مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

" بين الاتهامات المتصاعدة وتحديات الرقابة النووية".. الملف النووي الإيراني يعود للاشتعال

نشر
الأمصار

في مشهد عالمي يزداد احتقاناً بين أطراف متعددة، تتصاعد وتيرة التوترات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسط تبادل للاتهامات بالتسييس وانعدام الشفافية، مما يعيد إلى الواجهة واحدة من أعقد القضايا المرتبطة بالأمن الدولي، وهي الرقابة على البرامج النووية في الشرق الأوسط، وتحديدًا في إيران.

ما هي الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟

الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) هي منظمة مستقلة أنشئت عام 1957، ومقرها الرئيسي في فيينا، النمسا. ورغم أنها ليست جزءًا من الأمم المتحدة من الناحية القانونية، إلا أنها تقدم تقاريرها إلى كل من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

تُعد الوكالة الذراع الفني الرئيسي لمراقبة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، وتضطلع بدور حيوي في تفتيش الأنشطة النووية للدول الأعضاء والتأكد من أن استخدام الطاقة النووية يتم لأغراض سلمية فقط، دون أي انحراف نحو التصنيع العسكري أو إنتاج الأسلحة النووية.

المهام الأساسية للوكالة

تتمثل أهم مهام الوكالة في:

مراقبة وتفتيش المنشآت النووية في الدول الموقعة على اتفاق الضمانات.

التأكد من أن الدول لا تقوم بتحويل المواد النووية إلى برامج عسكرية.

تقديم الدعم التقني والعلمي للدول النامية في مجالات الطاقة والطب والزراعة باستخدام التكنولوجيا النووية.

إصدار تقارير محايدة وشفافة حول مدى التزام الدول بالمعايير الدولية.

الوساطة الدبلوماسية والمشاركة في صياغة التفاهمات النووية مثل الاتفاق الإيراني (JCPOA).

العلاقة المعقدة بين إيران والوكالة

علاقة إيران بالوكالة لم تكن يوماً علاقة مستقرة. فمنذ مطلع الألفية، بدأت الشكوك تحيط ببرنامج إيران النووي، بعد تسريبات أفادت بوجود منشآت سرية لم تُعلن عنها طهران، مثل منشأتي نطنز وأراك، مما أثار المخاوف في المجتمع الدولي ودفع الوكالة لبدء عمليات تفتيش مكثفة.

في عام 2015، تم التوصل إلى اتفاق دولي عرف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، بين إيران ومجموعة (5+1)، وبموجبه وافقت طهران على تقليص برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية. وقد لعبت الوكالة دورًا محوريًا في مراقبة تنفيذ الاتفاق، وقدمت تقارير دورية أكدت فيها التزام إيران لفترة من الوقت.

الانسحاب الأمريكي وعودة التوتر

في عام 2018، انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، وأعادت فرض العقوبات على إيران، وهو ما اعتبرته طهران خرقًا للاتفاق دفعها إلى تقليص تدريجي لالتزاماتها النووية.

منذ ذلك الحين، بدأت الشكوك تعود مجددًا، وازدادت مطالب الوكالة بإجراء تفتيشات موسعة، خاصة بعد رصد آثار يورانيوم مخصب في مواقع لم تصرح بها إيران سابقًا، ما أشعل موجة جديدة من الاتهامات والاتهامات المضادة.

اتهامات إيران للوكالة

تتهم إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بـ:

الانحياز السياسي للدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل.

اعتمادها على معلومات قدمها جهاز الموساد الإسرائيلي حول منشآت نووية مزعومة.

تجاوز صلاحياتها القانونية من خلال المطالبة بتفتيش مواقع عسكرية حساسة لا علاقة لها بالبرنامج النووي.

التعامل الانتقائي مع الدول، وغض الطرف عن أنشطة نووية مشبوهة في دول مثل إسرائيل التي لم توقع على معاهدة عدم الانتشار.

وفي تصريح لافت، قال مسؤولون إيرانيون مؤخرًا إن “الوكالة تحولت من هيئة فنية إلى ذراع سياسية للقوى الكبرى"، مؤكدين أن طهران ستعيد النظر في تعاونها مع الوكالة إذا استمر هذا المسار.

موقف الوكالة الدولية

في المقابل، تؤكد الوكالة أنها تتعامل بـ"مهنية تامة وحياد فني"، وتعتمد على أدلة مادية وتحاليل معمقة، مشيرة إلى أن وجود يورانيوم مخصب بدرجات قريبة من 83.7% – وهي درجة قريبة جداً من الاستخدام العسكري – يثير القلق، ويتطلب توضيحات شاملة من الجانب الإيراني.

وفي تقاريرها الأخيرة، أعربت الوكالة عن عدم رضاها عن مستوى تعاون إيران، خاصة فيما يتعلق بتركيب كاميرات المراقبة والسماح للمفتشين بالوصول إلى بعض المواقع.

تصعيد جديد حول تعليق التعاون

في يونيو 2024، تبنّى مجلس محافظي الوكالة قرارًا ينتقد إيران بسبب ما وصفه بـ"عدم التعاون الجوهري"، وردت طهران بتعليق بعض أنشطة التعاون، ومنع بعض المفتشين الدوليين من العمل على أراضيها.

وقد وُصف هذا القرار الإيراني بأنه خطوة تصعيدية، تنذر بزيادة الفجوة بين الطرفين، وتجعل عودة الاتفاق النووي أكثر تعقيدًا.

المخاوف الدولية

الوضع الحالي يعيد إلى الأذهان مخاوف من سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. فالعديد من الدول، ومنها إسرائيل والسعودية، تراقب عن كثب ما يجري، وتُحذر من أن تطوير إيران لقدراتها النووية قد يدفع المنطقة نحو مزيد من التسلح والتوتر.

الولايات المتحدة والدول الأوروبية ترى أن عدم التوصل إلى تفاهم مع إيران يهدد بعودة الأزمة النووية، فيما تدعو الصين وروسيا إلى حلول دبلوماسية وتخفيف التصعيد، مؤكدين على ضرورة بقاء إيران داخل إطار معاهدة عدم الانتشار والتعاون مع الوكالة.

تظل الأزمة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية عنوانًا واضحًا لصراع أوسع بين السيادة الوطنية والمساءلة الدولية، وبين الحق في تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية، والخوف من الاستخدام العسكري.

وفي ظل غياب الثقة والتفاهم، تبقى المنطقة رهينة لتقارير التفتيش، وجلسات مجلس الأمن، وقرارات الدول الكبرى، بينما يقف العالم على حافة مواجهة جديدة قد تتجاوز الطابع الدبلوماسي إلى مشهد أكثر خطورة.