تدخل فرنسا مرحلة سياسية دقيقة بعد سقوط حكومة غابرييل أتال، حيث تتصاعد المخاوف من شلل جديد في إدارة البلاد وسط انقسامات حادة بين القوى السياسية.
الأزمة الراهنة أعادت إلى الواجهة الجدل حول آليات تشكيل الحكومة، بينما يسعى حزب النهضة إلى فتح قنوات للحوار وتجنب أزمة سياسية ثالثة خلال عام واحد.
حزب النهضة، عبر رئيسه جابرييل أتال، طرح فكرة تعيين شخصية وطنية تتولى دور الوسيط بين القوى السياسية المختلفة بهدف التوصل إلى توافق قبل اختيار رئيس وزراء جديد.
غير أن المؤشرات تفيد بأن الرئيس إيمانويل ماكرون يفضل تعيين رئيس حكومة بشكل مباشر وسريع دون وساطة، تجنبًا لانفجار اجتماعي محتمل.
المراقبون يرون أن الخيار الأقرب لماكرون هو اختيار شخصية توافقية من الوسط أو من دائرته المقربة، قادرة على التفاوض مع جميع الأطراف، بما في ذلك اليسار، لتجنب تصويت بحجب الثقة مرة أخرى. ويبرز في هذا السياق اسم وزير المالية برونو لومير، المعروف بمرونته وانفتاحه على الحوار مع المعارضة. ومع ذلك، يظل الانقسام سيد الموقف، حيث ترفض بعض القوى اليمينية أي مرشح من اليسار، في حين يصر اليسار على تمثيل مباشر في الحكومة المقبلة.
في خضم هذه الأزمة، شدد حزب النهضة على ضرورة تقديم تنازلات "واقعية" تراعي مطالب الشارع الفرنسي، وليس فقط توازنات البرلمان. وأعلن الحزب استعداده لمراجعة بعض بنود خطة التقشف، خصوصًا ما يتعلق بالعطل الرسمية والسياسات الاجتماعية، لكنه أكد أن نظام التقاعد لن يكون مطروحًا للنقاش في المرحلة الحالية.
الأزمة السياسية تتزامن مع تصاعد الاحتقان الشعبي، حيث تستعد الحكومة ليوم احتجاجي واسع غدًا تحت شعار "لنغلق كل شيء".
المخاوف من انفلات أمني دفعت وزارة الداخلية إلى إعلان نشر 80 ألف عنصر أمن في عموم البلاد تحسبًا لأي أعمال شغب قد ترافق المظاهرات.
تشهد فرنسا، اليوم الأربعاء، يوماً استثنائياً من التعبئة الشعبية بعد أن دعت حركة "لنغلق كل شيء" إلى تنظيم مظاهرات حاشدة في مختلف المدن، رفضاً لإجراءات التقشف التي أعلنتها الحكومة ضمن مشروع موازنة 2026.
وتأتي هذه الاحتجاجات في أعقاب إعلان رئيس الوزراء السابق فرانسوا بايرو عن خطة لخفض النفقات العامة بمقدار 43.8 مليار يورو، بدلاً من 40 مليار يورو كما كان مقرراً في وقت سابق. وتشمل الخطة تجميد المعاشات التقاعدية والمدفوعات الاجتماعية، وعدم زيادة موازنات الوزارات باستثناء وزارة الدفاع التي ستحصل على 3.5 مليار يورو إضافية، وهو ما أثار غضباً واسعاً في الأوساط الاجتماعية والسياسية.
حركة "لنغلق كل شيء"، التي بدأت الدعوة لهذه المظاهرات منذ يوليو الماضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكدت أن تحركاتها ستشمل مختلف القطاعات الحيوية، حيث يتوقع خروج عمال المصانع، وموظفي النقل، والعاملين في قطاع الصحة، إضافة إلى المزارعين والطلبة. ويرجح أن تمتد الاحتجاجات إلى محاصرة القواعد النفطية، والمراكز اللوجستية، والجامعات، والمطارات، وحتى شبكة السكك الحديدية، في محاولة لإحداث شلل جزئي في البلاد.