الثقافة اللبنانية تتوهج بين الانتعاش والفوضى من دون أن تعبأ بالحرب
إذا كان من عنوان لهذه السنة فهو «النضال» من أجل استبدال البشاعة بالجمال. فقد أغلق عام 2024 على حرب إسرائيلية ضروس، انحسرت، لكنها لم تنتهِ بعد. كان على اللبنانيين أن يعودوا إلى المسرح وغاليريات الفن، ومهرجانات السينما، والعروض الفنية، والأنشطة الأدبية، كأنما الوطن لا يقصف، والأرض لا تسلب.
الحرب وإن انحسرت فقد بقيت مستمرة، والتهديد بتمددها من جديد يومي، ولا يزال. لكن من يرى بيروت، قد لا يصدق أن هؤلاء الذين لا يكفّون عن الاحتفاء بالمسرح والأدب والمعارض والأفلام والكتب هم على شفير هاوية. فعدا الانهيار الاقتصادي، والاضطرابات السياسية، جاءت الحرب كأنما كي لا تترك مجالاً لهدنة.
قد لا تكون مبالغة القول إن كثافة الأنشطة الثقافية في بلد صغير مثل لبنان، وفي الظرف الصعب الذي يعيشه، ومن دون أي تمويل من الدولة، تكاد تكون ظاهرة يصعب تفسيرها، حتى فهمهما.
كم الأنشطة والدعوات كثيرٌ حدّ الإرباك، وهذا يأتي في أحيان كثيرة على حساب النوعية. خشبات المسارح محجوزة مقدماً، ومواعيد الجمهور تتضارب. لشدة الطلب، ثمة مسرحيات تغيب ثم تعود، مثل «مجدرة حمرا» إخراج يحيى جابر، وتمثيل البديعة أنجو ريحان. وهي من المسرحيات التي راقت كثيراً للجمهور، كذلك أعيد تقديم «مونوبوز» للكاتبة والمخرجة والممثلة بيتي توتل. وفي نهاية العام، أعاد الأخوان صبّاغ مسرحية غنائية كانا قدّماها قبل سنوات طويلة، هي «أنا وغيفارا». وكذلك أخرج الفنان عبد الحليم كركلا من أرشيفه عمله الرائع «ألف ليلة وليلة» وأعاد تقديمه في بيروت، قبل أن يغادر إلى موسكو ليقدم العمل على «مسرح البولشوي»، بنجاح كبير.
وفي نهاية العام، قدّمت المخرجة لينا خوري مسرحيتها الجميلة «أبو الزوس» التي تعكس تعقيدات التركيبة اللبنانية، وهي تجمع بين الفكاهة والعمق، وتغوص في النفس البشرية على طريقتها.
ثمة كثافة يختلط فيها العثّ بالسمين، إن في الفن التشكيلي أو في الأعمال السينمائية، حتى في إصدارات الكتب. قد تكون الظاهرة أكبر من لبنان، بسبب انتشار وسائل التواصل، وهشاشة المعايير. لكن السؤال الذي لن تجد إجابة عليه، هو من يمول كل هذا الكمّ من الأعمال، حتى الهابطة منها؟ وما الذي أدخلنا في هذا الازدحام الثقافي؟ وهل هي ظاهرة صحية، لأنها تجلب الفرح والاجتماع حول التجاريب الإبداعية، أم ثرثرة لا طائل تحت غالبية ما يصدر عنها؟
الإجابات ليست يسيرة، لكن المؤكد أن ثمة الكثير مما يسعد ويبهج. من ذلك، عشرات الحفلات التي أحياها الكونسرفتوار الوطني للموسيقى هذا العام، في مختلف المناطق اللبنانية، بفضل رئيسته النشطة المؤلفة الموسيقية والمغنية هبة القواس، لتصبح الموسيقى الكلاسيكية، بفضل جهد أساتذة المعهد وطلابه، في متناول كل مواطن.