رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

د. حسين الهنداوي يكتب: كيف نزحزح قروننا وسطى

نشر
الأمصار

اتذكر الى الآن الحوار الرفيع الفكر والاناقة مع الكاتب الراحل نجيب المانع (1926-1991) القاص والمترجمٌ والناقدٌ الموسيقيٌ الموسوعي العراقي القلق العالمي الثقافة الذي سحرنا بصفاء روح كلماته حتى حين نختلف معه في ذلك النصف الثاني من القرن العشرين. كان مهتما، وهو الاستاذ، بمقال لي بعنوان "مقدمة وخاتمة حول موت الفن" اثار جدلا بطرا عندما نشرته "الاغتراب الادبي" المجلة الرائعة التي كان يصدرها بعرق الجبين الشاعر والناقد الكبير الدكتور صلاح نيازي والروائية الكريمة سميرة المانع. كان مجرد نقده لمقالي مصدر بهجة غدت اكبر لانها آتية من نجيب المانع ذاته الذي كنا نتابع بشغف مقالاته النابضة بالأمل والتي كان ينشرها في السبعينات الماضية، وأكثرها حضورا في ذاكرتي بعد نصه الرائع: " كيف نزحزح قروننا الوسطى؟"، تلك الدعوة او الصرخة التي تبدو ضرورية الآن اكثر من اي وقت مضى الى ثورة ديكارتية كان يحلم بها في الفكر العربي كي تغسل الصديد منه، ومطلعها: "ما زلنا في قروننا الوسطى حيث الزمان امتداد محايد يغيب عن تحريكه او حركته الانسان، واللغة مجوفة قاموسها كلمات موميائية: الشكل جلد ضامر موحش لكنه باق ألوف السنين، وحيث الاخلاق سكونية مهما ضجت بالحركة الجسدية والعضلية لأن اعلى قيمة فيها عرض القبيلة المهدد ابداً بالسبي، ولا قيمة فيها للأخلاقية الشخصية المدركة لمسؤوليتها عن انشاء قيم لا إتباعها. وما يوجد من قيم اخلاقية جديدة انما هي امتدادات وتشكّلات جديدة للقبيلة الخائفة من الغزو الابدي. لم تحدث بعد ثورة ديكارتية في الفكر العربي تغسل الصديد، وتزيله من المفاصل المشلولة خنوعا لكلمات الأجداد العنيدين في معاصرتهم والمعاصرين العتيقين جدا...".
ومهما يكن سبب احباطه المعلن من الوضع العربي والنثر العربي، فانه كان مبكرا وخسارة جسيمة للأدب العربي وخاصة العراقي رحيل نجيب المانع الزبيري المولد، البصري النشأة الثانوية برفقة بدر شاكر السياب، ثم الحقوقي بجامعة بغداد، المدينة الحبيبة التي خذلته دائما بأنظمتها السياسية البائسة، لكنها منحته فرصة تعلم الفرنسية بجهوده الفردية لتضاف الى الانكليزية التي كان قد تعلمها في الزبير من قراءته لكبار كتاب الأدب الإنكليزي، وعمقت شغفه بالموسيقى ولغاتها متدرجا من ابسط الأنغام حتى الوصول إلى سمفونيات بيتهوفن وموزارت وفاغنر وغيرهم، التي تكدست لديه منها الأسطوانات والتسجيلات ففاقت أعدادها الآلاف في سنوات عمره الأخيرة، كدليل على النزوع الكوني العقل المثقل دائما لديه بالهواجس والرغبة بمزيد من العطاء الصامت والجديد لكن الجميل والشعري والحالم فقط. اما عن الاشياء الاخرى فقد كان نجيب المانع، عاشقا هائما عن سبق اصرار، وحالما بتغيير واقع اجتماعي وسياسي وحتى أدبي وفني مع ادراكه المسبق ان تحقق حلم كهذا كان ضربا من مستحيل في هذا العماء المهيمن على ذوق عام يكون في معظم الأحيان هو نفسه العقبة الكأداء أمام تجاوز كبواته وخيباته: “لقد وهب اللّه الناس شعراً أينما التفتوا، ولكنهم عمي عن رؤية الشعر وسماعه فهم لا يرون إلا نثر كراهيتهم، وغيظهم وتكاسله…”. 
توفي نجيب في لندن في خريف سنة 1991، تُوفي جالساً على كرسيه وهو يقرأ كتاباً.. 
صدر لنجيب المانع نحو ثلاثين مؤلفا وعملا مترجما عرفت منها: 
"مذكرات عُمُر أكلتهُ الحروف"، سيرة ذاتية..
رواية «تماس المدن . »
بحث مفصل عن الروائي الأميركي "ايرنست همنغواي"، 
في الأدب والموسيقى. 
ومن اشهر ترجماته الى العربية:
رواية «غاتسبي العظيم»،
كتاب: «دوستويفسكي» لمؤلفه "رينيه ويليك"، 
كتاب: «بيتهوفن: دراسة في تطوره الروحي».
كتاب: «مارسيل بروست والتخلص من الزمان»، 
كتاب: «بُناة العالم».
كتاب: «أشكال الرواية الحديثة، وليام فان اوركونور وآخرون»، 
كتاب: "توثيق الارتباط بالتراث: إحياء الحس البلاغي".