مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

حصيلة غزة «مروعة».. إسرائيل ترد وحماس عالقة بالخط الأصفر

نشر
الأمصار

تجددت مشاهد الدمار في قطاع غزة مع سلسلة ضربات إسرائيلية عنيفة فجر الأربعاء، وصفتها الأمم المتحدة بأنها "مروعة"، في وقتٍ أعلنت فيه إسرائيل إعادة فرض وقف إطلاق النار بعد تنفيذ عمليات استهدفت مواقع قالت إنها "إرهابية"، فيما بدت حركة حماس عالقة في منطقة "الخط الأصفر" بين تنفيذ التزاماتها ومواجهة ضغوط إسرائيلية متصاعدة.

ولم تكد تمر أيام على الهدوء النسبي الذي عاشه سكان غزة، حتى تبددت السكينة مجددًا تحت وقع الانفجارات التي هزت أرجاء القطاع. وأفادت تقارير أممية بمقتل أكثر من 100 فلسطيني خلال ساعات الليل جراء غارات إسرائيلية استهدفت أحياء سكنية ومخيمات للنازحين ومدارس لجأ إليها المدنيون.

وقال فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، في بيان اليوم، إن التقارير الواردة من غزة "صادمة ومروعة"، مؤكدًا أن "استهداف المدنيين والمرافق الإنسانية يرقى إلى انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني". 

ودعا المسؤول الأممي جميع الأطراف إلى التمسك بخيار السلام وضبط النفس لتجنب تصعيد جديد يفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع.

إسرائيل تعلن "الرد المشروع" وتعيد فرض الهدنة

ومن جانبها، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن قواتها شنت سلسلة غارات "واسعة ومحددة الأهداف" ضد ما وصفته بـ"مخربين تابعين لحركة حماس"، وذلك عقب مقتل أحد جنودها في هجوم وقع داخل القطاع.

وجاء في بيان صادر عن الجيش الإسرائيلي أن "القوات نفذت عمليات دقيقة استهدفت أكثر من 30 عنصرًا قياديًا في التنظيمات الإرهابية داخل غزة"، مشيرًا إلى أن الغارات "انتهت بفرض متجدد لاتفاق وقف إطلاق النار بعد خرقه من قبل حماس".

وأكد البيان أن العملية نُفذت بقيادة المنطقة الجنوبية وبالتنسيق مع جهاز الشاباك، مضيفًا أن الهدف منها هو "إعادة الردع وتثبيت معادلة أمنية جديدة تمنع تكرار الهجمات على الجنود الإسرائيليين".

وفي المقابل، أعلن الدفاع المدني الفلسطيني في غزة أن الضربات الأخيرة أوقعت أكثر من 100 شهيد وعشرات الجرحى، معظمهم من النساء والأطفال، مؤكدًا أن القصف طال مناطق مكتظة بالسكان دون سابق إنذار.

لن تكون هناك حصانة

تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس جاءت لتؤكد أن الحكومة ماضية في تصعيدها ضد قيادة حماس، إذ قال في بيان رسمي:

لن تكون هناك حصانة لأي شخص من قيادة حماس الإرهابية، سواء ارتدى السترة أو اختبأ في الأنفاق.

واعتبر مراقبون أن تصريحات كاتس تمثل تصعيدًا سياسيًا ورسالة موجهة لحماس بأن إسرائيل لن تتهاون في الرد على أي خرق للهدنة.

شهادة من الميدان

وسط أجواء الرعب، روت خديجة الحسني، وهي نازحة فلسطينية تبلغ من العمر 31 عامًا تقيم في خيمة بمدرسة بمخيم الشاطئ شمال غزة، معاناتها قائلة:

القصف لم يتوقف طوال الليل، كنا بدأنا نحاول استعادة حياتنا، لكن الصواريخ أعادت إلينا الحرب والانفجارات والدمار. هذا حرام وجريمة.

ترامب: لإسرائيل الحق في الرد

وفي واشنطن، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة "لا تعني انهيار وقف إطلاق النار"، مضيفًا في تصريحات للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية المتجهة إلى كوريا الجنوبية:قتل عناصر من حماس جنديًا إسرائيليًا، ومن الطبيعي أن ترد إسرائيل، بل يجب أن ترد.

وأعلن الجيش الإسرائيلي لاحقًا مقتل الجندي يونا أفرائيم فيلدباوم البالغ من العمر 37 عامًا في الهجوم، وهو ما اعتبرته تل أبيب "خرقًا مباشرًا للهدنة".

أما حركة حماس، فقد نفت مسؤوليتها عن الحادث، وقالت إنها "لم تشارك في أي عملية هجومية ضد القوات الإسرائيلية"، مؤكدة التزامها ببنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

"الخط الأصفر".. منطقة الترقب والضغوط

يُعرف "الخط الأصفر" بأنه المنطقة التي سمحت فيها إسرائيل لحماس بالتحرك تحت إشراف دولي للبحث عن جثامين الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا مفقودين منذ حرب 2023.

وبحسب الاتفاق الذي أبرم بوساطة الولايات المتحدة وبدعم من مصر وقطر، تعهدت حماس بإعادة جثامين 28 رهينة إسرائيلية، لكنها لم تسلم سوى 15 جثمانًا حتى الآن، مبررة التأخير بـ"صعوبة تحديد أماكن الرفات بسبب الدمار الهائل في القطاع".

وتخضع تحركات فرق حماس داخل "الخط الأصفر" لمراقبة جوية مشددة من قبل الجيش الإسرائيلي، الذي يستخدم هذه المنطقة لتقييم مدى التزام الحركة ببنود الاتفاق.

وأفادت وسائل إعلام عبرية أن إسرائيل سمحت مؤخرًا لحماس باستئناف عمليات البحث في تلك المنطقة، لكنها اتهمت الحركة بـ"التضليل"، بعد أن اكتشفت أن الرفات التي أعيدت مؤخرًا تخص رهينة سبق تسليم جثمانه سابقًا.

ونشر الجيش الإسرائيلي مقطع فيديو قال إنه يُظهر عناصر من حماس وهم "يُخرجون بقايا جثة من داخل مبنى معد مسبقًا ويدفنونها في موقع قريب"، ما أثار موجة من الجدل حول مصداقية ما تقدمه الحركة من معلومات.

عامان من الدمار والمعاناة

مرت عامان على اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولا تزال آثارها حاضرة في كل شارع ومخيم.
تُظهر الأرقام الأممية أن أكثر من 38 ألف فلسطيني قُتلوا منذ بداية الحرب، بينما تجاوز عدد الجرحى 90 ألفًا، فضلاً عن نزوح أكثر من مليون ونصف المليون شخص داخل القطاع.

وتقول تقارير إنسانية إن 85% من سكان غزة يعيشون اليوم تحت خط الفقر، بينما دُمّر نحو 70% من البنية التحتية بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء والمياه.

ويؤكد مراقبون أن استمرار الغارات حتى مع وجود اتفاقات تهدئة جزئية، يعكس غياب الثقة بين الجانبين، خصوصًا في ظل إصرار إسرائيل على الضغط على حماس لتسريع تسليم الرفات المتبقية، في حين ترى الحركة أن الاحتلال يستخدم هذا الملف كورقة مساومة سياسية.

الأمم المتحدة تحذر من "انهيار إنساني"

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن التصعيد الأخير "ينذر بانهيار كامل للمنظومة الإنسانية في غزة"، مشيرًا إلى أن مئات العائلات تفترش العراء بعد تدمير خيامها في مخيمات الإيواء.

وأضاف المكتب في بيان أن المنظمات الإغاثية الدولية تواجه صعوبات هائلة في إدخال المساعدات بسبب القيود الإسرائيلية، مؤكدًا أن "كل ساعة تمر دون وقف لإطلاق النار تعني المزيد من الأرواح المهدورة".

ضبابية المشهد السياسي

مع تمسك إسرائيل بسياساتها الأمنية وتشديدها على أن "الهدوء مشروط بعدم خرق الاتفاق"، تبدو حركة حماس أمام معادلة صعبة، فهي مطالبة بالالتزام بالاتفاق وإعادة الرفات، وفي الوقت نفسه تواجه ضغطًا شعبيًا متزايدًا نتيجة استمرار الغارات والحصار.

ويرى محللون سياسيون أن اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية بات مهددًا بالانهيار ما لم تُبذل جهود عاجلة لإعادة الثقة بين الطرفين وإطلاق مسار سياسي شامل برعاية دولية.

وفي ظل هذا الواقع، تبقى غزة مسرحًا مفتوحًا للدمار والقلق، بينما يستمر المدنيون في دفع الثمن الأكبر من صراعٍ لا يبدو أن له نهاية قريبة.