فرنسا تقترب من الاعتراف بفلسطين.. والبيت الأبيض يُعبّر عن غضبه

تقترب «فرنسا» من اتخاذ خطوة تاريخية بالاعتراف بدولة «فلسطين»، في قرار يُثير جدلًا دوليًا واسعًا ويضع العلاقات بين «باريس وواشنطن» على المحك. يأتي هذا التوجه الفرنسي في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدبلوماسية، حيث عبّر «البيت الأبيض» عن غضبه واستياءه من هذه الخطوة المُرتقبة، مُعتبرًا أن مثل هذا القرار قد يُعقّد جهود السلام في المنطقة ويزيد من حدة الانقسامات السياسية.
تصاعد الخلاف الأمريكي الفرنسي حول غزة
وفي هذا الصدد، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أن الخلاف بين الولايات المتحدة وفرنسا يتصاعد بشأن غزة، بعد أن ردّت باريس بشكل حاد على اتهامات وزير الخارجية الأمريكي، «ماركو روبيو»، الذي حمّل الخطة الفرنسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية مسؤولية فشل مفاوضات وقف إطلاق النار بين «إسرائيل وحماس».
وقالت الحكومة الفرنسية على مواقع التواصل الاجتماعي: «لم يُسفر الاعتراف بدولة فلسطين عن انهيار مفاوضات المحتجزين»، ثم أوردت سلسلة مُطولة من المنشورات السابقة التي قالت إنها تُثبت أن إعلان الرئيس الفرنسي، «إيمانويل ماكرون»، عن إقامة الدولة الفلسطينية جاء بعد ساعات من تصريح المبعوث الأمريكي الخاص، «ستيف ويتكوف»، علنًا بأن حماس لا تتصرف «بحسن نية»، وأن الولايات المتحدة ستدرس الآن «خيارات بديلة».
وكان «روبيو» قال أمس الأول الخميس: «في اللحظة التي أعلن فيها الفرنسيون عن خطوتهم، انسحبت حماس من طاولة المفاوضات»، مُضيفًا: «بينما حذرت الولايات المتحدة من العواقب، أحيانًا لا يستمع هؤلاء.. يفعلون ما يُريدونه بسبب سياساتهم الداخلية».
تحذير فرنسي من تصاعد الإكراه والترهيب
وخلال زيارة الأسبوع الماضي إلى جرينلاند، حذَّر وزير الخارجية الفرنسي، «جان نويل بارو»، من تزايد «وحشية العالم»، مشيرًا إلى لجوء البعض إلى «الترهيب والإكراه والابتزاز والتهديد لإخضاع جيرانهم».
وتابع «بارو»، في إشارة واضحة إلى تصريحات الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب» المُتكررة بشأن اهتمامه بالاستحواذ على هذه المنطقة الدنماركية المُستقلة: «من هذا المنطلق، جرينلاند ليست للبيع».
ومنذ إعلان «ماكرون» في فرنسا (24) يوليو الماضي، أعلنت كندا وأستراليا وعدة دول أخرى أنها ستعترف بدولة فلسطينية في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة رفيع المستوى الذي يبدأ في (23) سبتمبر الجاري، ويستمر أسبوعًا، وقالت «بريطانيا» إنها ستفعل الشيء نفسه، شريطة استيفاء عدة شروط.
وأدت التوترات المتزايدة بشأن نهاية اللعبة في غزة، بالإضافة إلى دعوات المسؤولين في حكومة نتنياهو لضم «الضفة الغربية»، إلى تعميق الانقسامات بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، ومُعظم بقية العالم من جهة أخرى.
إدارة ترامب ترفض مبادرة مؤتمر الدولة الفلسطينية
ورفضت إدارة ترامب مبادرة فرنسا والمملكة العربية السعودية لعقد مؤتمر دولي حول الدولة الفلسطينية، ووصفتها بأنها «حيلة دعائية»، ولم تحضر الولايات المتحدة الاجتماع الأول للمؤتمر، الذي عُقد في يوليو، ومن المقرر عقد اجتماع ثانٍ خلال دورة الأمم المتحدة المُقبلة.
واعترفت ما يقرب من (150) دولة بالفعل بفلسطين كدولة، ما يفتح الباب أمام علاقات دبلوماسية كاملة، تتمتع فلسطين بصفة مُراقب رسمي في الأمم المتحدة، ويتطلب الاعتراف بها كعضو كامل العضوية تصويتًا من مجلس الأمن، حيث تمتلك الولايات المتحدة حق النقض (فيتو).
في حين أن «حل الدولتين» بين إسرائيل وفلسطين حظي بدعم الإدارات الأمريكية السابقة لعقود، إلا أنها قالت أيضًا إنه يجب أن يكون نتيجة مفاوضات بين الطرفين.
اقتراح ترامب لدولة فلسطينية مُثير للجدل
وقُرب نهاية ولايته الرئاسية الأولى، أصدر «ترامب» اقتراحًا لدولة فلسطينية مُفككة من شأنها أن تسلم جزءًا كبيرًا من الضفة الغربية الحالية إلى إسرائيل، وأثار هذا الاقتراح انتقادات دولية وفلسطينية فورية.
وقال ماكرون، في إعلانه الأولي عن الدولة، إن ذلك سيدخل حيز التنفيذ في اجتماع الأمم المتحدة المُقبل، وصرّح: «نظرًا لالتزامها التاريخي بسلام عادل ومُستدام في الشرق الأوسط، قررت أن فرنسا ستعترف بدولة فلسطين.. السلام مُمكن».
وردَّ «روبيو» على الفور، بأن هذا عمل «متهور» من شأنه أن يُقوض أي أمل في إنهاء الحرب. وفي مقابلة إذاعية في أوائل أغسطس، قال إن الاعتراف كان «مكافأة» من شأنها «تشجيع حماس».
في رسالة إلى ماكرون بتاريخ (17) أغسطس، اتهم «نتنياهو»، الرئيس الفرنسي بالضعف والتسوية، قائلًا:إن سياساته «أججت مُعاداة السامية في فرنسا».
ماكرون ينتقد رسالة نتنياهو العلنية
وفي رد مُطول بتاريخ (26) أغسطس، أشار ماكرون إلى أن نتنياهو نشر رسالته علنًا «حتى قبل أن أتلقاها»، وناشد رئيس الوزراء الإسرائيلي«أن يُوقف هذا المسار اليائس لحرب دائمة قاتلة وغير قانونية في غزة، تُلحق العار ببلدكم وتُوقع شعبكم في مأزق».
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها «ترفض وتلغي» تأشيرات الدخول الأمريكية لأعضاء السُلطة الفلسطينية، بمن فيهم رئيس الُسلطة الفلسطينية، «محمود عباس»، لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وعودة إلى هذه القضية، قال «روبيو» في مؤتمر صحفي عقد أمس الأول الخميس خلال زيارة للإكوادور: «قلنا لهم جميعًا، قلنا لهم إن فعلتم هذا الاعتراف، فستُببون مشكلات كبيرة حقًا».
فرنسا تقترب من الاعتراف
في خضم هذه التطورات الدبلوماسية الحاسمة، تظل خطوة «فرنسا» نحو الاعتراف بدولة فلسطين بمثابة نقطة تحول قد تُعيد رسم ملامح المشهد السياسي في الشرق الأوسط. ورغم الغضب الواضح من البيت الأبيض، فإن «باريس» تبدو مُصممة على المُضي قُدمًا في قرارها، مما يفتح صفحة جديدة من التوترات والتحالفات الدولية. يبقى التساؤل حول مدى تأثير هذا القرار على جهود السلام المستقبلية، وسط متابعة دولية دقيقة لما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام القادمة.