رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

في ذكرى اتفافية الجزائر بين العراق وإيران.. كيف تجاوزت طهران البنود للتعدي على بغداد؟

نشر
الأمصار

يحل يوم غد الأحد، الموافق 13 يونيو، ذكرى سريان اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران، لترسيم الحدود بين البلدين، والتي تم توقيعها يوم 6 مارس عام 1975، وجرى سريانها في يونيو 1975.

 

بدأت القصة بين العراق وإيران، عام 1937م، حيث كان العراق تحت الاحتلال البريطاني، وتم توقيع اتفاقية اعتبرت نقطة معينة في شط العرب مخالفة عن خط القعر، هي الحدود البحرية بين العراق وايران.

 

لكن الحكومات المتلاحقة في إيران رفضت هذا الترسيم الحدودي واعتبرته “صنيعة إمبريالية” واعتبرت إيران نقطة خط القعر في شط العرب التي كان متفقا عليه عام 1913 بين إيران والعثمانيين بمثابة الحدود الرسمية ونقطة خط القعر هي النقطة التي يكون الشط فيها باشد حالات انحداره.

 

رفضت إيران هذا الترسيم الحدودي، معتبرة أن نقطة خط القعر في شط العرب هي الحدود الرسمية المتفق عليها، وردا على ذلك أبلغت العراق الحكومة الإيرانية في عام 1969 أن شط العرب كاملة هي مياه عراقية، وأي حديث غير ذلك لن تعترف به.

 

بعد قيام ثورة يوليو عام 1968 في العراق اتسمت العلاقات الإيرانية العراقية بظاهرتين متعاكستين فمن جهة كان نظام الشاه في ايران قد أعد له بمساعدات كبيرة من الغرب وعلى الأخص من الولايات المتحدة الأمريكية ليمارس دور الشرطي في المنطقة ومن جهة أخرى وفي عام 1968، كان العراق يستعيد بناء مجتمعه من جديد وتثبيت الاستقلال الوطني، وفي ذلت الوقت كان النظام الإيراني يحاول بسط نفوذه في المنطقة، ما تلقى معارضة شديدة من قبل الجانب العراقي.

 

ولم يجد النظام الإيراني ما يفعله حيال ذلك، سوى المحاولة المستميتة لزعزعة استقرار الوضع في العراق عن طريق حملات إعلامية متنوعة الصور صعدت إلى أزمة سياسية، صاحبها سياسة ثابتة معتمدة في التدخل في شؤون العراق الداخلية سواء عن طريق تصدير المؤامرات أو دعم التمرد والعصيان.

 

بدأ شاه إيران حملته الخبيثة بتجاوز الحدود البرية مع العراق والدخول إلى الإقليم العراقي، ليمزج الأراضي العراقية بالداخل الإيراني، مستندا على قواته العسكرية، ليكون من حقه فيما بعد المطالبة بتعديل الترسيم الحدودي في شط العرب، خلافا للاتفاقية السابقة.

 

وعندما لاقت مساعيه رفضا من الجانب العراقي، حاول إلغاء معاهدة الحدود لعام 1937 من طرف واحد ليبق شط العرب مفتوحا للسفن التجارية العائدة لجميع البلدان، وقام بممارسة الضغط العسكري المباشر وغير المباشر على العراق، متجاوزا في ذلك الصيغ التقليدية التي اعتاد ممارستها سابقا لتحقيق مطامعه.

 

واستخدم شاه إيران في ذلك الوقت الوسائل العسكرية، اعتقادا منه بأنها كفيلة بتحقيق أهدافه ومطامعه التوسعية، ليصبح ذلك بمثابة عدوان إيراني مسلح على المناطق الحدودية في وسط وجنوب العراق عام 1974، والتي قدم العراق بشأنها شكوى لمجلس الامن.

 

ومن ناحية أخرى، تعاون الشاه مع حركة التمرد الانفصالي، في شمال العراق، ليمارس الدور الميداني المباشر في تجزئة العراق وتقسيمه، وليصل الوضع العسكري حدا خطيرا بإشراك قواته العسكرية مرات عديدة في القتال ضد الجيش العراقي.

 

وفي معارك دارت لمدة عام كامل، خسر الجيش العراقي ستة عشر ألف شهيدا وجريحا، وستون ألف شهيد وجريح بين صفوف الشعب.

 

وسعيا لإنهاء بحر الدماء، بادر الرئيس الجزائري هواري بومدين، عام 1975م، باقتراح التفاوض المباشر بين إيران والعراق في الجزائر، حول القضايا المختلف عليها.

وافق العراق حينئد على هذه المبادرة، لمحاولة إنقاذ أمن العراق ووحدته الوطنية وتكللت المفاوضات بعقد اتفاقية الجزائر في 6 مارس 1975، ووقعها عن الجانب العراقي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وكان آنذاك نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة، ووقعها عن الجانب الإيراني شاه إيران.

 

ونصت معاهدة الحدود الدولية بين العراق وإيران على “أن الطرفين قد أجريا إعادة التخطيط النهائي لحدودهما البرية على أساس بروتوكول القسطنطينية لسنة 1911 ومحاضر جلسات قومسيون تحديد الحدود لسنة 1914 حيث ثبتت 126 دعامة قديمة و593 دعامة جديدة بموجب اتفاقية الجزائر وحددا حدودهما النهرية حسب خط الثالوك ووقعا عن الجانب العراقي المرحوم سعدون حمادي وزير الخارجية وعن ايران المرحوم عباس علي خلعتبري وزير الخارجية الذي أعدم شنقا من قبل حكومة الخميني.”

 

ومثلت هذه الاتفاقية، والتي وصفت بأنها “نادرة من نوعها”، تسوية يتوازن فيها الجانب السياسي والقانوني لتجعل المساس بأي عنصر فيها بمثابة إخلالا بذلك التوازن وسقوطا لهذه الاتفاقية، وقد نص على ذلك صراحة في بندها الرابع.

 

وحققت بالفعل إيران مكسبا فوريا مباشرا من الاتفاقية، بمجرد دخولها حيز التنفيذ، إذ صار وضعها في شط العرب بمثابة الشريك في السيادة على الجزء الأكبر.

 

وبعد مجيء الحكومة الجديدة بقيادة خميني، جعل الأراضي الإيرانية، مرة أخرى، نقطة انطلاق لتهديد أمن العراق الداخلي له والمساس بوحدته الوطنية، حيث قامت في عام 1980 بـ 187 انتهاكا واعتداءا عسكريا.

واستخدمت إيران المدفعية عيار 175 ملم الأمريكية الصنع لقصف مدينتي خانقين ومندلي منطلقة من الأراضي العراقية التي يجب إعادتها بموجب اتفاقية الجزائر الى العراق، وبهذه الانتهاكات تكون إيران قد انتهكت عناصر التسوية، لتصبح اتفاقية الجزائر ملغاة.

 

لذلك قررت الحكومة العراقية اعتبار الاتفاقية المذكورة ملغاة من جانب العراق، وطالبت إيران بالإعتراف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه كما كان عليه الوضع قبل اتفاقية الجزائر، حيث قرر مجلس قيادة الثورة بالخطاب الذي أعلنه الرئيس الشهيد صدام حسين في عام 1980م، أثناء انعقاد جلسة المجلس الوطني الغاء الاتفاقية.

وقبل إلغاء الاتفاقية من قبل الجانب العراقي، تحرك الجيش الايراني صوب الحدود العراقية وأصدر أربعة بلاغات رسمية عسكرية بذلك منها البلاغ رقم 3 يوم 19-9-1980 باعتراف إيران باستخدام القوة الجوية، وفي البلاغ رقم 4 يوم 19-9-1980 أعلنت إيران إشعال النيران في حقول نفط خانة في العراق، هذا بالإضافة إلى إطلاق النيران على الطائرات المدنية التابعة للخطوط الجوية البريطانية والفرنسية، التي كانت تنوي الهبوط في مطار البصرة، كما أغلقت إيران شط العرب بوجه الملاحة البحرية الأجنبية.

 

وبلغ التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، أوجه، على كل الأصعدة الإيرانية بداءا من الخميني ومرورا بالسلطات السياسية والدينية والعسكرية، التي طالبت بتغيير النظام السياسي بالعراق واستخدام السلاح لتحقيق ذلك وإنشاء تنظيمات سياسية تحت غطاء ديني، حيث استخدمت الإرهاب للقيام بأعمال ضد أبناء الشعب العراقي ودوائره الحكومية.

 

وبعد وقف إطلاق النيران بين العراق وإيران الذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس عام 1988، وافق العراق بموجب قرار مجلس الأمن الذي صدر في 1980 بالعودة إلى طاولة المفاوضات لغرض وضع اتفاقية جديدة تنظم العلاقة الحدودية والأمنية بينهما.