رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

جدل وخلافات.. انقسام بين القوى السياسية في ليبيا لأسباب عدة

نشر
علم ليبيا
علم ليبيا

تواجه ليبيا نذر تعميق الانقسام السياسي بين القوتين الرئيسيتين المهيمنتين على مراكز القرار في غرب وشرق البلاد، وهو ما يثير الكثير من المخاوف من أن تحاول الأطراف المستفيدة من بقاء الأوضاع على ما هي عليه، استغلال التحولات والصراعات التي تشهدها المنطقة سواء في الصحراء الكبرى أو شرق المتوسط، لإفشال الجهود المبذولة لحلحلة الأزمة القائمة منذ 12 عاما.

وشهدت الساحة الليبية خلال الأسابيع الماضية جملة من الأحداث التي ساهمت في إرباك مشاريع الحل، ومنها فيضانات درنة والجبل الأخضر في السادس عشر من سبتمبر الماضي، وجدل إعادة الإعمار في ظل الخلاف بين حكومتي طرابلس وبنغازي، والقوانين الانتخابية التي صادق عليها مجلس النواب في الثاني من أكتوبر ورفضتها مراكز القرار بالعاصمة بما يحول دون تحديد موعد للاستحقاقات المرتقبة، واشتباكات بنغازي التي أدت إلى دق إسفين بين “طريق السكة” مقر رئاسة مجلس الوزراء في طرابلس، و”الرجمة” مقر القيادة العامة للجيش في بنغازي.

وفي العاشر من أكتوبر الجاري، طلب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة من النائب العام المستشار الصديق الصور فتح تحقيق في أحداث بنغازي، وانطلق من التقارير التي تحدثت عن مواجهات مسلحة داخل أحد الأحياء المدنية، إضافة إلى قطع متعمد لشبكات الاتصالات، ما جعل ثاني أكبر المدن الليبية وحاضرة المنطقة الشرقية معزولة تماما عن العالم.

ونظر المحللون إلى تصريح الدبيبة على أنه تدخل في سياق التجاذبات السياسية والإعلامية بين طرابلس وبنغازي، وجاء بالأساس نزولا عند رغبة تيار الإسلام السياسي الذي بات حليفا أساسيا لحكومة الوحدة المنتهية ولايتها، سواء من خلال العلاقة الوطيدة التي تشكلت مع تيار الصادق الغرياني المفتي المعزول من قبل مجلس النواب منذ العام 2014 والذي لا يزال يباشر عمله من طرابلس، أو مع حزب العدالة والبناء الإخواني بعد أن تم التوافق معه على الإطاحة بأحد قيادييه وهو خالد المشري، من رئاسة مجلس الدولة الاستشاري، وتعويضه بقيادي آخر من الحزب وهو محمد تكالة الذي يسير جنبا الى جنب مع خيارات فريق “طريق السكة”.

وتم الحديث عن وقوع 15 قتيلا من بينهم 6 عسكريين جراء الاشتباكات التي شهدتها منطقة السلماني في مدينة بنغازي، فيما أعلن النائب العام العسكري بالمنطقة الشرقية فرج الصوصاع أن قائد المتمردين فرج الصوصاع تعرض لإصابات بليغة في المواجهات، وتم القبض على بعض المسلحين الذين كشفوا عن معطيات مهمة منها ما يتصل بالواقفين وراءهم من حيث التخطيط والتمويل.

تحقيق شامل في وقائع “استخدام القوة لعزل مدن كاملة وقطع الاتصالات عنها”

وفي التاسع عشر من أكتوبر، جدد الدبيبة الدعوة إلى النائب العام لفتح تحقيق شامل في وقائع “استخدام القوة لعزل مدن كاملة وقطع الاتصالات عنها”، وقال في اجتماع مجلس الوزراء الثامن للعام الجاري “نرفض قيام أي جهة عسكرية أو أمنية أو تحت أي اسم أو شعار بعزل مدن كاملة عن العالم وقطع الاتصالات عن أهلها ونقلهم بحجة فرض الأمن إلى العصور الوسطى”.

ورغم أن الدبيبة تجنب ذكر قيادة الجيش أو القائد العام المشير خليفة حفتر، إلا أن الخطاب الصادر عنه كان واضحا في استهدافه للسلطة الفعلية المسيطرة على المشهد العام بالمنطقة الشرقية ممثلة في القيادة العسكرية، وهو ما دفع بالمراقبين إلى الحديث عن تحول عميق في الموقف، وعن إمكانية الاتجاه نحو مواجهة حقيقية بين طرفين، وكذلك عن سعي حكومة الدبيبة إلى توجيه إشارات إلى “الرجمة” بأنها لن تقبل الصمت في مواجهة الأحداث التي عصفت ببنغازي ومن قبلها درنة، وإنها قادرة على تجييش الرأي العام والخارجي ضد قيادة الجيش.

وأفاد جهاز الأمن الداخلي بأن بحوزته أدلة تثبت دعم عائلة الدبيبة والمفتي المعزول صادق الغرياني للتشويش على مدينة بنغازي والمنطقة الشرقية، بينما رأى رئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب أسامة حماد أن التقارير التي استند عليها الدبيبة يبدو أنها من منصات التواصل الاجتماعي وبعض النشطاء أصحاب التوجهات المعروفة، وهي ضمن الحملة المستمرة لزعزعة الاستقرار والأمن في المناطق الأمنة.

وبحسب أوساط مطلعة في بنغازي، فإن الأجهزة العسكرية والأمنية توصلت إلى معلومات مهمة تفيد بتورط أطراف مؤثرة في مراكز القرار في طرابلس، في دعم وتمويل المسلحين الذين تسللوا إلى بنغازي من المسالك الصحراوية الجنوبية بالتنسيق مع وزير الدفاع الأسبق مهدي البرغثي، الذي يخضع حاليا للعلاج نتيجة الإصابات البليغة التي تعرض لها عندما حاول مواجهة العناصر المسلحة التي حاصرت منطقة السلماني واتجهت إلى منزله للقبض عليه من بين أنصاره، وخاصة من قبيلة “العواقير” التي يتحدر منها.

القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6

وباتت القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6 والمصادق عليها من قبل مجلس النواب المنعقد في بنغازي في الثاني من أكتوبر، مهددة بالإلغاء التام أو بإعادة النظر في عدد من بنودها المثيرة للجدل، لاسيما في ظل المواقف المناهضة لأي محاولة لتمريرها نحو التنفيذ. وقال الدبيبة إن حكومته “تدعم إقامة الانتخابات، ولكن وفق قوانين عادلة وتوافقية وقابلة للتنفيذ وغير مفصلة لإنجاح أو إقصاء أي طرف”.

وأصبح الحديث عن قوانين عادلة وتوافقية يعني مباشرة العودة إلى طاولة الحوار بين مجلسي النواب والدولة، والعمل على تجاوز النقاط الخلافية سواء تلك التي ذكرها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبدالله باتيلي في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، أو التي يتم التستر عليها من قبل الطرف المناهض لفكرة تنظيم الانتخابات إذا كانت ستشهد ترشح شخصيات مثل المشير خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي للمنافسة على منصب رئيس الدولة، أو إذا كانت ستؤدي إلى سلطة دائرة قادرة على اتخاذ قرارات جريئة بخصوص الملفات الساخنة مثل القوات الأجنبية والمرتزقة والميليشيات المسلحة والمصالحة الوطنية وتوزيع الثروة ومغادرة منطقة الإفلات من العقاب.

ويدرك أغلب المتابعين للشأن الليبي أن الدبيبة غير مستعد للتخلي عن كرسي الحكم، وهو يجد في ذلك دعما من تيار الإسلام السياسي وقادة الميليشيات والقوى الثورية المتشددة ومن الجماعات الجهوية الانعزالية التي تتحدث من منطلق لغة المنتصرين في 2011، بالإضافة إلى أطراف إقليمية ودولية ترى أن الوقت لا يزال غير مناسب لتغيير المشهد في اتجاه الخيارات الشعبية الحقيقية.