على أبواب استحقاق برلماني جديد، تعود "القائمة الوطنية من أجل مصر" إلى الواجهة السياسية كأضخم تحالف انتخابي في المشهد المصري، لتعيد رسم خريطة المنافسة البرلمانية تحت شعار "التنوع في إطار الوحدة".
وبينما يرى أنصارها أنها خطوة ضرورية لضمان تمثيل شامل لكل التيارات والفئات الاجتماعية، يعتبرها منتقدوها نموذجًا لتحالف الضرورة الذي يخدم أهداف اللحظة لا المبدأ، ويعيد إنتاج الأغلبية في ثوب جديد.
في هذا التقرير، ترصد "العين الإخبارية" ملامح التحالف الانتخابي الأبرز، تركيبته الحزبية، أهدافه المعلنة والخفية، ومسارات الجدل حوله داخل المشهد السياسي المصري قبيل انتخابات مجلس النواب 2025.

انطلقت انتخابات مجلس النواب المصري على مرحلتين، الأولى تشمل محافظات الصعيد وغرب الدلتا، والثانية تغطي القاهرة والدلتا ومدن القناة وسيناء، وسط مشاركة مكثفة من المصريين في الداخل والخارج.
يضم البرلمان المقبل 596 مقعدًا، 568 منها بالانتخاب و28 بالتعيين الرئاسي، وفق نظام مختلط يجمع بين "القائمة المغلقة" و"الفردي"، في محاولة لتحقيق توازن بين التمثيل السياسي والمجتمعي.
وتتنافس أربع قوائم رئيسية على 284 مقعدًا بنظام القائمة، وهي:
ورغم هذا التنوع، إلا أن "القائمة الوطنية" تبقى الأكثر نفوذًا وتأثيرًا بحكم شمولها الجغرافي وتركيبتها الواسعة، وهو ما يجعلها اللاعب الرئيسي في الانتخابات القادمة.
تتكون "القائمة الوطنية" من 12 حزبًا سياسيًا تمثل طيفًا واسعًا من التيارات، أبرزها:
اللافت في التحالف أنه جمع أحزابًا من مشارب فكرية متناقضة أحيانًا؛ فهناك من يمثل التيار الليبرالي كـ"الوفد"، وآخرون من اليسار كـ"التجمع"، إضافة إلى أحزاب وسطية وشبابية. هذا التكوين المتعدد يعكس محاولة مقصودة لتقديم نموذج من "التعددية تحت المظلة الواحدة".
النائب مصطفى بكري، أحد أبرز المشاركين في "القائمة الوطنية"، أكد لـ"العين الإخبارية" أن التحالف انتخابي بحت، لا يقوم على برنامج سياسي موحد.
ويقول بكري إن الهدف من القائمة هو تمكين كل الفئات التي نص عليها الدستور من تمثيل عادل داخل البرلمان، بما في ذلك المرأة (25% من المقاعد على الأقل) والشباب والأقباط وذوو الهمم والمصريون في الخارج.
ويضيف"اتفقنا على تشكيل قائمة تُترجم القاعدة الدستورية بشكل عملي، بحيث لا تقتصر على لون سياسي واحد، بل تضم الجميع ضمن صيغة توافقية تراعي التوازن المجتمعي والتمثيل النسبي".
بكري شدد على أن التحالف سينتهي بانتهاء العملية الانتخابية، قائلاً:"نحن أمام تحالف مؤقت، هدفه ضمان تمثيل متوازن، وبعد إعلان النتائج سيكون لكل حزب استقلاله في البرلمان، يعبّر عن فكره وبرنامجه بحرية".

يرى مراقبون أن تشكيل "القائمة الوطنية" جاء كـ"تحالف ضرورة" فرضته اعتبارات واقعية أكثر من كونه خيارًا أيديولوجيًا. فالمشهد السياسي المصري يعيش حالة من إعادة الترتيب بعد عقد من التحولات، وسط حاجة الدولة إلى برلمان مستقر ومتجانس يواكب التحديات الإقليمية والاقتصادية الراهنة.
لكن هذا الواقع لم يمنع بروز انتقادات واسعة، إذ يعتبر بعض السياسيين أن التحالف يسعى إلى ضمان السيطرة على أغلبية البرلمان عبر دمج الأحزاب الصغيرة داخل كيان كبير تديره الأحزاب الموالية للحكومة.
الباحث السياسي عمرو هاشم ربيع قال":"القائمة الوطنية تحالف انتخابي من أجل المشاركة وليس المغالبة، لكن التطبيق العملي أظهر أن أحزاب الموالاة هي المهيمنة بنسبة تتجاوز 80% من المرشحين".
وأضاف أن الفكرة في أصلها "تحاول ترسيخ صورة التعددية السياسية، لكنها في الواقع قد تخلق تماثلًا داخل البرلمان يقلل من حيوية النقاش السياسي الحقيقي".
هو
ينص الدستور المصري على أن يكون نظام الانتخابات مزيجًا بين الفردي والقائمة، مع تخصيص نسب محددة لفئات معينة لضمان التمثيل المتوازن.
القائمة المغلقة المطلقة التي تتبناها مصر حاليًا، تضمن فوز القائمة كاملة دون توزيع نسبي للمقاعد، ما يجعل التحالفات الكبيرة شرطًا أساسيًا للنجاح.
ومن هذا المنطلق، كان تأسيس "القائمة الوطنية" ضرورة قانونية وسياسية في آنٍ واحد، إذ لا يمكن لأي حزب بمفرده حصد أغلبية الدوائر دون دعم من آخرين.
ويرى خبراء أن النظام الانتخابي الحالي يشجع على تكوين التحالفات المرحلية، لكنه في الوقت ذاته يضعف الأحزاب الصغيرة التي تضطر للانضواء تحت مظلة أكبر كي تضمن البقاء.

من أبرز ملامح "القائمة الوطنية" تخصيص نسبة كبيرة من المقاعد للنساء والشباب.
فمن أصل 284 مقعدًا مخصصة للقوائم، تُمثل النساء بما لا يقل عن الربع، إضافة إلى تمثيل لافت لذوي الهمم والفئات المهنية.
ويؤكد بكري أن هذا الالتزام جاء تنفيذًا مباشرًا لنصوص الدستور وليس مجرد شكل رمزي، مشيرًا إلى أن كثيرًا من المرشحات هن من الكفاءات السياسية والإدارية الشابة التي برزت في العمل العام خلال السنوات الأخيرة.
كما ضمت القائمة عددًا من خريجي "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، وهو كيان وطني يهدف إلى دمج الشباب في الحياة العامة وتدريبهم على العمل التشريعي.
تحليل تركيبة "القائمة الوطنية" يكشف أن حزب مستقبل وطن يظل القوة المهيمنة داخل التحالف، إذ يمتلك أكبر عدد من المقاعد المرشحة، تليه أحزاب "الوفد" و"حماة الوطن" و"المؤتمر".
لكن إدماج أحزاب المعارضة، وإن بنسب محدودة، أعطى القائمة بعدًا سياسيًا رمزيًا يهدف إلى تعزيز صورة المشاركة الوطنية، وتخفيف الانتقادات المتعلقة بانفراد تيار واحد بالمشهد التشريعي.
بعض المحللين يرون أن هذه الصيغة تمثل محاولة لإعادة إنتاج التجربة التوافقية التي عرفتها مصر في مراحل انتقالية سابقة، لكنها هذه المرة جاءت في ظروف أكثر استقرارًا سياسيًا وأشد تحديًا اقتصاديًا.
رغم تأكيد المشاركين في "القائمة الوطنية" على أن التحالف سينتهي بانتهاء الانتخابات، إلا أن التساؤلات تبقى مطروحة حول مستقبل العلاقة بين الأحزاب المنضوية تحتها داخل البرلمان.
هل يمكن أن تتشكل كتلة برلمانية موحدة تحت نفس المسمى؟ أم أن كل حزب سيستعيد استقلاله فور دخول المجلس؟
مصادر برلمانية ترجّح أن التعاون سيستمر داخل البرلمان في القضايا الكبرى، مثل التشريعات الاقتصادية أو الإصلاح الإداري، لكن من المتوقع أن تنشأ تباينات في المواقف حول القوانين الخلافية أو الملفات ذات الطابع الاجتماعي والسياسي.
من وجهة نظر مؤسسات الدولة، فإن "القائمة الوطنية" تضمن استقرار العملية الانتخابية، وتمنع تفتيت الأصوات وتكرار الصراعات الحزبية التي عطلت التجربة السياسية في الماضي.
لكن المعارضة ترى أن هذا الاستقرار قد يكون على حساب التنوع الحقيقي في البرلمان، معتبرة أن التمثيل الرمزي للتيارات المختلفة لا يكفي لبناء حياة سياسية حقيقية ما لم يصاحبه تنافس حقيقي داخل قبة المجلس.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن التحالف قد منح الحياة الحزبية المصرية جرعة جديدة من التنظيم، وأعاد إلى الواجهة أسماءً كانت قد ابتعدت عن المشهد، وأتاح فرصًا لشباب السياسة عبر التنسيقية.
في النهاية، يمكن القول إن "القائمة الوطنية من أجل مصر" تمثل تحالف الضرورة الوطنية في لحظة سياسية فارقة، تسعى فيها الدولة إلى تحقيق معادلة دقيقة بين "التمثيل المتوازن" و"الاستقرار السياسي".
قد لا يكون هذا التحالف نموذجًا للتعددية الكاملة، لكنه يعكس تحولًا تدريجيًا نحو برلمان أكثر شمولًا للفئات المجتمعية، حتى وإن بقيت الهيمنة للحزب الأقوى.