«المدينة الإنسانية».. مشروع إسرائيلي يُثير تحذيرات من جريمة حرب ضد سكان غزة

في ظل تصاعد التوترات وتفاقم الأزمة الإنسانية في «قطاع غزة»، تكشف تقارير إعلامية وتحليلات دولية عن خطة إسرائيلية مُثيرة للجدل تحت مُسمى «المدينة الإنسانية»، تستهدف نقل مئات آلاف الفلسطينيين قسرًا إلى منطقة صغيرة ومُدمّرة في جنوب القطاع. هذه الخطوة التي لا تزال غير مُعلنة رسميًا، تُثير تحذيرات من خبراء القانون الدولي الذين يرون فيها خرقًا واضحًا لاتفاقيات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وقد تصل في أبعادها إلى «جريمة حرب»، بل وإبادة جماعية بحق سكان غزة المدنيين، ما يضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ قانوني وأخلاقي عاجل.
وساطات دولية وخطة نقل قسري في غزة
وفي وقت تُواصل فيه «مصر وقطر والولايات المتحدة» جهودها الدبلوماسية للتوسط في اتفاق وشيك بين إسرائيل وحركة «حماس»، كشفت وسائل إعلام أمريكية عن خطة يُروّج لها جيش الاحتلال تهدف إلى إجبار مئات الآلاف من سكان غزة على الانتقال إلى منطقة محدودة ومُدمّرة في جنوب القطاع تعرف باسم «المدينة الإنسانية».
وبحسب تحليل نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، استنادًا إلى صور أقمار صناعية ووثائق إعلامية إسرائيلية، فإن الخطة، التي لم تُعلن رسميًا بعد، تقترح إقامة ما وصفه مسؤولون بأنه «مدينة إنسانية» في منطقة رفح (جنوب غزة)، ستستوعب في مرحلتها الأولى ما لا يقل عن (600) ألف فلسطيني، مع إمكانية توسيعها لاحقًا لاستيعاب كامل سكان قطاع غزة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة.
جريمة حرب
وحذّر خبراء قانون دولي إسرائيليون من أن الخطة قد ترقى إلى نقل قسري للسكان المدنيين، وهو ما يُعد جريمة بموجب القانون الدولي. وفي رسالة مفتوحة وجهها عدد من القانونيين إلى وزير الدفاع الإسرائيلي، «يسرائيل كاتس»، ورئيس هيئة الأركان، «الفريق إيال زامير»، أكدوا أن تنفيذ مثل هذه الخطة سيكون بمثابة «سلسلة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية»، بل وقد يصل، إلى «جريمة إبادة جماعية».
وأشارت تقارير إسرائيلية إلى أن سكان «المدينة الإنسانية» لن يُسمح لهم بالعودة إلى شمال القطاع أو إلى مناطقهم الأصلية، وهو ما اعتبره الخبراء بمثابة إقامة معسكر اعتقال مُغلق، يمنع حرية التنقل ويعزل السكان قسرًا عن أراضيهم ومجتمعاتهم، بحسب «نيويورك تايمز».
وفي حين رفض متحدث باسم جيش الاحتلال التعليق على التقارير، وكذلك فعل مكتب رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»، فإن وسائل إعلام عبرية، أكدت أن «كاتس» ناقش الخطة بشكل غير رسمي مع صحفيين عسكريين الأسبوع الماضي.
تعطيل مُتعمد للمفاوضات
وفي أول رد فعل من حركة حماس، اعتبر القيادي بالحركة «حسام بدران»، أن الخطة تُمثّل «تعطيلًا متعمدًا للمفاوضات» الجارية للتوصل إلى وقف إطلاق النار، قائلاً: «هذه ستكون مدينة معزولة أشبه بالجيتو. هذا أمر مرفوض تمامًا، ولن يُوافق عليه أي فلسطيني».
وتطُالب «حماس»، في المقابل، بانسحاب القوات الإسرائيلية من معظم مناطق القطاع كشرط للإفراج عن عدد من الإسرائيليين المحتجزين لديها. وترى الحركة أن الخطة الإسرائيلية تُقوِّض جوهر أي اتفاق ممكن، إذ تضمن بقاء قوات الاحتلال في مواقعها.
وتزايدت الآمال الأسبوع الماضي بشأن إمكانية التوصل إلى هدنة، عقب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، «بنيامين نتنياهو»، إلى واشنطن واجتماعه بالرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب». لكن نتنياهو عاد إلى تل أبيب دون تحقيق أي اختراق سياسي، في ظل ما يُعتقد أنه تباطؤ متعمد في المفاوضات لأسباب شخصية وسياسية.
وفي الداخل الإسرائيلي، لم تلق الخطة ترحيبًا مُوحدًا، إذ قال وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، «إيتمار بن جفير»، الذي يُعارض أي اتفاق دائم مع حماس، إن الحديث عن «مدينة إنسانية» ليس سوى «خدعة إعلامية تهدف لتسويغ صفقة وشيكة» مع الحركة، مُضيفًا في بيان: «الحديث عن إقامة مدينة إنسانية هو في جوهره تضليل إعلامي، لا شيء يُغني عن النصر الكامل».
تحذيرات قانونية من تهجير سكان غزة
وفي ضوء التحذيرات القانونية والإنسانية المُتزايدة، يبقى مشروع «المدينة الإنسانية» في غزة نقطة محورية تُثير قلق المجتمع الدولي حول مصير المدنيين الفلسطينيين. إن أي تنفيذ لهذه الخطة قد يُشكل خرقًا صارخًا للقانون الدولي ويضع إسرائيل أمام مسؤولياتها القانونية والأخلاقية. وفي ظل هذه التطورات، تتضاعف الحاجة إلى تحرك عاجل من قِبل المنظمات الدولية والجهات الحقوقية لوقف أي إجراءات قد تُؤدي إلى مزيد من المعاناة وإلى حماية حقوق سكان غزة الذين يرزحون تحت وطأة الحصار والصراع المُستمر.