رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

العراق.. تحديات سياسية ومعضلات أمنية

نشر
الأمصار

يعاني العراق من مشهد سياسي وأمني معقد حيث هناك مجموعة من الإشكاليات التي تقف دون الحيلولة لأي تقدم وتتمثل هذه التحديات في صعوبة الاتصال السياسي بين مكونات الأطراف السياسية العراقية من جهة، عدم الاتفاق على تشكيل الحكومة، رفض فصائل سياسية معينة لانتخاب محمد الحلوبسي رئيسًا للبرلمان العراقي، هذا إلى جانب التدخل الإيراني العميق في الِشأن العراقي، ومن جهة التهديدات أو التديات الأمنية التي تواجه العراق فهى تتمثل في الهجمات المسلحة التي يشنها الموالون لإيران من جهة وعودة تنظيم داعش للقيام بأنشطته الإرهابية مرة أخرى، وذلك تزامنًا مع الهجوم الأشد على سجن “غويران” في سوريا كما في المناطق التي لاطالما تمركز فيها قبل خروجه في عام 2017 وقد عمل التنظيم على استعادة نشاطه، وهذا التنظيم هو أكثر انتشارًا في المنطقة العربية والشرق الأوسط مقارنة ببقية التنظيمات، ومن هذا المنطلق يناقش التقرير  التحديات التي تواجه العراق كالتالي:

هجمات داعش

تنظيم داعش تعود جذوره إلى فرع تنظيم القاعدة “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” والمعروفة أكثر باسم تنظيم القاعدة في العراق وهى التي شكلها أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004 لقتال القوات التي تقودها الولايات المتحدة وحلفائهم العراقيين عقب الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 لكن بعد اضطلاع التنظيم بدور في الحرب الأهلية بسوريا، انشق عن القاعدة. وبات يسيطر على مساحات من العراق وسوريا، وقد بدأ التنظيم القيام بسلسة عمليات خطرة كعملية قتل 11 جنديًا عراقيًا في محافظة ديالى والقيام بهجمات متفرقة على أماكن تمركز الجيش العراقي، وتأتي هذه الهجمات في سياق هزيمة متكررة تتمثل في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ونجاح الصين في التعاون مع طالبان، وقد تكررت الهجمات من حين لآخر أخرها منطقة السحاجي والتي تعرضت لقصف بـ 4 قذائف هاون من قبل عصابات “داعش” الإرهابية دون وقوع خسائر بشرية”.

تزامن في الوقت نفسه استعادة التنظيم لأنشطته في الدول التي تمركز فيها حيث شن مجموعة من الهجمات في ليبيا والتي كان آخرها هجومًا شنه تنظيم “داعش” على دورية أمنية بمنطقة جبل عصيدة تسبب بمصرع 3 عناصر من كتيبة “شهداء أم الأرانب” في جنوب غرب ليبيا، والتي أعرب المجلس الرئاسي عن استنكاره “الهجوم الغاشم الذي شنه تنظيم “داعش”، وكان قد شنّ في وقت لاحق هجومًا على الجيش الليبي جنوبي غرب ليبيا.

وإن سبب هذه الهجمات استغلال “داعش” الأزمات في كل من سوريا والعراق كالانهيار الاقتصادي والتوترات ليضرب من جديد، حيث كان الهجومان من بين الأكثر جرأة منذ أن فقد التنظيم المتطرف في عام 2019، آخر أراض استولى عليها، بعد حرب استمرت سنوات وخلفت الكثير من أراضي العراق وسوريا خرابًا.

تنظيم داعش

معضلة تشكيل الحكومة

لا تزال حالة اللا توافق هى السائدة بشأن ملف تشكيل الحكومة العراقية فرغم انعقاد أولى جلسات البرلمان التي دارت حولها الكثير من علامات الاستفهام إلا أن خطوة تشكيل التيار الصدري الفائز بالأغلبية البرلمانية لم تُحرز بعد وذلك في ظل العديد من اللقاءات بين التيار الصدري و”الإطار التنسيقي” لحل الخلاف بينهما.

لم يتقدم المشهد السياسي العراقي خطوة واحدة إيجابية منذ انتخابات أكتوبر 2021 حيث يزداد الخناق من حين لآخر وتظل المشكلات القائمة كما أن تشكيل الحكومة يسود عليه الغموض حيث قد وصلت الكتل السياسية العراقية إلى طريق مسدود بشأن إجراء الانتخابات.

سيناريوهات محتملة

المشهد العراقي منقسم إلى شقين الأول أزمة سياسية والأخرى أزمة أمنية وبذلك يكون العراق أمام نوعين من السيناريوهات الأول سيناروهات متعلقة بالشأن السياسي والثاني سيناريوهات متعلقة بالشأن الأمني ولكن يرتبطان جميعها ببعض ويمكن توضيح ذلك فيما يلي:

  • السيناريوهات السياسية هناك مجموعة من السيناريوهات التي تتعلق بتشكيل الحكومة العراقية وهى كالتالي:
  • فرص عالية لتشكيل حكومة الأغلبيّة: إن سيطرة التيار الصدري برئاسة مقتدى الصدر يشير إلى فرص عالية له بتشكيل الحكومة التي يرغبها حكومة أغلبية وطنية من منطلق أنّ العراق بحاجةٍ إلى حكومة الأغلبيّة للتناغُم مع التحوّلات التي تشهدها المنطقة والاستعداد لخوض تجارب جديدة لإصلاح القطاع الاقتصادي والأمني والسياسي.

ووقد تمكّن في وقت سابق مِن إبرام تفاهمات مع تحالف “تقدّم” أكبر التحالفات السنية، وكذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث يهدف هذا التحالف إلى الحصول على الرئاسات الثلاث «الجمهورية، والوزراء، والبرلمان» وكان مقتدى الصدر أعلن: ” سيبقى الجميع إخواننا وإن اتّخذوا المعارضة أو المقاطعة ما داموا للإصلاح يسعون ولهيبة العراق يعملون”.

  • سيناريو رد على حكومة توافقية: نظرًا لحالة اللاتوافق السياسي ورفض الإطار التنسيقي حكومة أغلبية وطنية فإنه في حالة تشكيل حكومة توافقية فهذا سيدفع تيار الصدر للذّهاب إلى المعارضة والذي يعد ليس بجديد عليه فقد أجرى ذلك مؤخرًا فهو له تاريخ طويل من المعارضة.
  • سيناريو استمرار الوضع الحالي: وهو عدم إبقاء الحالة السياسية كما هى يبقى العراق دون حكومة وفي هذا السيناريو من شانه سيؤخر خطوة إجراء الانتخابات الرئاسية العراقية.
مقتدى الصدر
  • السيناريوهات الأمنية: الهجمات التي يشنها داعش من شأنها تشكل تهديدًا خطيرًا يتمثل في عدة معضلات وهى:
  • أن يكون العراق معقلًا مرة ثانية لداعش هذا إلى جانب التدخل الإيراني عبر الهجمات المسلحة للموالين لإيران، ومن جانب آخر ليس فقط إيران فهناك أطروحات تتعلق بدور تركي لتمويل داعش مرة ثانية عبر سوريا وبالتالي تقوى شوكته في العراق وليبيا واليمن والصومال والقرن الأفريقي وبالتالي فمن الواضح أن الأوضاع الأمنية في العراق لن تهدأ فر القريب العاجل في ظل استعادة الخلايا النائمة.
  • من المتوقع أن تستمر العمليات الإرهابية للتنظيم لأساب متعددة كعدم وجود استراتيجية واضحة المعالم لمواجهته ونقص المعلومات الاستخباراتية والتي يقابلها معلومات استخبارتية قوية للتنظيم جعلته يستطيع القيام بالهجمات مرة ثانية في سوريا والعراق .
  • هناك تهديد أمني آخر وهو أن التنظيم بدأ ينتهج استراتيجية جديدة قائمة على استخدام الأطفال في الهجوم والدروع البشرية وهو ما يتضح في سوريا وهذا الأمر يعد خطيرًا لأن يكون هناك بث فكر إرهابي في عقول الأطفال ويعكس استمرارية التنظيم لسنوات قادمة.
  • ومن جانب آخر فإن السجون العراقية التي تحتوي على قيادات التنظيم أصبحت في موضع خطر وعرضة لأن يكون هناك مخطط للهجوم عليها كسجن الكرخ فالهجوم على سجن غويران يعطي مؤشرات بأن يكون هناك نية لإخراج جميع قيادات التنظيم.
تهديدات داعش الأمنية

عودة التهديدات الأمنية للعراق عن طريق هجمات داعش في ظل الانسحاب الأمريكي والذي قد ترك فراغًا استراتيجيًا يعيد إلى الأذهاب مخاوف تكرار المشهد الأفغاني حيث سيطرة جماعة طالبان على السلطة في كابول.

  • معضلة أخرى أمنية تتعلق بإخفاق الجيوش الوطنية في مكافحة الإرهاب مع انتشار تكتيكات حرب العصابات التي يستخدمها التنظيم وهذا يؤدي إلى تمديد نفوذ التنظيم خارج العراق وبالتالي إتاحة الفرصة للتنظيمات الإرهابية من أجل تدعيم نفوذها، والتأثير على الدول المحيطة ومنطقة الشرق الأوسط.

خلاصة القول:  الصورة العامة للمشهد السياسي العراقي تشير إلى أن الأوضاع تتجه إلى مؤشرات غير مباشرة فهناك مخاوف لعودة العراق لأن تكون معقلًا لتنظيم داعش الذي هدد أمن الدول العربية على حد سواء، كما أن هناك مقاربة من محاولات الهيمنة كما حدث في أفغانستان أعقاب الانسحاب الأمريكي، وإجمالًا يمكن القول بأن العراق في مأزق متعدد الزوايا حيث التأثيرات السياسية والتهديدات الأمنية والتدخلات الإقليمية وعلى رأسها  التدخل الإيراني والتركي في الشأن العراقي لتحقيق مصالح لهما.