أوكرانيا بعد الحرب.. قمة باريس تجمع زيلينسكي وزعماء أوروبا لتأمين مستقبل البلاد

تستعد العاصمة الفرنسية باريس لاستضافة قمة حاسمة تجمع حلفاء أوكرانيا لمناقشة مستقبل البلاد وضمانات الأمن ما بعد الحرب، في خطوة تُعدّ الأهم منذ اندلاع النزاع الروسي الأوكراني.
تأتي القمة في وقت يزداد فيه الاهتمام الدولي بضمان استقرار أوكرانيا بعد التوصل إلى أي اتفاق سلام محتمل، وسط مخاوف من تكرار الهجمات الروسية حتى بعد إنهاء النزاع.
وأكدت الرئاسة الأوكرانية أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي سيشارك يوم الخميس في اجتماعات حاسمة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، والأمين العام لحلف ناتو مارك روته، بالإضافة إلى قادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
ويأتي هذا اللقاء في إطار الجهود الدبلوماسية المكثفة التي تقودها الدول الغربية، وبالأخص الولايات المتحدة، لتعزيز الضمانات الأمنية لأوكرانيا.
أهمية القمة ومكانتها في السياسة الدولية
تعد القمة القادمة في باريس محطة مهمة لتحديد شكل الضمانات الأمنية التي ستقدّم لأوكرانيا، وتحديد الالتزامات المستقبلية لحلفاء كييف الأوروبيين والدوليين.
وتأتي هذه الاجتماعات وسط مخاوف أوكرانيا من محاولة روسيا مهاجمتها مرة أخرى حتى بعد التوصل إلى اتفاق سلام. وقد أصبح موضوع الضمانات الأمنية محورًا رئيسيًا في المحادثات الدبلوماسية، مع السعي لتقديم خطة متكاملة لحماية الأراضي الأوكرانية، تشمل إنشاء قوة حفظ سلام أوروبية وضمانات دفاعية على غرار حلف شمال الأطلسي، خاصة في حال استمرار رفض انضمام أوكرانيا للناتو.
في هذا السياق، أكد مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك على منصة "إكس" (سابقًا تويتر) أن المحادثات ستتركز على "الضمانات الأمنية لأوكرانيا"، مشيرًا إلى أن الهدف من القمة هو صياغة مقترح أوروبي موحد يضمن حماية البلاد على المدى الطويل ويقلل من المخاطر الروسية المحتملة.
التحالف الأوروبي ودوره في حماية أوكرانيا

يقود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ما يعرف بـ"تحالف الراغبين"، والذي يضم نحو ثلاثين دولة أوروبية تدعم أوكرانيا بشكل مباشر. ويهدف هذا التحالف إلى تقديم عرض أوروبي قوي يحمي كييف مستقبلاً من أي تهديد عسكري محتمل من روسيا.
وتشير المعلومات إلى أن التحالف سيعمل على صياغة حزمة من الضمانات تشمل إرسال قوات أوروبية لحفظ السلام، وتقديم دعم عسكري وتقني مستمر لأوكرانيا، وتطوير خطط دفاعية مشتركة تشمل الدفاع الجوي والصاروخي. كما سيناقش القادة الأوروبيون إمكانية تكثيف التعاون الاستخباراتي لتفادي أي هجوم روسي جديد، خاصة في المناطق الحدودية والأقاليم الواقعة تحت التهديد المباشر.
مواقف روسيا وتعقيدات النزاع

من جهة أخرى، تصر روسيا على أن توسع الناتو قرب حدودها يُعد أحد الأسباب الجذرية للنزاع، وترفض معظم المقترحات الغربية الخاصة بضمانات أمنية لأوكرانيا.
وتؤكد موسكو ضرورة أخذ مصالحها ومخاوفها بعين الاعتبار قبل اعتماد أي ترتيبات مستقبلية، مما يزيد من تعقيد المحادثات ويجعل الوصول إلى اتفاق شامل أمرًا صعبًا.
ويتابع المجتمع الدولي عن كثب هذه القمة، نظرًا لأهمية تحديد المعايير الدولية لضمان أمن أوكرانيا واستقرار المنطقة الأوروبية الشرقية بشكل عام. ويتوقع أن تشمل المحادثات أيضًا آليات مراقبة تنفيذ الاتفاقيات، وتحديد الخطوات القانونية والدبلوماسية لضمان عدم خرق أي طرف للشروط المتفق عليها.
دور الولايات المتحدة والجهود الدبلوماسية الغربية
تستمر الولايات المتحدة في لعب دور محوري في قيادة الجهود الدبلوماسية الرامية لإنهاء النزاع. وتعمل واشنطن على التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين لتقديم دعم مستدام لأوكرانيا، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، بما يضمن قدرة البلاد على مواجهة أي تهديد محتمل.
كما يتم التركيز على إيجاد حلول دبلوماسية شاملة تشمل الضمانات الأمنية والاقتصادية والسياسية، بما يحفظ السيادة الأوكرانية ويخفف من حدة التصعيد العسكري في المنطقة. وتعد مشاركة الأمين العام للناتو ورئيسة المفوضية الأوروبية خطوة هامة لتعزيز الشرعية الدولية لأي اتفاق محتمل، وضمان التزام الحلفاء بتنفيذ التعهدات المقررة.
السيناريوهات المحتملة بعد القمة

يشير الخبراء إلى أن القمة قد تفضي إلى أحد هذه السيناريوهات:
- اتفاق شامل على ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا، تشمل قوة حفظ سلام أوروبية وضمانات دفاعية على غرار الناتو.
- اتفاق جزئي يحدد معايير محدودة للضمانات، مع تأجيل النقاش حول النقاط الخلافية مثل انضمام أوكرانيا للناتو.
- فشل المفاوضات بسبب رفض روسيا للعديد من المقترحات، مما قد يؤدي إلى استمرار النزاع وتأجيل الحل السياسي.
ويتابع زيلينسكي شخصيًا كل التطورات، مؤكدًا أن هدفه الأساسي هو حماية أراضي بلاده وضمان سلامة المواطنين، وأن أي اتفاق يجب أن يتضمن التزامات واضحة للجانب الروسي لتفادي أي عمليات عسكرية مستقبلية.
التحديات والفرص أمام أوكرانيا
تواجه أوكرانيا تحديات كبيرة على الصعيد الداخلي والخارجي، حيث يجب عليها التوفيق بين الضغوط العسكرية والاقتصادية، وبين الضمانات الدولية التي تحتاج إلى تأكيد الالتزام بها. وفي الوقت نفسه، توفر هذه القمة فرصة تاريخية لتأكيد دعم المجتمع الدولي لأوكرانيا، وتقديم نموذج للتعاون الأوروبي والدولي في معالجة النزاعات المسلحة بطريقة سلمية ودبلوماسية.
كما تتيح القمة الفرصة لتعزيز التنسيق بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وتطوير خطط استراتيجية شاملة تشمل الدفاع المشترك والمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار بعد انتهاء أي نزاع، بما يضمن استقرار البلاد على المدى الطويل.
تعد قمة باريس حول الضمانات الأمنية لأوكرانيا حدثًا بالغ الأهمية في السياق الدولي الراهن، حيث يسعى حلفاء كييف لتقديم عرض متكامل يحصّن البلاد بعد التوصل إلى أي اتفاق سلام. ويأتي هذا الاجتماع في وقت تتصاعد فيه التوترات في شرق أوروبا، وسط مخاوف من تكرار الهجمات الروسية حتى بعد إنهاء النزاع.
من المتوقع أن تُسفر المحادثات عن تحديد إطار واضح للضمانات الأمنية والدفاعية، ويؤكد المجتمع الدولي على ضرورة التزام جميع الأطراف بما يتم الاتفاق عليه لضمان السلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الشرقية.
القمة تشكل فرصة غير مسبوقة لأوكرانيا لتعزيز موقفها الدولي وضمان حماية أراضيها وشعبها، مع توسيع التعاون مع الحلفاء الأوروبيين والأمريكيين لتحقيق مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا.