رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

حكومة تونس حائرة بين ضغوط "الإضراب العام" و"النقد الدولي" لحل الأزمة المالية

نشر
الأمصار

بدأ اتّحاد الشغل في تونس، اليوم الخميس، اضرابًا  عامًا في المنشآتِ والمؤسسات العمومية لمدة يوم، ليشمل 159 مؤسسة بعد تعثر المفاوضات مع الحكومة لتحسين الظروف المعيشية للموظفين.

وشارك في الإضراب أكثر من 650 ألف موظف حكومي، مما تسبب في إحداث شللا تاما في القطاعات العامة، في ظل أوضاع اقتصادية ومالية متردية وأزمة سياسية، في خطوة من شأنها زيادة التوّتر في البلاد.

وتوقفت حركة الملاحة الجوية بعدما تمّ إلغاء جميع الرحلات وتأجيلها إلى ما بعد الإضراب، إلى أيّام الجمعة والسبت والأحد، بسبب الإضراب العام، وقالت الشركة إن بإمكان المسافرين في الرحلات المؤجّلة، استرجاع قيمة تذاكرهم أو تغيير الحجز مجانا وعلى مدى أسبوع، في حال عدم توافق توقيت السفرات المؤجلة مع التزاماتهم.

واقتصرت الخدمات في المطارات اليوم على استقبال الرحلات الجوية التي انطلقت من مطارات الانطلاق قبل منتصف ليل الأربعاء الخميس.

كما شل الإضراب حركة النقل البري وتوقفت عمليات الشحن والترصيف في الموانئ، وتعطلّ نشاط جميع المؤسسات الحكومية التي أغلقت أبوابها بالكامل.

 

وأكد اتحاد الشغل نجاح الإضراب في المطارات بنسبة 100%. وقالت وزارة النقل إن حركة النقل العمومي ستشهد اضطرابا على مستوى كافة منشآتها ومؤسساتها الوطنية والجهوية تبعا للإضراب، وأنها اتخذت جميع التدابير اللازمة لتوفير الحد الأدنى من الخدمات.

 

قرض صندوق النقد الدولي 

ويرى مراقبون أن الاضراب يعتبر تحديًا للرئيس قيس سعيد، ردا على إجراءات اقترحتها الحكومة بهدف الخروج من الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد، ورفضها الاتحاد العام التونسي للشغل.

وتضمّنت تلك الإجراءات تجميد الأجور، وخفض الدعم، فيما وصفه اتحاد الشغل بـ "إصلاحات مؤلمة"، وتسعى الحكومة التونسية من وراء هذه الإجراءات إلى تأمين الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي تناهز قيمته أربعة مليارات دولار.

وكانت قد اشترط صندوق النقد الدولي أن تقوم الحكومة التونسية بفرض برنامج إصلاحات اقتصادية وبنيوية يختلف الطرفان على أجزاء عديدة من عناصرها، مؤكدًا على وجود "تحديات بنيوية كبرى" في تونس، في ظل ما اعتبره "اختلالات عميقة في الاقتصاد الكلي، ونمو ضعيف للغاية رغم إمكاناتها القوية، ومعدل بطالة مرتفع للغاية، واستثمار ضعيف للغاية، وتفاوتات اجتماعية".

وطالب صندوق النقد الدولي تونس أيضا بتقليص عجز الميزانية من خلال فرض ضرائب وصفها بالعادلة، و"توجيه أفضل للدعم" والقيام بضبط صارم لفاتورة الأجور، في إشارة إلى توصية التخفيف من كتلة الأجور. ويؤكد حسن القبي أن هذه التوصية صعبة المنال رغم أن كتلة الأجور في تونس تعد من بين الكتل الأكبر في العالم، وبرر موقفه بكون أي خفض لمناصب الشغل سيمس شرائح واسعة من المجتمع التونسي في ظل غياب البدائل "ولا يمكن لأي حكومة أن تفكر في الخفض من كتلة الأجور لأن ذلك قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي في الداخل التونسي".

وأكد صندوق النقد الدولي على ضرورة إدخال إصلاحات عميقة على الشركات العامة لتقليص الاختلالات واستعادة القدرة التنافسية للاقتصاد التونسي، وتشجيع المبادرات التي تهدف إلى تعزيز المنافسة ومناخ الأعمال كوسيلة "أساسية من أجل تحرير إمكانات النمو في البلاد واستحداث الوظائف.

فيما يقول اتحاد الشغل إن مطالبه اجتماعية واقتصادية لا سياسية، ويطالب موظفو القطاع العام التونسي بزيادة أجورهم وسط ارتفاع معدلات التضخم، وذلك تنفيذا لاتفاقات مبرمة مع الحكومة.

أزمة مالية 

تحتاج تونس بشكل ماسّ إلى هذا القرض لتتجنب الإفلاس، فضلًا عن أنه سيساعد في الحصول على قروض أخرى من الخارج، لِما يدلل عليه من جدارة الدولة ائتمانيا.

وكان قد حذّر محافظ البنك المركزي التونسي من وضع صعب قد يشهد انهيار العملة المحلية على غرار ما حدث في لبنان، إذا لم تتمكن تونس من الحصول على الأموال.

وأشارت بيانات معهد الإحصاء الحكومي إلى بلوغ نسبة التضخم في مارس الماضي 7.2 بالمئة، مما يضع الإصلاح المالي والاقتصادي على رأس القضايا العاجلة في البلد.

أزمات سياسية واقتصادية

مرت تونس منذ ثورة 2011 بأزمات سياسية  متواصلة بلغت ذروتها مع جمع الرئيس قيس سعيّد مؤخرا السلطات التنفيذية بين يديه، ما زاد في تأزم الوضع الاقتصادي الذي يشهد انكماشا. وشهدت المؤشرات الاقتصادية تراجعا وتراكمت الأزمات في جلّ القطاعات تقريبا.

وكانت مطالب الثورة التونسية، التي انطلقت في نهاية العام 2010 ضد نظام زيد العابدين بن علي، تتلخص في شعار "شغل وحرية وكرامة وطنية".

لكن البلاد دخلت منعطفا سياسيا جديدا وتبيّن أن التخلص من عبء الفساد الاقتصادي أمر صعب، لا بل بالعكس وظفت الطبقة السياسية التي تولت الحكم منذ ذلك التاريخ جهودها وتركيزها للتناحر على السلطة.

وسعت الحكومات المتعاقبة "لضمان السلم الاجتماعي" عبر توظيف أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل في القطاع الحكومي وتضاعف حجم الموظفين تبعا لذلك ثلاث مرات خلال عشر سنوات ليصل إلى 650 ألفا، وهو "من أعلى المستويات في العالم"، وتشغّل الشركات الحكومية 150 ألفا آخرين، حسب صندوق النقد الدولي.

ولم تتم تنمية المناطق الداخلية المهمّشة ما زاد في غياب التوازن التنموي بين المناطق، وفق ما يقول مسؤول في "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية". 

وفاقمت تداعيات وباء كوفيد-19 في العام 2020 الأزمة وسجل الاقتصاد انكماشا بنسبة 9 بالمائة، واختلت الموازنة العامة للبلاد.

وخلال السنوات الماضية، قدم الاتحاد الأوروبي ودول أخرى مساعدات الى تونس. ويقول المحلل الاقتصادي عز الدين سعيدان إن هذه الجهات "أدركت أنه يجب التدخل عبر ضخ السيولة بشكل مكثف لحماية النسيج الاقتصادي والشركات والتشغيل".

ودفع غلاء المعيشة وفقدان مواطن الشغل الى مزيد من الفقر بين الطبقة الوسطى، ويسعى الآلاف من الشباب التونسيين للهجرة نحو دول أوروبية.

ويمثّل هذا الوضع تحديا كبيرا للرئيس قيس سعيّد الذي يحكم البلاد بأوامر رئاسية وبحكومة بإشرافه، ما دفع بعض الخبراء إلى التحذير من أن الوضع يشبه "الهدوء الذي يسبق العاصفة. تنتظر البلاد فقط شرارة كما كان الأمر في العام 2010".

وفي هذا السياق كشفت نتائج استطلاع اليوم الجمعة، أن نحو 53 بالمئة من التونسيين غير راضين عن سير الأمور في البلاد، وحسب الاستطلاع، الذي تجريه "مؤسسة سيغما كونساي" مع جريدة "المغرب" اليومية والخاص بشهر شباط/فبراير، أن نسبة 68 بالمئة من فئة الشباب (ما بين 15 و25 عاما) ترى أن البلاد تسير في الطريق الخطأ، بينما قال 63 بالمئة من الذين تجاوزوا الستين عاما إنهم  متفائلون.

فيما ينظر العديد من التونسيين باستياء إلى الإضراب، ويحمّل بعضهم الاتحاد العام التونسي للشغل مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي والمالي بالبلاد، بسبب كثرة الإضرابات التي دعا إليها للزيادة في الأجور، والتي تسبّبت في تراجع الإنتاج وتوقف نسبة النمو، والضغط على إمكانيات الدولة المالية.

وترى الحكومة التونسية أن "الإضراب سيكون له تكلفة كبيرة على تونس .. النقابة تطالب بمطالب لا يمكن الوفاء بها .. لا نريد إعطاء وعود كاذبة لاتحاد الشغل".