رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

زينب الكناني تكتب: علم الفلك في بلاد ما بين النهرين

نشر
الأمصار

إن علم الفلك، واحد من أهم المنجزات العلمية لدى البابليين الذي ورثوه عن السومريين حيث كانت مراقبة الأجرام السماوية تمارس في سومر و استخدم الفلكيون والمنجمون الزقورات العالية كمراصد لمراقبة حركة الأفلاك والنجوم من خلال غرفة تسمى (بيت المراقبة ) او (بيت تمرتي) وسبب استخدامهم الزقورات كمراصد هو بسبب ارتفاعها الذي يصل إلى (72 قدمًا) ولارتباطها بالالهة التي كانت لها صلة بالكواكب حيث ربطوا كوكب الشمس بالألهة أوتو والقمر مع الالهة ننار والمريخ مع كوجال _ أنا وعطارد مع الاله انكي والمشتري مع مردوك وأنليل والزهرة مع عشتار وزحل مع ننورتا. 

وليس هذا فحسب  بل قاموا بتقسيم  السنة إلى فصلين:

«ايمش (Emesh) الصيف الذي يبدأ من شباط آذار (فبراير - (مارس) 

و «انتين» (Enten) الشتاء الذي يبدأ في ايلول تشرين الأول (سبتمبر - اكتوبر) و كانت  السنة الجديدة تبدأ  في( نيسان) والاشهر قمرية فقط وتبدأ من مساء ظهور الهلال وكان عدد أيامها 29 أو 30 يوماً. وكانت أسماء الاشهرالتي كانت تؤخذ في الغالب من أسماء فعاليات زراعية أو من احتفالات تقام على شرف آلهة معينة، تختلف من مدينة إلى أخرى، ولأاجل معالجة مشكلة الفرق بين طول السنين القمرية والسنين الشمسية كان يكبس شهر اضافي في فترات منتظمة.

ويبدأ اليوم عدهم مع شروق الشمس، وكان طوله اثنتي عشرة ساعة مضاعفة كانت طول الساعة عندهم مائة وعشرين دقيقة . وكان الليل مقسمأ إلى ثلاث مراحل تتكون كل مرحلة من أربع ساعات وكان الزمن يقاس مقسما بساعة مائية، كانت على هيئة اسطوانة او ساعة الظل أوساعة العصا معروفة أيضا.

وقد استخدم علماء العراق القديم الرياضيات في بحوثهم الفلكية فأستعملوا في ذلك المعادلات الجبرية المختلفة في قياس الفصول وضبط ابعاد الاجرام السماوية وحصل الفلكيون البابليون بنتيجة أرصادهم على معرفة مضبوطة بالمقادير الزمنية التي تستغرقها الشمس والقمر وخمسة من الكواكب السيارة فعرفوا منازل هذه الكواكب واستطاعوا بذلك التنبأ بوقوع كسوف الشمس وخسوف القمر قبل حدوثهما واستخدم السومريون أيضًا نظام القياس الستيني ، وهو السبب في أننا ما زلنا نقسم الدوائر إلى 360 قسمًا  وهو نظام لا يزال يستخدمه علماء الفلك الحديث لرسم الظواهر الكونية.

وبسبب شهرة الفلك البابلي في العالم القديم كان اليونان على أتصال بالمعارف الفلكية البابلية حتى أن كتاب اليونان ذكروا لنا بعض اسماء الفلكيين ومن هؤلاء أسم ورد بالصيغة اليونانية (كيديناس اما الاسم البابلي كيدينو kidinu) وآخر بأسم (نابوريانوس واسمه البابلي هو نبو_رماني ) وأخر بأسم ( سودينيس ) ومن اسماء الفلكيين كذلك احد  الكلدانيين البارزين، سيلوسيوس من سلوقية حيث اقترح أن الشمس تقع في مركز الكون ، على الرغم من أن هذا النموذج الذي يركز على الشمس قد رفضه الإغريق لاحقًا. يُعتقد أنه وصل إلى هذا الاستنتاج من خلال انتظام المد والجزر ، وكان أول عالم فلك  يربط القمر والشمس بارتفاع وتوقيت المد والجزر.

إن الذي حفظ لنا أسماء هؤلاء الفلكيين البابليين هو (بوسيدنيوس) الذي ولد في سوريا في 135 ق.م  وليس فقط على اليونان قد ساهم الفلك البابلي كذلك في بلاد فارس في عام 539 قبل الميلاد ، اجتاحت قوات كورش بابل وضمتها كجزء من الإمبراطورية الفارسية.التقى علماء الفلك و تبادلوا الأفكار مع البابليين  وفي عهد الإمبراطورية السلوقية الفارسية ، استخدم البابليون الفلك للتنبؤ بحركة الكواكب  وابتكروا وظائف رياضية متقنة للتنبؤ بالظواهر الكونية  دون الرجوع إلى السجلات السابقة، وهذا  عزز الصلة بين علم الفلك وعلم التنجيم ، لأن الدقة التنبؤية للكهنة بدت سحرية للسكان.

وكما هو الحال في العديد من الثقافات، أصبح علم الفلك أساس الدين وجزاءً لا يمكن الاستغناء عنه في حياة البشر على الجوانب الروحية والعملية وكانت بداية ظهوره في  بلاد مابين النهرين قبل أن يتم تطويره لاحقآ في الحضارات المجاورة.