رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

هل يشكل عام 2023 نهاية حركة الشباب الإرهابية في الصومال؟

نشر
الأمصار

في الآونة الأخيرة استطاعت القوات المسلحة الصومالية،  بالتعاون مع مقاتلي العشائر في تدميرها مراكز سرية لتنظيم الشباب الإرهابي المرتبطة بتنظيم القاعدة في مناطق وقرى بمحافظة شبيلي

وتمكنت أيضا من تطهير عددا من المدن والمناطق من تلك العصابات واستولت على مقراتها التي كانت تتخذها منطلقا لعملياتها الإرهابية وفرض أموال إجبارية على المدنيين.


ومن هذا المنطلق، وصف الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود ما تنفذه قواته بـ"الحرب الحاسمة"، لكن مازال هناك عدد من  التساؤلات قائماً حتى الآن، هل الحكومة الصومالية بالتعاون مع القبائل قادرة على القضاء النهائي على التنظيم الإرهابي في عام 2023؟ في بلد أنهكتها الحرب على مدى عقدين من الزمن.


حيث يخوض الصومال منذ سنوات حربا ضد حركة الشباب التي أُسست مطلع 2004 وتتبع فكريا لتنظيم "القاعدة" وتبنت عمليات إرهابية عديدة أودت بحياة مئات الأشخاص.​​


ظهور نجم حركة الشباب المجاهدين

حيث كان أول ظهور علني لاسم حركة الشباب المجاهدين عام 2006م، حيث إبان سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو ومعظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وكان للشباب المجاهدين نفوذ قوي في المحاكم الإسلامية حيث كان معظم الميليشيات المسلحة التابعة للمحاكم الإسلامية تحت قيادات عسكرية من الشباب المجاهدين.

وفي ذلك الحين، كان أمير حركة الشباب الشيخ مختار أبي زبير، يشغل آنذاك منصب الأمين العام للمكتب التنفيذي لاتحاد المحاكم الإسلامية، وكان في العاصمة معسكر لتجنيد وتدريب المقاتلين الجدد.

وبدخول القوات الإثيوبية نهاية عام 2006م ودحرها لسلطة المحاكم في مقديشو أعطت حركة الشباب المجاهدين فرصة قوية لإثبات وجودها ومبررات لفرض أجندتها الجهادية على الصومال وخاضت معارك عنيفة  ضد الحكومات الانتقالية المتعاقبة.


واستطاعت حركة الشباب تحقيق مكاسب على الأرض وأسست ولايات إسلامية في معظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وخضع لسيطرتها ثلثا مساحة أحياء العاصمة مقديشو من 2009 وحتى أواخر عام 2011م، وكانت الرصاصات الطائشة لمقاتلي الشباب المجاهدين تحصد الأرواح في باحة القصر الرئاسي.

زيادة نفوذ حركة الشباب في الصومال

وبمرور السنوات استحوذت حركة الشباب على العديد من الأقاليم بالصومال، ففي غضون خمس سنوات استطاعت حركة الشباب التمدد الجغرافي والعسكري في جنوبي ووسط الصومال.


ووفق الخبير الأمني محمد سومني، في تصريحات صحفية سابقة،  فإن "تراجع العمليات العسكرية الحكومية في السنوات الخمس الماضية ساهم في تزايد نفوذ حركة الشباب وتوسيع مناطق انتشارها، ما وفر لها مصادر دخل اقتصادية جديدة ودفعها إلى مزيد من الإرهاب".

وأوضح "سومني"، أن "مقاتلي الحركة ينشطون في 10 أقاليم من أصل 18، مع اختلاف وتيرة الأنشطة من إقليم إلى آخر"، بالإضافة إلى إقليم جوبا الوسطى بولاية جوبالاند هو الوحيد الذي تسيطر عليه الحركة بالكامل، فهو أكثر إقليم يضم غابات تتحصن فيها قيادات الحركة كملاذ آمن من غارات المسيّرات.


ويأتي إقليم جوبا السفلى في جوبالاند بالمرتبة الثانية من حيث انتشار مسلحي الحركة، فهي تسيطر على نحو 60 بالمئة منه، أي 3 مدن من أصل 5 يتكون منها الإقليم، بحسب رصد لبيانات رسمية منذ بدء العملية العسكرية.

فيما يحتل إقليم هيران بولاية هيرشبيلى المرتبة الثالثة من حيث انتشار عناصر الحركة، فقبل العملية العسكرية الحكومية كانت تسيطر على نحو 55 بالمئة منه، أي 5 مدن من أصل 9.

بينما يأتي كل من إقليم جلدود وشبيلى الوسطى وبكول في ولايات جلمدغ وهيرشبيلى وجنوب غرب الصومال في المرتبة الرابعة من حيث التمدد الجغرافي للحركة حيث تسيطر على نحو 45 بالمئة من هذه الأقاليم.

أما أقاليم مدغ وجدو وباي وشبيلى السفلى بولايات جلمدغ وجنوب غرب الصومال وهيرشبيلى فتأتي في المرتبة الخامسة من حيث الانتشار، إذ تسيطر الحركة على حوالي 20 بالمئة منها فقط.

وباستثناء إقليمي جوبا السفلى والوسطى اللذين لم تتغير مناطق سيطرتهما منذ سنوات، فإن بعض المناطق في الأقاليم الأخرى تتناوب الحكومة والحركة في السيطرة عليها، رغم أن الحركة توسعت في هذه الأقاليم خلال السنوات الخمس الماضية.


عمليات عسكرية لتحرير الصومال

في ظل هذا الانتشار لحركة الشباب الإرهابية بالصومال ألا أن الحكومة الصومالية تعمل جاهدة على توسع بعمليات عسكرية تساهم في تراجع الحركة عن مناطق سيطرتها الرئيسية التي تنتشر بها.

حيث ركزت الحكومة الصومالية خلال عملياتها العسكرية المستمرة  ركزت على إقليمي شبيلى الوسطى وهيران وأجزاء من إقليمي شبيلى السفلى وجلدود، فيما تستعد الحكومة لفتح جبهات جديدة في الأقاليم الأخرى، بحسب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مؤخرا.

وتعد "رون نيرغود " هي آخر مدينة إستراتيجية خسرتها الحركة في 22 ديسمبر 2022، لتعلن الحكومة سيطرتها بالكامل على شبيلى الوسطى الذي كانت الحركة تسيطر على 43 بالمئة منه، فيما تكاد الحركة تخسر هيران أيضا فلا تسيطر حاليا سوى على 5 بالمئة فقط من الإقليم بعد أن كانت 55 بالمئة

بينما تتوسع  العمليات العسكرية الحكومية تتراجع الحركة عن مناطق سيطرتها الرئيسية وتلك التي كانت تتواجد فيها كانتشار تنظيمي إستراتيجيي دون سيطرة فعلية.

وبدعم جوي أمريكي وتركي وبالتعاون مع مسلحي العشائر يشن الجيش الصومالي منذ يوليو 2022 عملية عسكرية لتحرير وسط البلاد من عناصر الحركة.


انحسار سيطرة "الشباب"

وردا على تزايد هجماتها الانتحارية في مقديشو، أعلن الرئيس شيخ محمود الحرب ضد الحركة، ووجدت نفسها أمام جبهات قتال في محاور عديدة ما أربك حساباتها.

وبجانب العمليات العسكرية الحكومية، وفق خبراء، فإن الضربات الجوية وثورة العشائر المسلحة جراء عجزها عن دفع الضرائب بسبب الجفاف، منحت الحكومة تفوقا عسكريا ميدانيا، فتراجع مسلحو الحركة بشكل كبير في بعض الأقاليم.

فرض الاستقرار في الصومال

ويرى عدد من مراقبون، وفقا لتصريحات صحفية سابقة، أن القتال مع حركة الشباب "الإرهابية" في تصاعد مستمر، والجهود المشتركة التي يقوم بها بعض أبناء العشائر الصومالية مع الجيش الوطني لدحر الشباب من مختلف المناطق، هدفها فرض الاستقرار في البلاد بعد سنوات من الحرب والدمار وتوفير الخدمات للسكان.

وفي 24 ديسمبر 2022، قال الرئيس الصومالي شيخ محمود، إن الجيش حقق مكاسب كبيرة، وتمكن من طرد الإرهابيين وتحرير ولاية هيرشبيلى بالكامل، وهي تتكون من إقليمي شبيلى الوسطى وهيران.

وتابع: "أكملنا نشر وحدات من الجيش في ولاية جنوب غرب الصومال، وسنكمل نشر المزيد في جوبالاند لفتح جبهات قتال جديدة ضد الإرهابيين استعدادا لبدء عمليات تحرير جميع الأقاليم".

ومنذ بدء العملية العسكرية، خسرت الحركة أكثر من 40 مدينة وبلدة وقرية جنوبي ووسط البلاد، بجانب مقتل ما يزيد عن 500 من عناصرها، بحسب وزارة الإعلام الصومالية.

حركة الشباب تطلب حوارًا مع حكومة الصومال.. ومقديشو ترد بشروط

وللحد من الصراع وإراقة الدماء، اذعيت أنباء عن مسؤلين صومالين، إن حركة الشباب الإرهابية طالبت بالحوار مع الحكومة الصومالية نتيجة الضغط العسكري عليها.


ففي تصريحات حملها نائب وزير الدفاع الصومالي، عبدالفتاح قاسم محمود، لوسائل إعلام محلية في العاصمة مقديشو، وبعد الضغط عليها لشهور متواصلة

قال نائب وزير الدفاع الصومالي: "اليوم حركة الشباب تمني النفس بالحوار، وتريد ذلك".

وأضاف: "حركة الشباب طالبت بالحوار مع الحكومة الفيدرالية.. مسلحو الحركة نوعان: أجانب لا خيار لهم سوى مغادرة البلاد، وصوماليون لديهم فرصة، ونحن مستعدون لاستسلامهم في أي وقت.. لا يوجد شيء قابل للمساومة على الطاولة".

وبحسب نائب وزير الدفاع الصومالي، فإن الحسم العسكري هو المصير المحتوم لعناصر حركة الشباب الإرهابية، قائلا: "عليهم إلقاء السلاح والانقياد للدولة والاندماج مجددا مع المجتمع.. وإذا رفضوا ذلك فالحسم العسكري سيصبح أمرا حتميا".


وأشار إلى أنه لم يفصح عن تفاصيل كثيرة حول هجمات حركة الشباب الإرهابية الأخيرة، مؤكدا أنها أمر متوقع بعد الانتصارات الميدانية.

ومضى في حديثه: "نحن في حرب نحقق نجاحات ونتعرض لإخفاقات، نريد من الشعب الصومالي والإعلام العمل على القضاء على التنظيمات المتشددة".


السيناريوهات المتوقعة بعد إجراء الحوار بين الطرفين

ووفقا للمسؤول العسكري الصومالي، فإن رهانات حركة الشباب الإرهابية انحسرت في ثلاثة سيناريوهات، مضيفا: "الحركة تراهن حاليا على هجمات مباغتة، وزرع الألغام، واستهداف المدنيين".

واعتبر المسئول، أنه من الطبيعي وقوع هجمات من قبل حركة الشباب الإرهابية التي تخوض بلاده حربا ضدها لكن المعارك ستستمر.

وشدد على أن نهج الحكومة الصومالية والعزيمة السياسية لإدارة الرئيس حسن شيخ محمود هي القضاء التام على الإرهاب في التراب الصومالي.

ولفت، إلى أن الجيش الصومالي والقوات المحلية مستعدون لتنفيذ سياسة إنهاء الإرهاب، مطالبا بدعم الإعلام.


خطة الحكومة الصومالية للفترة المقبلة

وعن خطة الحكومة الصومالية في الفترة المقبلة، قال قاسم: "نريد تحقيق انتصارات ميدانية باهرة خلال العام الجديد.. والجيش الصومالي على أتم استعداد وجاهزية لهزيمة حركة الشباب واستعاد بالفعل مناطق كثيرة".

ومن قبل، أكد نائب وزير الدفاع الصومالي، عبدالفتاح قاسم محمود،  في تصريحات سابقة، أن الحوار مع حركة الشباب فكرة تقبلها الحكومة الصومالية بشكل عام للحد من الصراع وإراقة الدماء، لكن الرئيس حسن شيخ محمود.

وأضاف، أنه يعتقد بأن هزيمة شوكة الحركة الإرهابية عسكريا يمهد الطريق لذلك، ولا يمكن قبول حوار معها بوضعها العسكري القائم لنأي البلاد عن سيناريو "طالبان-أفغانستان".