رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

مصر وتركيا.. إنفراجة دبلوماسية تعطي وجها جديدا للمنطقة

نشر
الأمصار

تقترب العلاقات بين مصر وتركيا من إنفراجة دبلوماسية جديدة، بعد قطيعة دامت عقدًا من الزمن، في خضم الاستعداد، اليوم الأربعاء، لزيارة مُرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبالتزامن مع الإعلان عن موافقة أنقرة على تزويد مصر بطائراتها المسيرة التي تحظى بشعبية متزايدة.

وتعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الأربعاء، للعاصمة المصرية القاهرة، الأولى له كرئيس للجمهورية، منذ زار مصر كرئيس للوزراء في سبتمبر/ أيلول عام 2012.

واثنا عشر عاما هي المسافة الزمنية بين الزيارتين، مرت خلالها العلاقات بين القاهرة وأنقرة بمنعطفات حادة، تزامنت مع تقلبات حقبة الربيع العربي، بلغت حد سحب السفراء وتوقف أشكال التواصل الدبلوماسي الثنائي كافة، بل وقطيعة بين قادة البلدين منذ عام 2013، قبل أن تتحسن العلاقات تدريجيا مؤخرا.

وجدير بالذكر، أن تطوير العلاقات بين القاهرة وأنقرة سيكون لها انعكاسات واسعة على أمن المنطقة، بالنظر إلى البعد الاستراتيجي للدولتين وثقلهما في الإقليم، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من اتساع دائرة التهديدات بالنظر لاستمرار القتال في جبهات شتى، سواءً ما يحدث في غزة، أو ما يدور في السودان، أو القضايا التي كانت تمثل نقاطًا خلافيّة على رأسها الأزمة الليبية وقضية ترسيم الحدود البحرية وملف الطاقة بالبحر المتوسط.

أبرز محطات الخلاف بين مصر وتركيا خلال السنوات الماضية:

مرت العلاقات المصرية التركية بمرحلة توتر واحتقان، بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان في مصر عام 2013.

وتفاقمت العلاقة لتصل إلى حد القطيعة الكاملة بسبب ملفّات شائكة تقاطعت فيها مصالح البلدين على نحو حاد.

وكان الملف الليبي في مقدمة القضايا الخلافية، فقد أثار الوجود العسكري التركي في ليبيا مخاوف مصر لارتباط أمنها القومي بليبيا واستقرار الأوضاع فيها.

وبلغ التوتر بسبب ليبيا، ذروته في يونيو عام 2020، حين هددت ميليشيات من الغرب الليبي مدعومة من تركيا بالزحف نحو مدينة سرت، وحينئذ أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خط سرت - الجفرة، خطا أحمر لن تقبل مصر بتجاوزه.

خلاف آخر يتعلق بملف النفط والغاز في البحر المتوسط، وسعي كل من الدولتين للحصول على حصتيهما من تلك الثروات.

ومنذ مايو عام 2021، بدأت الدولتان مباحثات على المستوى الأمني والاستخباراتي لاستكشاف فرص تحسين العلاقات.

وبدأت تركيا سلسلة من الخطوات لإثبات حسن النوايا فيما يتعلق باستضافة عناصر ومنابر إعلامية لجماعة الإخوان.

وارتقت المباحثات لاحقا إلى مستوى لقاءات وزيارات متبادلة على مستوى وزيري خارجية البلدين.

ثم جاءت الخطوة الأهم بمصافحة، وصفت بالتاريخية بين السيسي وأردوغان على هامش مشاركتهما في حفل انطلاق كأس العالم في قطر في نوفمبر عام 2022.

وفي فبراير من عام 2023 ، تواصل الرئيسان هاتفيا بعد الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا، وقدمت مصرُ لها مساعدات إنسانية عاجلة في هذه الأزمة.

وفي يوليو الماضي أعلن البلدان استئناف العلاقات على مستوى السفراء.

كما التقى السيسي وأردوغان على هامش القمة العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية في نوفمبر الماضي.

ملفات مضيئة على طاولة القمة المصرية - التركية اليوم

تأتي القمة مصرية - التركية التاريخية اليوم، بين الرئيس السيسي وأردوغان، وسط العديد من التطورات والمتغيرات الإقليمية والدولية التي تدفع باتجاه تنسيق المواقف بين البلدين، خصوصاً في ضوء الثقل الإقليمي والوزن الجيوسياسي الكبير لهما في المنطقة، بالإضافة إلى وجود العديد من المصالح الاستراتيجية التي تربط البلدين على كافة المستويات الجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية.

وتستمد الزيارة التركية أهميتها من أهمية الملفات المطروحة للنقاش على طاولة الزعيمين، وتعد الموضوعات التى سيتباحث فيها الزعيمين أحد الاعتبارات الرئيسية التي تزيد من أهمية الزيارة، وفى مقدمتها:

-الملف الفلسطيني: وبالطبع يأتي ملف الأزمة الفلسطينية في مقدمات الملفات التي يتناولها الزعيمان اليوم، وعلى رأسها ملف الهدنة الإنسانية الجديدة التي تقودها مصر وقطر، وملف المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، جنباً إلى جنب مع بعض القضايا الاستراتيجية وعلى رأسها سبل استعادة مسار السلام العادل وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

-الملف الليبي: تمثل المباحثات التي ستجري بين الرئيس السيسي ونظيره التركي، فرصة مهمة على طريق بناء تفاهمات بخصوص الملف الليبي، والنفوذ الكبير لهما في الملف الليبي، يمكن أن يدفع قدماً باتجاه حلحلة العديد من الملفات العالقة في ليبيا وعلى رأسها إنجاز الاستحقاق الانتخابي، وإخراج الميليشيات من ليبيا، جنباً إلى جنب مع الاستفادة المشتركة للشركات المصرية والتركية من عملية إعادة الإعمار.

-ملفات أفريقية: وعلى رأسها الأزمة السودانية، وكذلك ملف الصومال، خصوصاً ما يتعلق بالتهديد الإثيوبي المتمثل في التحرك لإنشاء قاعدة عسكرية وتأجير ميناء بربرة مع ما يُعرف بجمهورية أرض الصومال الانفصالية.

-ملف شرق المتوسط: يحظى ملف الطاقة في منطقة شرق المتوسط وما يترتب عليه من منافع، بمساحة مهمة في مسار التقارب التركي مع مصر، إذ أن تركيا تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها من الطاقة.

التعاون الثنائي: يوجد جملة من المصالح المشتركة المباشرة التي يمكن أن يساهم التعاون المصري التركي في تعزيزها، سواءً على المستوى الاقتصادي حيث يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 10 مليار دولار، ويوجد تطلع لوصول هذا الرقم إلى 20 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، وفي السياق نفسه يشكل القطاع الدفاعي والعسكري أحد المساحات الرئيسية للتعاون التركي المصري. من خلال صفقات الأسلحة المتبادلة، أو مشاريع الإنتاج العسكري المشتركة، ولعل إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان منذ أيام عن أن تركيا ستزود مصر بطائرات مسيرة قتالية، كان أحد مظاهر الترجمة الفعلية لمسار التقارب بين البلدين.