د. خالد قنديل يكتب: حين يتكلم المعنى

كان اللقاء معه كأنك تفتح نافذة تطل على زمنٍ لم تعشه، لكنك تشتاق إليه.. لم يكن في حضوره أي ضجيج، ومع ذلك، شعرت أن في الغرفة شيئًا تغير.. كأن الصمت صار أكثر احترامًا، وكأن الهواء قرر أن يُصغي.
في عيني سماحة السيد عمار الحكيم طمأنينة لا تُشبه الوقار السياسي، بل تُشبه حديث من تعلم أن يربي قلبه على الصبر، لا على الانفعال.. لا يرفع صوته، لكنه يعرف كيف يجعل كلماتك تنصت هي الأخرى، كأنها تشعر بالحرج من ضجيجها المعتاد. تحدثنا، لا كأننا نناقش شيئًا، بل كأننا نستعيد شيئًا كاد أن يُنسى. لم تكن هناك فواصل زمنية بين سؤال وجواب، فقط لحظات من تأملٍ مشترك، يتسلل خلالها المعنى مثل ندى على أطراف الحديث.
تكلم عن البشر، لا كعدد في معادلة وطنية، بل كوجوه يعرفها.. وجوه مشغولة بالنجاة أكثر من الحياة. حدثني عن الإيمان كقوة ناعمة، لا كعقيدة صلبة تُشهر في وجه الآخر. ما أبهرني فيه ليس ما قاله، بل كيف كان يصغي.. كأن الإصغاء عنده طقس، لا مجاملة.. وكأن الإصغاء في زمن الغلبة صار فعلاً مقاومًا.
خرجت من اللقاء وأنا لا أحمل قرارًا، ولا أجندة، ولا توقيعًا. بل خرجت بشيء لا يُكتب على الورق.. خرجت بإحساس أن هناك رجالاً حين تلتقيهم، لا يُغيرون رأيك، بل يعيدون ترتيب إحساسك بالاتزان، ببساطة لأنهم يحملون اتزانهم كمن يحمل كأس ماء في زحام حريق.. لا ينسكب منه شيء.
نقلًا عن صفحة الدكتور خالد قنديل عضو مجلس الشيوخ ونائب رئيس حزب الوفد في مصر، عبر “فيسبوك”.