مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

عرس مطنطن.. المسرح السوري يعود إلى جمهوره العربي من بوابة السعودية

نشر
الأمصار

قدّمت مسرحية عرس مطنطن، التي انطلقت عروضها في الرياض، تجربة مسرحية احتفالية استندت إلى الذاكرة الشعبية السورية، وقدّمتها ضمن قالب بصري معاصر، لتتجاوز كونها عرضًا فنيًا تقليديًا، وتتحول إلى رسالة ثقافية وإنسانية تعكس عودة المسرح السوري إلى الواجهة العربية من بوابة السعودية. وجمع العمل بين الدراما والرقص والغناء التراثي ضمن رؤية إنتاجية وتنفيذية وُصفت بأنها غير مسبوقة.

ينطلق العرض من طقس العرس الشعبي الشامي بوصفه مساحة جامعة للحكايات والمشاعر والتناقضات الإنسانية، حيث تتحول المناسبة إلى مرآة اجتماعية تُعرض من خلالها منظومة القيم والعلاقات والفرح الجماعي، إلى جانب النوستالجيا المرتبطة بالعادات والتقاليد. ولا يعتمد العمل على سرد خطي تقليدي، بل يقوم على لوحات متتابعة تتداخل فيها المشاهد الدرامية مع الاستعراضات الراقصة والأغاني التراثية، في بناء مسرحي إيقاعي يستثمر الطاقة البصرية والصوتية للخشبة ويحافظ على تفاعل الجمهور.

وفي تصريحات لبرنامج تفاعلكم، الذي تقدمه الإعلامية سارة دندراوي، قال الفنان قصي خولي إن العمل يحمل رسالة متعددة المستويات، تبدأ باستعادة حضور الدراما السورية على المسرح العربي، وتنتهي بتقديم تحية محبة وامتنان للمملكة وقيادتها. وأكد أن المسرحية تعكس قيمًا مشتركة بين المجتمعين السوري والسعودي، مثل الترابط الأسري والاحتفاء بالموروث واحترام العادات، معتبرًا أن هذا التشابه الإنساني قرّب العرض من وجدان الجمهور.

وأشار خولي إلى أن الدعم الذي حظي به العمل على مستوى الرعاية والتنظيم أسهم في تقديم عرض يليق بتاريخ الدراما السورية ومكانتها، مؤكدًا أن السعودية لعبت دورًا محوريًا في إعادة لمّ شمل الفنانين السوريين بعد سنوات من التباعد، في مبادرة أعادت الثقة والأمل بقدرة الفن على تجاوز الجغرافيا والظروف السياسية.

ومن أبرز ما ميّز عرس مطنطن طبيعة تنفيذه الإنتاجية المعقدة، إذ كشف خولي أن فريق العمل لم يجتمع فعليًا إلا على خشبة المسرح في السعودية، بينما جرت جميع التحضيرات والبروفات عن بُعد بين سوريا ودبي. وشملت هذه التحضيرات التدريب على الرقصات، وتجارب المكياج، وتصميم الأزياء، وبناء الإيقاع الدرامي عبر تسجيلات مصورة ومجموعات عمل رقمية، ما جعل العرض تحديًا حقيقيًا على مستوى التنسيق والانسجام.

وأوضح أن الرهان الأكبر كان على الجمهور السعودي، الذي يمتلك ذائقة فنية عالية وخبرة واسعة في متابعة الأعمال السورية، الأمر الذي فرض على الفريق مسؤولية تقديم عمل يحترم هذا التاريخ ولا يكتفي باستدعاء الحنين، بل يقدم إضافة فنية حقيقية.

من جانبها، تحدثت الفنانة نور علي عن تجربتها الأولى على خشبة المسرح، مؤكدة أن دخولها هذا العالم كان مصحوبًا بالقلق، خاصة في عمل تراثي يعتمد على الأداء الجماعي. وأشارت إلى أن التقنيات المسرحية الحديثة، من إضاءة ذكية وديكور متحوّل ومؤثرات بصرية، منحتها شعورًا بالأمان وساعدتها على الاندماج السريع في التجربة.

وأضافت أن مستوى التجهيزات التقنية فاق ما هو متاح في سوريا خلال السنوات الماضية نتيجة تداعيات الحرب، ما أتاح للفريق تقديم عرض بصري متكامل يعكس صورة حديثة للمسرح السوري ويمنحه أدوات جديدة للتواصل مع الجمهور.

كما سلطت نور علي الضوء على الحضور اللافت للمواهب السورية الشابة المشاركة في العرض، مؤكدة أن العمل كشف عن طاقات فنية جديدة في التمثيل والرقص والتنفيذ التقني، استطاعت تطوير نفسها رغم التحديات القاسية. واعتبرت أن هذا البعد الإنساني شكّل أحد أعمدة العرض، إذ لم يكن مجرد احتفاء بالماضي، بل نافذة على مستقبل المسرح السوري.

وحظي العرض بتفاعل جماهيري واضح، حيث تماهى الجمهور مع الإيقاع التراثي واللوحات الاستعراضية، وتفاعل مع التفاصيل التي تستحضر ذاكرة الأعمال السورية الكلاسيكية في مزيج جمع بين الحنين والتجديد. وأجمع صناع العمل على أن هذا التفاعل أكد نجاح الرهان على الجمهور السعودي وقدرته على استقبال عمل مسرحي عربي بلغة فنية عالية.

في المحصلة، رسّخت مسرحية عرس مطنطن حضورها كعمل مسرحي عربي جامع أعاد الاعتبار للمسرح السوري، وقدّمه في صيغة معاصرة تحترم التراث وتستثمر التقنية، مؤكدة أن الفن ما زال قادرًا على بناء الجسور واستعادة اللحظة العربية المشتركة من فوق خشبة المسرح.