رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

آسيا الوسطى.. ما هى القضايا الأمنية التي تهددها؟

نشر
الأمصار

تتمتع منطقة آسيا الوسطى بأهمية جيوسياسية وجيواستراتيجية كبيرة، كما أن هذه الأهمية ازدادت في الآونة الأخيرة؛ وذلك نتيجة ارتباطها بعدد من عوامل منها التطورات الأمنية التي تشهدها أفغانستان، واستعادة حركة طالبان نفوذها، وانعكاس ذلك على أمن دول آسيا الوسطى، بالإضافة إلى أهمية مواردها الطبيعية، خاصة من االبترول والغاز، علاوة على  صراع النفوذ بين القوى الكبرى، خاصةً الولايات المتحدة وروسيا والصين، وتعمل دول المنطقة على إعادة رسم سياساتها مع العالم الخارجي وعودة دورها التاريخي والإنساني لتعزيز قيم الانتماء إلى العالم الإسلامي.

كما أن هذه الدول تحظى بتقارب ثقافي مع الدول العربية لاشتراك عامل الدين واللغة العربية التي تعرفها شعوب هذه الدول رغم اعتزاز كل دولة بلغتها الخاصة بها؛ ومن هذا المنطلق يناقش التقرير التالي القضايا الأمنية التى تهدد آسيا الوسطي كالتالي:

 

الموقع الجغرافي

وتقع آسيا الوسطى بين الصين وروسيا وأفغانستان وبحر قزوين تتميزبوجود سهوب وجبال ويدين أغلب سكانها بالاسلام وظلت تحت السيطرة الروسية منذ القرن الـ19، وتضم هذه المنطقة حاليًا خمس جمهوريات مستقلة هي قازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمنستان وقرغيزستان.

ورغم الموقع الجغرافي هذا ظلت معزولة عن العالم الخارجي لوقت طويل لكنها حظيت بأهمية دولية بعد هجمات 11 سبتمبر بسبب قربها من أفغانستان.

وأعقاب هذه الهجمات قدمت المنطقة دعمًا للجهود التي تقودها واشنطن في أفغانستان وسمحت ثلاث دول فيها وهي أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان لقوات حلف شمال الأطلسي باستخدام قواعد عسكرية تعود للحقبة السوفيتية لدعم عمليات ضد حركة طالبان في أفغانستان.

 

أهمية أمنية واقتصادية

ولمنطقة آسيا الوسطى أهمية أمنية كما أن استقرارها استقرار مهم في الوقت الحالي لجهود الغرب الرامية الى منع انتشار أعمال التشدد على طريقة طالبان في المنطقة، كما يوجد في المنطقة  أكبر مخزونات النفط والغاز واليورانيوم والذهب في العالم حيث أن قازاخستان هي القوة الاقتصادية الكبرى في المنطقة.

وعلاوة على ذلك يوجد الكثير من مخزون الطاقة في تركمنستان الغنية بالغاز وقازاخستان المنتجة للنفط بأهمية لأوروبا التي تتطلع الى مصادر بديلة للطاقة في منطقة بحر قزوين لتخفيف اعتمادها على الغاز الروسي.

خريطة آسيا الوسطى

قضايا تهدد المنطقة

التهديدات الإرهابية

وتعاني منطقة آسيا الوسطى من تهديدات أمنية كانتشار الجماعات الإرهابية كحركة طالبان في أفغانستان، والحركة الإسلامية الأوزبكية، جماعة الجهاد الإسلامي، وحزب التحرير في أوزباكستان وقيرغيزستان، وداعش والقاعدة، ومع صعود حركة طالبان إلى الحكم في آسيا عقب الخروج الأمريكي، ازدادت المخاوف الدولية على هذا الشأن.

وأعرب نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، عن تخوّفه من ظهور ملاذٍ آمنٍ لنشاط الإرهابيين السري في منطقة آسيا الوسطى، معتبرًا : “الأميركيين خسروا بالتأكيد نتيجةً لما حدث فالجميع ربّما خسر كذلك، باستثناء طالبان”.

مضيفًا: “ما جرى أثار  الخوف لدى الدول المحيطة بأفغانستان، وبات من الصعب الآن توقّع أن تشارك الدول، بما فيها تلك المجاورة لأفغانستان، بجدِّيةٍ في تشكيل نموذجٍ جديدٍ للحوار”.

وهذا الصعود الطالباني دفع روسيا إلى إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع أوزبكستان بالقرب من الحدود مع أفغانستان، إضافة إلى مناورات مماثلة مع طاجيكستان.

كما قال مدير القسم الثالث لبلدان رابطة الدول المستقلة بوزارة الخارجية الروسية، ألكسندر ستيرنيك، “إن نشر القواعد العسكرية الأمريكية يمكن أن يضع دول آسيا الوسطى تحت ضربات انتقامية من قبل طالبان، التي سيكون لديها موارد كافية لاستهداف دول المنطقة”، متابعًا :” ستكون لدى حركة طالبان الموارد الكافية لاستهداف هذه الدول في المنطقة، وهي تهددون طاجيكستان بشكل عام”.

وقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “هناك 2000 مقاتل من تنظيم داعش فى شمال أفغانستان، ويخطط قادتهم للتأثير على دول ومناطق أخرى فى روسيا”.

الإرهاب في آسيا الوطسى

القوى الكبرى والإقليمية

ومنذ  أوائل القرن الـ20 ازدادت أهمية منطقة آسيا الوسطى نتيجة لموقعها الجغرافي ومن ثم أصبحت دول هذه المنطقة في زخم صراعات بين القوى الكبرى والقوى الإقليمية؛ لامتلاك الثروات الاقتصادية وتعزيز الوضع الاقتصادي، ولعل أبرز مثال على القوى المتصارعة هو النزاع بين الصين وروسيا وذلك عبر سعيهما لطرد الولايات المتحدة الأمريكية من قواعدها في قيرغيزستان وكارشي خان أباد في أوزبكستان، وقد نجحا في تحقيق ذلك.

روسيا: في هذا الضوء تحارب روسيا أي وجود اقتصادي في آسيا الوسطى ومثال على ذلك الغضب الروسي من الاستثمارات الإيرانية في طاجيكستان وتداعياتها السلبية على الاستثمارات الروسية.

الصين: على الجانب الصيني تعمل الصين على تقوية علاقاتها الاقتصادية في كل دول آسيا الوسطى وقد رحّبت روسيا بذلك لاعتبارها أن الاستثمارات الصينية توفر بديلًا عن الاستثمارات الأمريكية والأوروبية، وأيضًا تعهدت الصين بمساعدة قيرغيزستان على تخفيف تراكم ديونها وضغطت عليها للموافقة على إنشاء خط سكة حديد يربط الصين بأوزبكستان وهو ما سيكون له دورا فى ربط الصين بالشرق الأوسط وجنوب القوقاز.

ومن السابق نستنتج أن الوجود الروسي الصيني وجود تنافسي ولكنه لم يصل إلى حد الخصومة والصراع فكلاهما يسعى لتحقيق نفوذ ولكن في الوقت ذاته الحفاظ على نمط العلاقات المستقرة بينهما/ كما تعتبر الدولتان انسحاب الولايات المتحدة بمثابة ضربة لقيادة واشنطن العالمية، كما يعملان على تنسيق سياساتهما بشأن .

الولايات المتحدة الأمريكية: تركز الولايات المتحدة بشكل أساسي على التعاون العسكري مع أوزبكستان ودول أخرى في آسيا الوسطى مما أثار انتقادات من جماعات حقوق انسان تتهم الغرب باعطاء الأولوية للمصالح الأمنية على حساب الديمقراطية في المنطقة.

 

تركيا

وتعتبر تركيا دول آسيا الوسطى امتداد لها وذلك لارتباط بأربع دول في هذه المنطقة كازاخستان، تركمانستان، أوزبكستان، قيرغيزستان مع تركيا بعضوية منظمة الدول الناطقة بالتركية، وتغلب المشاركة بين الثقافات مما يدفع تركيا إلى الاتجاه نحو آسيا الوسطى وتأسيس شراكات اقتصادية وثقافية مع هذه الدول.

 

إيران

وتسعى إيران أن تكون بوابة إقليم آسيا الوسطى البحرية إلى العالم الخارجي ولذا أقامت شبكة من الطرق البرية بين دول هذه المنطقة وبين موانيها وخاصة ميناء بندرعباس والتي ترغب إيران في أن يكون مركزها التجاري لدول آسيا.

 

إسرائيل

وترى إسرائيل منطقة آسيا الوسطى من منظور استراتيجي لكونها على تقارب جغرافي مع إيران التي تعد العدو الأكبر والأخطر لها في المنطقة، وتعتبر المنطقة أيضًا ساحة لتحقيق نفوذ سياسي واقتصادي وهو ما نراه في محاولات إسرائيل إقامة علاقات اقتصادية ودليل على ذلك الاستثمارات المتنامية لإسرائيل لدول المنطقة.

 

التقسيمات الحدودية

وتعاني منطقة آسيا الوسطى من تقسيمات حدودية غير عادلة ولا تراعي الأثنيات والعرقيات مما أدى إلى تقسيم الجماعات العرقية الواحدة عبر عدة دول متجاورة وهذا أثار خلافات حدودية، مثال الأوزبك يشكلون نسبة 2.5% من سكان كازخستان.

 

اللاجئين

إن وجود قضية اللاجئين التي تشكل خطرًا سياسيًا واقتصاديًا وعلى التماسك المجتمعي في دول آسيا الوسطى تكون من أخطر المشكلات التي تواجه دول هذه المنطقة حيث تحويل مخيمات اللاجئين إلى ساحة تدريبات عسكرية وتحويلهم لخطر إرهابي ووجود انقسامات داخلية في داغستان وشركيسيا والصراع بين أوسيتيا وإنجوشيا.

 

أمن الخليج العربي

وهناك ترابط قوي بين دول آسيا الوسطى ودول الخليج العربي حيث سعى مجلس التعاون لدول الخليج العربي  على الحفاظ على شراكات اقتصادية لتعزيز أمنه، حيث ازدادت المخاوف الخليجية إثر صعود الجماعات الإرهابية في دول المنطقة حيث أعتبرت الإمارات العربية حركة تركستان الشرقية منظمة إرهابية ومن ثم تكون الدول الخليجية من الدول الأكثر تضررًا  بوجود المنظمات الإرهابية .

وتعمل الدول الخليجية أيضًا على تعزيز التعاون الاقتصادي لتحقيق مصالحها ويزداد التوجه نحو إقامة الشراكات الاقتصادية ومثال على هذا الاجتماعات بين اللجنة السعودية الكازاخستانية للاتفاق على زيادة التبادل التجاري والاسثتمار في قطاعات التعدين، ومؤخرًا ظهر ما يسمى بالتوجه نحو الاقتصاد الإسلامي وتعد الإمارات من الدول التي لها السبق وترغب في أن تكون عاصمة الاقتصاد الإسلامي وأيضًا تسير قطر والبحرين في هذا الطريق من خلال بعض الكيانات المصرفية ذات الطابع الإسلامي مثل مجموعة البركة .

ومن ثم يشير التقارب الآسيوي الوسطي والخليجي إلى دعم جهود مكافحة الإرهاب في ضوء تصاعد التنظيمات المتطرفة في هذه المنطقة.

كما أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور نايف الحجرف: “أهمية تطوير العلاقات بين المجلس ودول آسيا الوسطى والحرص على تنمية مجالات التعاون بين الجانبين لخدمة المصالح المشتركة”.

وخلاصة القول تتميز منطقة آسيا الوسطى بأهمية جيوسياسية مهمة وفي الآونة الأخيرة كانت مشهدًا مؤثرًا لصعود التنظيمات الإرهابية مثال صعود حركة طالبان الحكم في أفغانستان وأثر ذلك على الدول المجاورة حيث أثر هذا الفعل مخاوف البلدان المجاورة والقوى الكبرى ودول الخليج العربي لما له من آثار انتشار الجماعات المسلحة الإرهابية أو ازدياد معدل العنف والقتل في هذه المنطقة.

كما أن تدخلات القوى الكبرى من أكثر القضايا الأكثر تأثيرًا في أمن هذه المنطقة حيث تشعى كل دولة لتحقيق نفوذ لها والاستحواذ الأكبر دون الأخرى كما أن إيران وتركيا دولتان تستغلان التقارب اللغوي والثقافي والديني لتعزيز نفوذ وجعل قدم لهما هناك وبالتالي تحتاج هذه المنطقة إلى استراتيجية بناءة لخلق توازانات القوى في المنطقة وتجنب حدوث ت؟أثيرات أكثر حدة وأثرًا.