رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الدكتور عبد الحفيظ محبوب يكتب: العراق ينتفض بدعم عربي بقيادة سعودية

نشر
الأمصار

وجه ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى انتقادات شديدة لطريقة اللامبالاة التي تعتمدها إدارة الرئيس جو بايدن في العراق، مما مهد الطريق أمام إيران لتكون اليد العليا لحلفائها من المليشيات في بغداد، ولم ترسل للصدر الذي يرغب كسر السيطرة الإيرانية على العراق، ويتحمس لفتح قنوات التواصل مع محيطه العربي وبشكل خاص مع السعودية، لكن ظلت واشنطن متمسكة بالحياد السلبي الذي قد يمكن إيران مجددا من فرصة الانتصار مجددا في العراق، وهي سياسة اختزال، الجميع لا ينسى أن عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله قامت لصالح الحرس الثوري الذي استهدف الأكراد بالطائرات المسيرة، لم تتوقف عند هذا الحد، بل قامت بمحاولة اغتيال رئيس وزراء العراق الكاظمي، ما يعني أن العراق يمر بمرحلة انسداد سياسي، ولم تعد هذه المليشيات تستهدف المصالح والجنود الأمريكيين إلا بإذن صادر من الحرس الثوري.

لكن من يتابع الوضع الجيوسياسي العالمي والإقليمي، فعالميا تتريث الولايات المتحدة تقديم ردها الرسمي على التعديلات التي طلبتها طهران لإحياء الاتفاق النووي، على الرغم من تأكيد مسؤول كبير لرويترز أن طهران تنازلت عن شروط أساسية، وهو ما يجعل واشنطن تترك النفوذ الإيراني في العراق بشكل خاص، لكن الضغوط السعودية والإسرائيلية جعلت الولايات المتحدة تتردد في الرد على طهران، وهو ما يجعل واشنطن تظل متمسكة بالحياد السلبي.
لكن اللقاء الخماسي العربي في العلمين كانت إيران على رأس النقاشات في هذه القمة، ومناقشة الأمن الإقليمي والأوضاع الراهنة بالمنطقة العربية، والتي جعلت الكاظمي يقطع زيارته لمصر والعودة إلى العراق دعا خلالها إلى التهدئة والحوار، حيث يطالب الإطار الصدر بالتراجع عن احتلال المؤسسات، خصوصا بعدما تم إقحام القضاء العراقي في الأزمة السياسية، ما جعله يعلق عمله، وهناك مساع لإقناع السيستاني بالتدخل لاحتواء الأزمة السياسية، خصوصا بعد مغادرة تحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني منطقة الحياد المزعومة ويصطفان مجددا مع التيار الصدري، والمكونان تراجعا عن المشاركة في الحوار الوطني دون حضور التيار الصدري.

المشكلة التي يواجهها العراق وتصب في صالح التيار التنسيقي الولائي التابع لإيران في أن ثورة الصدر لا تلقى تفاعل الشريحة الصامتة في العراق، وهم جزء مهم من العراقيين، الذين يعتبرون أن المعركة التي يخوضها الزعيم الشيعي هي من أجل طموحات سياسية في علاقة برغبته في الاستئثار بالسلطة وموارد الدولة، ويعتبرونها خطوة لا تخلو من أن تكون شعبوية، خصوصا وأنهم يعتبرونه انقلب على احتجاجات تشرين.

ما جعل الصدر يدعو في 27/8/2022 جميع الأحزاب والشخصيات التي اشتركت في العملية السياسية منذ عام 2003 بما فيها التيار الصدري الانسحاب من العملية السياسية خلال 72 ساعة لحل الأزمة الحالية، وهي خطوة اعتبرها وزير الصدر صالح محمد العراقي إن هناك ما هو أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة من أجل بناء عراق جديد.

لكن الحلفاء قبل الخصوم يرون في هذه المطالب غير واقعية فقط لرفع السقف، حيث يشهد العراق منذ الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في أكتوبر 2021 أزمة سياسية جراء خلافات بين زعيم التيار الصدري والإطار التنسيقي الذي يقوده خصمه زعيم ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حول إدارة العملية السياسية، واتخذت الأزمة منعطفا جديدا في يونيو 2022 على إثر إعلان الصدر الانسحاب من العلمية السياسية وتقديم كتلته النيابية البالغ عددها 73 نائبا استقالتها من البرلمان، وفي يوليو أقدم الصدر على خطوة تصعيدية أخرى في حشد أنصاره في الشارع، وطالب المحكمة الاتحادية العليا بحل البرلمان، لكن المحكمة رفضت الابتزاز معلنة تعليق كافة أعماله وأعمال الهيئات القضائية، ما اضطر التيار الصدري إلى الانسحاب.

هناك مخاوف من السيناريو الأسوأ في العراق خصوصا بعد سر قرار الحائري والصدر عندما اقتحم أنصار الصدر للقصر الجمهوري وإعلان حظر التجول في بغداد عقب إعلان زعيم التيار مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي، وتفجر الوضع أكثر بعدما أصدر المرجع الشيعي كاظم الحائري توقفه عن مهامه كمرجع ديني ومطالبته الناس بطاعة المرشد الإيراني علي خامنئ، واعتبر أن الصدر يفرق بين أبناء الشعب العراقي والمذهب باسم الشهيدين الصدرين أو يتصد للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية، لكن جاء رد الصدر في تغريدة على الحائري بقوله يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري أن هذه القيادات جاءت بفضلهم أو بأمرهم كلا إن ذلك بفضل ربي أولا، وتابع الصدر على الرغم من الاستقالة فإن النجف الأشرف هو المقر الأكبر للمرجعية كما هو دوما، وقال إنني لم أدع يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى القيادة.

يبدو أن إيران منزعجة جدا من مقتدى الصدر عندما رد على قااني رئيس الحرس الثوري عند لقائه في أن العراق عربي وليس إيراني، وقال له لن يتبع لكم العراق بل هو عربي وهو بذلك يصرح بعروبة العراق، وقال لقااني لن نقبل بعد اليوم أن تتدخلوا في العراق، وأغلق مدرسته الدينية في قم، ورفض الحوار مع بقية الكتل الولائية، وطالب وزير الصدر الجهات الأمنية أن تأخذ زمام الأمور فورا وإلا فلا هيبة للدولة.

فشلت إيران في اختزال الأزمة مع السعودية في بعدها الدبلوماسي في سياق مساعيها للتملص من أي التزامات، لا سيما في علاقة بضرورة وقف طهران دعمها التنظيمات الإرهابية التي تستهدف الأمن القومي السعودي والعربي بما فيها مليشيات الحوثي والحشد الشعبي في العراق، وعودة سفراء دولتي الإمارات والكويت مجرد اختبار سياسي لطهران.

ترى السعودية أن المفاوضات التي ترعاها بغداد لا ترقى إلى البعد السياسي بعدما انحصرت خلال جولات التفاوض الماضية في الجانب الأمني والاستخباري، ولا زالت إيران تعتمد أسلوب المخاتلة والمناورة وهي ليست في وارد تقديم أي تعهدات ملموسة من شأنها أن تخفف من الهواجس السعودية حيال سياساتها في المنطقة وبشكل خاص نفوذها في العراق من البوابة القضائية الذي أصدر أن تشكيل الصدر حكومته يتطلب تصويت ثلثي البرلمان، ما جعل من المستحيل أن يشكل الصدر حكومته في وجود ثلث معطل على غرار لبنان.