مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بين الأمل والإيمان.. نهاية حزينة لقصة استثنائية| وفاة "الأمير النائم" الوليد بن خالد بن طلال آل سعود

نشر
الأمصار

في الساعات الأولى من صباح أمس السبت، أعلنت وسائل إعلام سعودية رسمية وفاة صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن خالد بن طلال آل سعود، المعروف بلقب "الأمير النائم"، عن عمر يناهز 35 عامًا، بعد أن أمضى أكثر من عشرين عامًا في غيبوبة تامة إثر حادث سير مأساوي وقع عام 2005. 

وقد شكلت هذه الوفاة خاتمة مؤثرة لقصة إنسانية فريدة من نوعها، ظلت على مدى سنوات طويلة تحظى باهتمام واسع في الأوساط الطبية والشعبية على حد سواء.

ورغم تداول الخبر على نطاق واسع، لم يصدر حتى الآن بيان رسمي من الديوان الملكي السعودي بشأن مراسم الجنازة أو موعد الدفن، وهو ما ترك حالة من الترقب بين المواطنين والمتابعين لتفاصيل الحالة منذ بدايتها.

بداية المأساة: حادث غيّر مسار الحياة

ولد الأمير الوليد بن خالد في أبريل 1990، وهو الابن الأكبر للأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، وابن شقيق رجل الأعمال البارز الأمير الوليد بن طلال. في عام 2005، وبينما كان الطالب العسكري الشاب يتابع دراسته في أكاديمية عسكرية بلندن، وقع الحادث الذي غير كل شيء.

حادث السير المروع أدى إلى إصابات شديدة في الرأس ونزيف دماغي داخلي، ما دفع الفريق الطبي إلى إدخاله في غيبوبة اصطناعية لمحاولة السيطرة على النزيف. إلا أن حالته تطورت إلى غيبوبة شبه دائمة، لم يفق منها أبدًا رغم محاولات العلاج المكثفة.

جهود طبية دولية.. والرهان على معجزة

مع تفاقم الحالة، استقدمت العائلة فريقًا طبيًا عالميًا من الولايات المتحدة وإسبانيا، ضم أبرز المتخصصين في جراحة الأعصاب والعلاج التأهيلي، لمحاولة تقليل الضرر الدماغي وتحسين المؤشرات الحيوية.

 ورغم تكرار محاولات العلاج وإجراء فحوصات دقيقة على مدى سنوات، لم يسجَّل تحسن يُذكر في مستوى وعي الأمير، باستثناء تحركات لا إرادية محدودة كاليد أو الرأس، والتي اعتبرها البعض بوادر أمل خافتة.

والد لا يعرف اليأس: الأمير خالد بن طلال

على مدار عقدين، لم يكن هناك من هو أكثر تمسكًا بالأمل من الأمير خالد بن طلال، والد "الأمير النائم".

 إذ رفض مرارًا مقترحات الأطباء بـ"فصل الأجهزة" أو اعتبار حالة ابنه "وفاة سريرية"، مؤكدًا أن الحياة بيد الله وحده، وأن المعجزات ممكنة.

كان الأب ينشر بين الحين والآخر مقاطع فيديو تُظهر استجابات خفيفة من الأمير الوليد عند تلاوة القرآن أو عند مناداته بصوت والده، وهي لقطات أثارت مشاعر الملايين، وخلقت حالة وجدانية نادرة من التضامن والدعاء المستمر.

ردود فعل شعبية: حزن يتجاوز العائلة المالكة

ما إن تم الإعلان عن وفاة الأمير حتى تصدّر وسم "الأمير النائم" منصات التواصل الاجتماعي، وانهالت مئات آلاف التعليقات التي عبّرت عن الحزن العميق والتقدير الكبير للعائلة التي تمسكت بالأمل حتى اللحظة الأخيرة.

غردت إحدى المتابعات قائلة: "بكيت دون أن أعرفه، لكنها قصة اختلط فيها الإيمان بالوجع، والرجاء بالحقيقة المؤلمة". فيما نشر آخرون صورًا ومقاطع من أرشيف الأمير على سريره، مشيدين بـ"الأب العظيم الذي لم يتخلَّ عن ابنه لحظة واحدة".

رسائل مؤثرة من النخبة والمواطنين

وقدّم عدد من أمراء العائلة المالكة والشخصيات العامة والدينية والإعلامية تعازيهم للأمير خالد بن طلال عبر حساباتهم الرسمية، مشيدين بصبره وموقفه الأبوي الذي سيظل يُضرب به المثل. واعتبر بعض المغردين أن الأمير الوليد "تحوّل إلى رمز وطني وأبوي للصبر والإيمان"، فيما دعا آخرون إلى تخليد قصته في فيلم أو عمل وثائقي لما تحمله من قيم إنسانية ودروس في الإصرار والأمل.

بين الطب والدين: جدل لم يُحسم

قصة "الأمير النائم" كانت أيضًا موضوعًا لجدل متكرر في الأوساط الطبية والدينية، إذ اعتبر بعض الأطباء أن حالته أقرب إلى "الوفاة السريرية" التي لا يُرجى شفاؤها، في حين تمسك فريق آخر بإمكانية حدوث استجابات عصبية بعد سنوات في حالات نادرة. أما من الناحية الدينية، فقد انقسم العلماء بين من يرى جواز رفع الأجهزة بعد تحقق الوفاة الدماغية، ومن يتمسك بوجوب إبقاء المريض على الأجهزة طالما هناك نبض.

وداع مؤلم.. ولكن القصة باقية

رغم النهاية الصامتة، إلا أن قصة الأمير الوليد بن خالد ستظل حاضرة في ذاكرة السعوديين والعرب، باعتبارها ملحمة إنسانية عن الصبر والأمل والتشبث بالحياة، وتجربة لا تشبه أي تجربة أخرى. ووسط الحزن العميق، يتفق الجميع على أن الأمير الراحل كان أكثر من مجرد مريض.. بل أصبح رمزًا لصراع الإنسان مع القدر، ولحنًا حزينًا عن قوة الأبوة في وجه المستحيل.