رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الدكتور عبدالحسين شعبان يكتب : من دروس التجربة المغربية

نشر
الأمصار

ما الذي حصل بحيث تراجع حزب العدالة والتنمية المغربي الذيحصد 125 مقعدًا في انتخابات 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إلى 12 مقعدًا في انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021 ؟ ولماذا هذا العزوف الشعبي عنه ؟ أثمّة علاقة بين فشل مشروع الإسلام السياسي في العالم العربي وبين انحسار نفوذه في المغرب ؟ وهل يعني فشل المشروع الإسلامي انخفاض أو ضعف العقيدة الإسلامية التي ظلّت متجذّرة في النفوس على مدى قرون، خصوصًا وقد ارتفعرصيدها خلال العقود الأربعة المنصرمة، بفعل توظيفها سياسيًا من جانب الإسلاميين؟

كان هذا الهبوط الانتخابي في شعبيّة حزب العدالة والتنميةبفعل عوامل خارجية وأخرى داخلية، قد سبقه هبوطًا مدوّيًا آخر للمشروع القومي العربي وأنظمته للأسباب ذاتها، مثلما انحسر لدرجة التضاؤل أحيانًا المشروع اليساري الماركسي، ولاسيّما بعد انهيار الكتلة الإشتراكية وتحلّل المنظومة السوفيتية في أواخر الثمانينياتحتى الارتطام الكبير بتفكّك الاتحاد السوفيتي واضمحلاله كدولة عظمى.

وبغض النظر عن بعض ممارساتحزب العدالة والتنمية الداخليةومواقفه الأخيرة فيما يتعلّق بمساومة موضوع الصحراء الغربية والقرار الأمريكي بشأنها إلا أن ما يسجل له بعد الهزيمة الانتخابية هو تحلّيه بشجاعة كبيرة وروح رياضيّة عالية باعترافه بالإخفاقات والتراجع بدل المكابرة والهروب من المسؤولية، فأقدم بقيادة الوزير الأول (رئيس الوزراء) سعد الدين العثماني على تقديم استقالته تسليمًا بنتائج صناديق الاقتراع واللعبة الديموقاطية وبالانتخابات ومعاييرها التي سبق وأن ارتضاها، وهو موقف يستحق عليه الاحترام والتقديرحتى من جانب خصومه، ناهيك عن شفافيته بمصارحته لنفسه أولًا ولجمهوره ثانيًا وللشعب المغربي ثالثًا وللحقيقة في كلّ ما تقدّم رابعًا، وهو ما لم يفعله التيار القومي العربي، باستثناء استقالة جمال عبد الناصر بعد نكسة 5 يونيو/حزيران عام 1967، وكذلك استمرار التيار اليساري الماركسي الذي تعتقت قيادته في مواقعها وهو يخسر الشارع يومًا بعد يوم. وظلّ التياران القومي والماركسي مثقلان بالأخطاء والخطايا، ويصرّان على الرغم من الإخفاق والتراجع وانحسار تأثيريهما على أن سياستيهما كانت على صواب دائمًا وأن الحياة زَكت مواقفهما وأثبتت صحة تقديراتهما. ولم يشذّ التيار الاسلامي عن ذلك التوّجه في مصر وتونس والعراق وسوريا وفلسطين والجزائر ولبنان والأردن وغيرها من البلاد العربية، بالرغم من تباين درجة الفشل والعوامل الدولية والإقليمية الضاغطة فضلًا عن الأخطاء والنواقص والعيوب التي عانى منها، والتي قادت إلى نتائج معاكسة لتطلّعاته. ولنأخذ مثلًا التيّار الإسلامي في العراق الذي حظى بدعم دولي وإقليمي بعد الاحتلال الأمريكي العام 2003، لكنه لم يتمكن من إنجاز تجربة مقنعة حتى لمن يدّعي تمثيلهم طوائفيًّا، والأمر ينطبق على الفريقين المتصارعين باسم تمثيل هذة الطائفة أوتلك، بل كانت الاختلافات والتّشظيات داخل كل فريق من الفرقاء المتعاونين-المتخاصمين قائمة في الآن، بل الأكثر عدائية وكراهية، خصوصًا التنافس على مراكز النفوذ، ناهيك عن الامتيازات والمكاسب الطائفية والحزبية والسياسية والاقتصادية والشخصية.

لقد أنتج ذلك الصراع غير المبدأي، انحدارًا كبيرًا في إدارة الدولة، بفعل تغوّل السلطة عليها واستقواء جماعات ما دون الدولة لتكون ما فوقها، وذلك بحكم امتلاكها للسلاح، وتفشّي ظواهر المحسوبيّة والمنسوبيّة والاستزلام والغنائمية السياسية والزبائنية المصلحية، التي تجسّدت في نظام المحاصصة والفساد المالي والإداري واستشراء التعصّب ووليده التطرّف وإبنهما “الشرعي” العنف، وهذا الأخير إذا ما ضرب عشوائيًّا يتحوّل إلى إرهاب، بل إرهاب دولي إذا استهدف خلق حالة من الهلع والرعب والخوف لإضعاف ثقة الدولة بنفسها، وثقة المجتمع والمواطن بالدولة كحامية له وحريصة على ضبط النظام والأمن العام وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم.

قد تكون الإطاحة بتجربة حزب العدالة والتنمية في المغرب تعني فيما تعنيه الإجهاز على معقل مهم وأساسي من معاقل الإسلام السياسي في العالم العربي، وذلك بعد فشل تجربة “الإخوان المسلمين” في مصر، و”حزب النهضة ” في تونس وقبلهما فشل تجربة الإسلام السياسي في السودان،وانحسار دوره في ليبيا وموريتانيا والجزائر، إضافةً إلى انقساماته في الأردن، ناهيك عن تعقيدات الوضع اللبناني والحصار الذي يتعرّض له والذي انعكس على تعويم سيادة البلد لعقود من الزمن فضلًا عن الفراغ الحكومي لأكثرمن عام منذ حادث الإنفجار الأليم لمرفأ بيروت (4 أغسطس/آب2020 )، والذي ترافق مع تعاظم الأزمات الخانقة من الكهرباء إلى المازوت والبنزين، وصولًا إلى انهيار العملة وتردّي الحالة المعيشيّة لدرجة أقرب إلى الارتطام بالقاع.

وقدأ حدث الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تداعيات جديدةٍ قد تُفضي إلى تغييرات جيوبوليتيكيّة درامية على المستوى الإقليمي كما أربك التيار الإسلامي في الكثير من الأقطار العربية فضلًا عن إيران ودول آسيا الوسطى الإسلامية وهو ما دفع موسكو لإرسال عدة رسائل الى طالبان ودفع بكّين إلى التعامل بحذر مع هذا المتغيّر الجديد، فهل يعترف أصحاب مشروع الإسلام السياسي بالدرس المغربي ويسلّموا بفشل سوء إدارتهم، وهل يتحلّون بشجاعة العثماني وقيادته بالانسحاب من مواقعهم؟

إنه درس للجميع وعبرةً لمن اعتبر.