأسلحة النووية.

تزايد أزمة الغذاء في العالم 

وفي ضوء التداعيات السلبية التي أفرزتها أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا تأججت أسعار الغذاء في السوق الدولية بسبب تعطيل صادرات الغذاء والحبوب من أوكرانيا وروسيا، فضلا عن تهديدات تخص نقله وما يتطلب من أمن للسفن والعاملين في الزراعة والنقل.

وثمة مخاوف أكبر حول مستقبل الأمن الغذائي في العالم إذا ما توسعت الحرب الروسية على أوكرانيا جغرافيا لتشمل دولا أخرى أو توسعت نوعيا بأن يتم استخدام أسلحة الدمار الشامل، ومن هنا فالجميع يسعى لأن تنتهي هذه الحرب دون دفع فاتورة باهظة على الصعيد الاقتصادي عموما، وعلى صعيد الغذاء خصوصا.

إن العالم قلق من تأخر نحو 25 مليون طن من الحبوب لا تزال عالقة في موانئ أوكرانيا بسبب الحرب، وذلك وفقا لما صرح به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وثمة مساع من قبل الأمين العام لدى الدول المتصارعة للإفراج عن هذه الشحنات وتيسير حركة السفن الخاصة بالغذاء

وتأتي تهديدات الأمن الغذائي العالمي جراء إدارة الأزمة، وليس من حيث كميات الغذاء؛ فروسيا قيدت صادراتها من الحبوب منذ اندلاع الحرب، مما ساعد بشكل كبير على ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق العالمي، كما أن القيود التي فرضتها الحرب على صادرات أوكرانيا من الزيوت والحبوب أدت لنفس النتيجة أيضا.

ولم تتوقف التهديدات على هذا الجانب فقط من خلال أداء طرفي الأزمة، ولكن أطرافا أخرى فاعلة في إنتاج وتجارة الغذاء اتخذت إجراءات تؤدي إلى خلخلة معادلة الأمن الغذائي العالمي، منها قرار الهند حظر صادراتها من القمح، وكذلك رفض الصين تلبية مطلب الاتحاد الأوروبي بالإفراج عن جزء من احتياطياتها من الحبوب من أجل تهدئة الأسعار في السوق الدولية.

وتكتمل الحلقة بتلك المخاوف التي تمر بها بلدان فقيرة أو مديونة تعتمد بشكل رئيسي على استيراد جزء كبير من احتياجاتها من الغذاء، خاصة من روسيا وأوكرانيا.

وتمثل هذه الأزمة أحد أكبر مهددات النظام التجاري العالمي الذي اعتمد على نظرية الميزة النسبية في إنتاج وتجارة الغذاء، لكن على ما يبدو أن الصراع الحالي بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا ستكون له تداعيات سلبية متعددة على النظام الاقتصادي العالمي بكل مكوناته، ويتطلب ذلك أن يعيد الجميع حساباته، خاصة في قضية شديدة الأهمية مثل الأمن الغذائي.

تصنيف عالمي 

وتُعد روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، فيما جاءت أوكرانيا في المرتبة الخامسة، وتوفران معًا 19% من الإمدادات العالمية من الشعير و14% من إمدادات القمح و4% من الذرة، وهو ما يشكل أكثر من ثلث صادرات الحبوب العالمية، وهما أيضا من كبار مصدري زيوت الطعام، وقفزت أسعار القمح إلى أعلى مستوياتها في 14 عامًا.

تأثر إنتاج أوكرانيا من الحبوب

لم تنجو أوكرانيا من تأثير الحرب على إنتاجها من الحبوب، فبالرغم من كونها من الدول المنتجة لتلك الحبوب باستمرار إلا أن الحرب جاءت لتدمر الأخضر واليابس على حدًا سواء.

وفي هذا الصدد، ذكرت شركة للاستشارات الزراعية نقلا عن أكاديمية العلوم الزراعية الأوكرانية أن معظم محاصيل الحبوب الشتوية الأوكرانية في حالة جيدة، وهي القمح والشعير الشتويان، في حالة جيدة ويمكنها أن تحقق إنتاجية جيدة.

ورغم دخول العملية الروسية في أوكرانيا عامها الثاني نقلت شركة "إيه.بي.كيه-إنفورم" عن تقرير للأكاديمية قوله "تحليل صلاحية القمح الشتوي، أظهر أن الغالبية العظمى من النباتات -بين 92 و97% حسب أسلافها وتاريخ غرس البذور- في حالة جيدة نسبيا".

وتزرع أوكرانيا بصفة تقليدية القمح الشتوي الذي يشكل حوالي 95% من إنتاجها الإجمالي من القمح، وهو محصول مهم للاستهلاك المحلي والتصدير على حد سواء.

وقال التقرير "توجد أسباب وجيهة للتوقعات الأولية بأن تكون الإنتاجية قريبة من المتوسط طويل الأمد المعتاد".

وتراجعت المساحة المزروعة بالقمح الشتوي لموسم 2023 إلى حوالي 4.1 مليون هكتار من أكثر من ستة ملايين هكتار قبل عام بسبب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير من العام الماضي.

ومن إجمالي المساحة المزروعة بالقمح الشتوي في العام الماضي، جرى حصاد 4.9 مليون هكتار فقط في مناطق خاضعة للسيطرة الأوكرانية بعد احتلال القوات الروسية لبعض المناطق.

وتراجع حصاد القمح الأوكراني إلى 20.2 مليون طن في 2022 من 32.2 مليون طن في 2021.

وهبط إنتاجها الإجمالي من الحبوب إلى حوالي 54 مليون طن من مستوى قياسي بلغ 86 مليون طن في 2021.

مصير اتفاقية الحبوب بين الطرفين 

الاتفاقية، المعروفة كذلك باسم "مبادرة حبوب البحر الأسود"، وقعتها روسيا وأوكرانيا في 22 يوليو 2022، بوساطة تركية وبإشراف الأمم المتحدة، وتقضي بتسهيل تصدير الحبوب الأوكرانية المكدسة في الصوامع والموانئ نتيجة الحرب.

وبعد مفاوضات عسيرة، تم تجديدها في نوفمبر لمدة 120 يوما، قابلة للتجديد إن لم يعترض أحد الأطراف

وخلال الفترة الحالية، يدخل تجديد اتفاقية تصدير الحبوب منعطف "المياه الراكدة"، وسط تبادل الاتهامات بين روسيا من جهة وأوكرانيا وحلفائها من جهة، بالمسؤولية عن تعطيل التصدير، بينما سينتهي الاتفاق في 18 مارس.

فمن جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الروسية الأربعاء، أنها لن توافق على التمديد "إلا إذا وُضعت مصالح المنتجين الزراعيين الروس في الاعتبار".

تبعات الانسحاب الروسي من الاتفاقية 

أتاحت الاتفاقية تصدير نحو 20 مليون طن من الحبوب، ويري الخبراء أن انسحاب روسيا من الاتفاقية قد "يسبب مجاعة في عام 2023".

وإن لم يتم تمديد الاتفاقية، ينتظر سوق الغذاء عقبات كثيرة كما يلي:- 

-قد يدخل ملايين الأشخاص في 41 دولة تحت خط الفقر المدقع.


- ارتفاع معدلات الجوع لـ1.5 مليار شخص؛ لما تمثله روسيا وأوكرانيا من ثقل في سوق الحبوب العالمية.


- ارتفاع أسعار الغذاء ومعدلات التضخم عالميا، سيؤدي إلى توسيع مساحة التوترات الجيوسياسية والنزاعات بين الدول. 

-وقد يطيل هذا أمد الحرب؛ لأن كييف قد تستغل تعطل الاتفاق وأزمة الغذاء في الضغط على العالم لفتح خزائن أسلحته وأمواله أمامها، لدعم جيشها في طرد روسيا من الأراضي الأوكرانية.

وحتى الآن لم يتم حسم المناقشات في محاولات لتجديد الاتفاقية من جديد.