يشهد ملف سد النهضة خلال الفترة الأخيرة تطورات متلاحقة توضح تعقيدات المشهد المائي في حوض النيل، وذلك في ظل التداعيات الكارثية للفيضانات التي اجتاحت السودان مؤخرًا، والتي أعادت فتح باب النقاش مجددًا حول مستقبل السد وتأثيراته المباشرة على دولتي المصب، مصر والسودان.
فالجدل الدائر لم يعد مقتصرًا على آليات الملء والتشغيل فحسب، بل امتد ليشمل التداعيات الإنسانية والاقتصادية والأمنية.
أطلقت وزارة الزراعة والري السودانية، إنذارا أحمر، هو الثاني خلال 72 ساعة، لـ6 ولايات من فيضانات خطيرة على امتداد الشريط النيلي نتيجة زيادة الوارد من النيلين الأزرق والأبيض، لم يعتد السودانيون عليها في نهاية سبتمبر/أيلول.
ووجهت وحدة الإنذار المبكر في إدارة شؤون مياه النيل بالوزارة "إنذار خطورة عالية جدا باتخاذ التدابير القصوى لولايات النيل الأزرق وسنار والجزيرة والخرطوم ونهر النيل والنيل الأبيض".
وأشارت إلى أنه يشمل الفترة من صباح الاثنين وحتى مساء الأربعاء، ودعت إلى تجنب الأماكن المنخفضة والوديان والطرق التي يمكن أن تغمرها المياه.
ويشهد السودان عادة أمطارا غزيرة تسبب سيولا وفيضانات بين شهري مايو/أيار وأغسطس/آب من كل عام، مما يلحق الأضرار بالبنى التحتية والمحاصيل ويشرّد عائلات بكاملها، بينما ترتفع مناسيب نهر النيل وتبلغ ذروتها في أغسطس/آب وحتى منتصف سبتمبر/أيلول.
ولم تقتصر الفيضانات على المناطق الواقعة على النيل الأزرق فقط، بل شهدت مناطق في جنوب الخرطوم فيضانات ايضا بسبب ارتفاع مناسيب النيل الأبيض الذي يأتي من بحيرة فكتوريا في أوغندا.
وقال سكان في منطقة "الكلاكلة" إن المياه غمرت عددا من البيوت هناك.
وجددت موجة الفيضانات الحالية الجدل بشأن التأثيرات المحتملة لسد النهضة الأثيوبي الواقع على على النيل الأزرق على بعد 15 كيلومترا من الحدود السودانية والذي افتتح رسميا في 9 سبتمبر.
ويحتجز سد النهضة الذي تبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب، المياه القادمة من الهضبة الإثيوبية خلال فترة الفيضان الممتدة من يوليو إلى أكتوبر.
وأثار احتجاز المياه في منطقة السد خلال أشهر الفيضانات الثلاث الماضية وتدفق كميات كبيرة من المياه تصل الى 750 مليون متر مكعب عبر بوابات التصريف، مخاوف من تأثيرات محتملة على السودان، خصوصا في ظل تراجع القدرة التخزينية لسدي الروصيرص وسنار السودانيان الواقعان على النيل الأزرق الى اقل من 300 مليون متر مكعب.
لكن البعض يرى أن الفيضانات الحالية هي تكرار لموجات مشابهة حدثت خلال السنوات الماضية التي سبقت بدء تشغيل السد، مشيرين إلى أنها تشمل مناطق في النيل الأبيض وليست لها علاقة مباشرة مع النيل الأزرق المنحدر من منطقة السد.
وافتتحت إثيوبيا في 9 سبتمبر/أيلول الجاري رسميا أكبر سد كهرومائي في أفريقيا وهو مشروع من شأنه تزويد ملايين الإثيوبيين بالطاقة الكهربائية.
من جانبه، اعتبر وزير الري المصري هاني سويلم أن ما يحدث في السودان دليل على المخاطر التي يشكلها "سد النهضة"، مؤكداً أن مصر لن تسمح بأي أعمال أحادية تهدد حقوقها المائية.
وأضاف أن بلاده تمتلك "سيناريوهات جاهزة" للتعامل مع الأزمة.
وشدد سويلم على أن السد غير قانوني ولن يكتسب شرعية إلا عبر اتفاق ملزم يحمي مصالح دولتي المصب.
وأوضح أن مصر تملك القوة والحق وفق القوانين الدولية لاتخاذ إجراءات إذا لزم الأمر.
ويرى خبراء مصريون أن فيضانات السودان مرتبطة مباشرة بتصريف كميات ضخمة من المياه من سد النهضة، في ظل تعثر تشغيل التوربينات، وهو ما أجبر إثيوبيا على فتح بوابات السد بشكل واسع.