مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الحكومة الموازية في السودان.. بداية مرحلة جديدة من الصراع المستمر

نشر
 محمد حمدان دقلو
محمد حمدان دقلو

في خطوة سياسية وعسكرية لافتة تعكس تطوراً خطيراً في مسار النزاع السوداني، أعلن محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي" وقائد قوات الدعم السريع، عن تشكيل حكومة موازية في السودان.

 الإعلان جاء مع دخول الحرب السودانية عامها الثالث، في ظل نزيف بشري كارثي وأزمة إنسانية متفاقمة تهدد حياة الملايين داخل البلاد.

حميدتي يعلن "حكومة السلام والوحدة"

عبر بيان نُشر على حسابه الرسمي على تطبيق "تلغرام"، أكد حميدتي، مساء الثلاثاء، إطلاق ما وصفه بـ"حكومة السلام والوحدة" والتي قال إنها تمثل "الوجه الحقيقي للسودان". 

 

وبحسب البيان، فإن هذه الحكومة لن تقتصر على المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، بل ستسعى إلى تقديم الخدمات الأساسية لجميع السودانيين، دون تمييز.

وأشار البيان إلى أن هذه الحكومة تستند إلى دستور جديد ينص على تشكيل مجلس رئاسي يضم 15 عضوًا يمثلون مختلف أقاليم السودان، ما يرمز إلى ما وصفه بـ"الوحدة الطوعية" بين المكونات السودانية.

ورغم وصفه لحكومته بـ"الموازية"، شدد حميدتي على أنها لا تهدف إلى تقسيم الدولة أو إنشاء كيان مستقل، بل إلى "إنقاذ السودان" وبناء مستقبل موحد ومستقر، على حد تعبيره.

أهداف الحكومة الجديدة

الإعلان عن هذه الحكومة جاء بعد توقيع قوات الدعم السريع ميثاقًا سياسيًا مع أكثر من 20 حزبًا وحركة مسلحة وجماعات مدنية، تضمن مجموعة من المبادئ الأساسية التي ستقوم عليها الحكومة الجديدة.

أبرز ما جاء في الميثاق:

 يهدف الميثاق إلى تأسيس نظام حكم يفصل الدين عن الدولة بالكامل، ويمنح جميع المواطنين حقوقًا متساوية، بعيدًا عن التمييز على أساس الدين أو العرق أو الانتماء الجهوي.

حق تقرير المصير: منح "الشعوب السودانية" حق تقرير المصير في حال عدم الالتزام بالنص على العلمانية في الدستور الانتقالي أو الدائم.

حكم ديمقراطي تعددي: ينص الميثاق على ضرورة إجراء انتخابات حرة ونزيهة، ويمنح الأقاليم صلاحيات واسعة لإدارة شؤونها المحلية، بما يضمن مشاركة عادلة في السلطة والثروة.

جيش وطني جديد: يدعو الميثاق إلى تأسيس جيش قومي بعقيدة عسكرية جديدة تعكس التنوع الإثني والديني والثقافي في السودان، ويكون خاضعًا بالكامل للسلطة المدنية.

أجهزة أمنية مهنية: إنشاء جهاز شرطة ومخابرات مهنيين خاليين من الولاءات الحزبية أو القبلية.

تحقيق العدالة وإنهاء الإفلات من العقاب: أحد أعمدة الميثاق هو الالتزام الصارم بالمحاسبة القانونية وتحقيق العدالة الانتقالية.

الأهداف الإنسانية للحكومة الجديدة

الميثاق السياسي ركّز أيضًا على البُعد الإنساني، إذ أكد الموقعون على ضرورة:

فتح المعابر البرية والجوية دون قيود لتسهيل توزيع المساعدات الإنسانية.

ضمان وصول الدعم الإنساني إلى جميع مناطق السودان دون استثناء.

استعادة الحقوق الدستورية للمواطنين.

تحقيق السلام الشامل والعادل وإنهاء النزاعات المسلحة التي أنهكت البلاد.

كما شدد الميثاق على ضرورة استعادة مسار الحكم المدني الديمقراطي، والابتعاد عن سياسة المحاور والاصطفاف الدولي التي تتهم الحكومة الموجودة في بورتسودان بانتهاجها.

الأطراف الموقعة على الميثاق

إلى جانب قوات الدعم السريع، وقّعت عدة كيانات مؤثرة على الميثاق، من أبرزها:

  • الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وهي من أبرز الحركات التي تنادي بالعلمانية وتقرير المصير.
  • تحالف الجبهة الثورية الذي يضم عدداً من الحركات المسلحة، ويقوده الهادي إدريس، عضو مجلس السيادة السابق.

موقف الأمم المتحدة من النزاع

بالتزامن مع إعلان الحكومة الموازية، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نداءً جديدًا لوقف الحرب في السودان، مطالبًا بوقف فوري لتدفق الأسلحة والمقاتلين من الخارج.

وقال غوتيريش في بيان رسمي، إن استمرار تدفق السلاح والمقاتلين يزيد من حدة النزاع وينذر بتوسع رقعته لتشمل كافة أنحاء السودان.

ورغم أن غوتيريش لم يسمِّ أي دولة بعينها، إلا أن الحكومة السودانية اتهمت مرارًا الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه أبوظبي بشدة. كما رفضت قوات الدعم السريع نفسها هذه الاتهامات.

من جانبها، دعت الإمارات الأطراف السودانية، الثلاثاء، إلى وقف إطلاق النار فورًا، والعودة إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب وإنقاذ الشعب السوداني من كارثة إنسانية تزداد سوءًا يومًا بعد يوم.

خلفية الصراع السوداني

اندلع الصراع بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي في أبريل 2023. ومنذ ذلك الحين، قُتل عشرات الآلاف، فيما نزح الملايين داخل وخارج البلاد.

وعلى الرغم من المحاولات الدولية المتكررة للتوسط بين الطرفين، لم تُحرز أي انفراجة حقيقية حتى اليوم، في ظل تعنّت الطرفين وتبادل الاتهامات بشأن المسؤولية عن فشل المحادثات السابقة.

ورغم أن الجيش السوداني حقق مؤخرًا مكاسب ميدانية في عدد من المناطق الاستراتيجية، فإن إعلان حميدتي عن تشكيل حكومة موازية يُنذر بتصعيد جديد في الأزمة، ويطرح تساؤلات كبيرة حول فرص التوصل إلى حل سلمي شامل في الأفق القريب.

ما الذي يعنيه هذا الإعلان لمستقبل السودان؟

تشكيل حكومة موازية في السودان يُعد تصعيدًا سياسيًا له أبعاد خطيرة على وحدة البلاد واستقرارها. فهو لا يعكس فقط انقسامًا ميدانيًا وعسكريًا، بل أيضًا شرخًا سياسيًا حادًا قد يؤدي إلى انفصال فعلي على الأرض.

في المقابل، يراه بعض المحللين محاولة من قوات الدعم السريع لإضفاء شرعية على سيطرتها الميدانية عبر تحالفات مدنية وحزبية، تمهيدًا لفرض أمر واقع سياسي أمام المجتمع الدولي.

ومع بقاء الأوضاع على حالها، ودون ضغط دولي حقيقي على الأطراف المتحاربة، فإن الأزمة في السودان مرشحة للاستمرار، مع ما يحمله ذلك من تهديدات كارثية على مستقبل الدولة السودانية ووحدة أراضيها.