رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

بعد إضراب مدينة عقارب.. المشهد التونسي يتعقد والأزمات تتلاحق

نشر
تونس
تونس

تشهد مدينة عقارب التابعة لصفاقس (وسط تونس) شللا، اليوم الأربعاء، بسبب الإضراب العام في القطاعين العام والخاص، وقد أغلق المحتجون مداخل المدينة كافة.

الإضراب العام في قطاعات مدينة عقارب

عقارب

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل، قد أعلن إضراباً عاماً في المدينة، اليوم، فيما فتحت السلطات الرسمية في تونس تحقيقاً، وذلك على خلفية وفاة شاب في احتجاجات على قرار لوزارة البيئة في مدينة عقارب.

وذكر الاتحاد أن شابا توفي إثر إصابته بشكل مباشر بعبوة للغاز المسيل للدموع الذي أطلقته الشرطة بشكل مكثف لتفريق المحتجين.

وصرح الإعلام المحلي، اليوم الأربعاء عن مصدر أمني، أن القوات الامنية، اعتقلت 5 أشخاص بمدينة عقارب.

ويأتي قرار المنظمة النقابية رداً على التدخل الأمني في المدينة خلال الاحتجاجات التي بدأت ليل الاثنين الماضي، مع قرار السلطات إعادة فتح مكب للنفايات.

وبحسب ما أظهرته مقاطع مصورة على منصات التواصل الاجتماعي، قام محتجون أمس الثلاثاء بإشعال العجلات المطاطية وحرق مركز للامن بالجهة.

وقد وصلت وحدات من الجيش أمس الثلاثاء، إلى معتمدية عقارب لحماية وتأمين المؤسسات العمومية بعد انسحاب الأمن، في ظل تجدد الاشتباكات وعمليات الكر والفر بين وحدات الأمن والمحتجين في محيط مكب النفايات.

أسباب التظاهرات

تشهد محاكم صفاقس اليوم جلسة قضائية للنظر في أسباب تراكم النفايات بالمدينة، رفعتها منظمات مدنية، ضد المتسببين في تدهور الأوضاع البيئية بالجهة، بسبب النفايات.

وكانت قد شهدت مدينة صفاقس الصناعية، في وسط شرق تونس تراكم النفايات و انتشار الروائح الكريهة في شوارعها منذ أسابيع، وأطلق سكان ومنظمات غير حكومية؛ صرخة إنذار في مواجهة الأزمة التي تعكس في رأيهم الإدارة الفاشلة للنفايات في البلاد.

مكب للنفايات

وانتشر الذباب الذي يغطيها في مناطق مختلفة من صفاقس منذ أكثر من 40 يوما، حتى أن الأكوام باتت ملحوظة قرب المستشفيات والمتاجر والمدارس وتتراكم أكياس القمامة برائحتها الكريهة.

وأشار حمدي الشبعان الخبير في تثمين النفايات وعضو الائتلاف المدني “تونس الخضراء” إلى أنه منذ إغلاق مكب النفايات الرئيسي في منطقة عقارب بصفاقس نهاية سبتمبر “ترفض البلديات جمع النفايات حتى تجد الدولة الحلول”، مضيفا أن النتيجة هي أن “هذه المنطقة تشهد حاليا وضعا بيئيا كارثيا”.

كما تم إغلاق مطمر النفايات في عقارب بعد احتجاجات على إلقاء نفايات كيميائية في الموقع المخصص للنفايات المنزلية.

وعلى غرار ذلك، قامت المدينة بعدة احتجاجات ومظاهرات على قرار وزارة البيئة، وتجددت المواجهات بين قوات الشرطة ومحتجين في بلدة عقارب من محافظة صفاقس جنوب البلاد، أمس الثلاثاء، على خلفية قرار السلطات إعادة فتح مكب للنفايات بالمنطقة، لحل أزمة تراكم القمامة في المحافظة.

وعاد محتجون رافضون لإعادة فتح مكب النفايات، إلى الخروج في مظاهرات، نددوا من خلالها بقرار السلطات استئناف نشاط المكب، وذلك بعد ليلة ساخنة من المواجهات بينهم وبين قوات الأمن.

واندلعت مناوشات جديدة بين الطرفين، استخدم فيها المتظاهرون الغاضبون الذين قاموا بغلق الطرقات أمام شاحنات النفايات الحجارة، بينما استعملت الشرطة القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، قبل أن تنسحب.

الأزمة السياسية

ولم تكن أزمة النفايات أو التظاهرات الحالية هي أكبر أزمات تونس، ولكن تواجه تونس أزمة سياسية جارية بين الرئيس قيس سعيد ومجلس نواب الشعب، والتي انفجرت في 25 يوليو 2021، بعد إعلان الرئيس التونسي إقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان.

جاءت قرارات الرئيس بعد سلسلة من الاحتجاجات ضد حركة “النهضة” والصعوبات الاقتصادية والارتفاع الكبير في حالات فيروس “كورونا” في تونس الذي أدى إلى تهاوي المنظومة الصحية التونسية.

قال رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، إن تصرفات الرئيس اعتداء على الديمقراطية ودعا أنصاره إلى النزول إلى الشوارع لمعارضتها. واندلعت احتجاجات في تونس مؤيدة ومعارضة لقرارات الرئيس قيس سعيد.

الرئيس التونسي

وعلى غرار ذلك، أصدر الرئيس قيس سعيد قرارًا بحظر التجول لمدة شهر ابتداءً من 26 يوليو، من الساعة السابعة مساء إلى السادسة صباحًا.

وبعد انتهاء مدة الـ30 يومًا أصدر سعيد في 24 أغسطس 2021 قرارًا بتمديد فترة «التدابير الاستثنائية» التي أعلنها منذ شهر «إلى غاية إشعار آخر».

استند الرئيس التونسي قيس سعيد، في 25 يوليو 2021، إلى الفصل 80 من الدستور التونسي، مُعلنًا في خطاب بثه التلفزيون الحكومي إنهاء مهام رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد عمل مجلس نواب الشعب، ورفع الحصانة عن نوابه، عقب ترؤسه اجتماعا طارئا جمع قيادات عسكرية وأمنية بقصر قرطاج.

وينص الفصل 80 من الدستور التونسي على:
«لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب. ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة.

وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة. وبعد مضيّ ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما. ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب». ((الفصل 80، دستور تونس 2014)).

بداية الأزمة:

قام رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في 15 يوليو 2020 بتقديم إستقالته بناءً على طلب رئيس الجمهورية (الذي يسمح للأخير باختيار خليفته)، بعد تقديم 105 نائبا لمقترع بتوجيه اللوم، بمبادرة من أعضاء حركة النهضة، الذين سحبوا ثقتهم في اليوم السابق.

تونس
تونس

حاول الفخفاخ استبدال الوزراء المنتمين لحركة النهضة. علاوة على ذلك، بينما يسمح الدستور لرئيس الحكومة بإجراء تعديل وزاري، فإن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب يتطلب تصويتًا بالثقة لأعضاء الحكومة الجدد.

ولكن الفخفاخ، استبدل في غياب محكمة دستورية، وهناك خلاف بشأن ما إذا كان ينبغي تعيين رئيس الحكومة المقبل من قبل حزب الأغلبية أو من قبل رئيس الجمهورية

في يناير 2021، أعلن هشام المشيشي عن تعديل وزاري شمل 11 حقيبة وزارية وتغييرًا في العديد من الوظائف الحكومية. الوزراء الجدد ينالون ثقة مجلس نواب الشعب، لكن الرئيس قيس سعيد يرفض استقبالهم لأداء القسم مشبوهًا بوجود شبهات فساد تتعلق بالوزراء وعدم الالتزام بالدستور فيما يتعلق بمداولات مجلس الوزراء على التعديل الوزاري.

في أبريل 2021، رفض قيس سعيد إصدار قانون أساسي يتعلق بإنشاء محكمة دستورية، بحجة أنه تم تجاوز المواعيد النهائية، كما رفض أي تعديل دستوري يتعلق بهذا الموضوع بحجة أنه لا يمكن تعديل القانون الأساسي دون موافقة المحكمة الدستورية ودعى إلى اعتماد نص جديد يؤسس لنظام رئاسي وديمقراطية مباشرة للبرلمان، أو العودة إلى الدستور التونسي لعام 1959.

احتجاجات 25 يوليو وبداية الأزمة

بعد أن أقال الرئيس التونسي قيس سعيد رئيس الحكومة هشام المشيشي في 25 يوليو 2021، وعلّق أنشطة مجلس نواب الشعب من خلال التذرع بصلاحيات الطوارئ المنصوص عليها في الفصل 80 من الدستور التونسي.

جاءت قرارات الرئيس ردًا على سلسلة من الاحتجاجات ضد حركة النهضة والصعوبات الاقتصادية والارتفاع المفاجئ في حالات الإصابة بفيروس كورونا في تونس. قال رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي إن تصرفات الرئيس اعتداء على الديمقراطية ودعا أنصاره إلى النزول إلى الشوارع في المعارضة. ثم اندلعت احتجاجات في تونس مؤيدة وأخرى معارضة لقرارات الرئيس، في حين أعربت القوات المسلحة التونسية عن دعمها لقرارات الرئيس.

في 26 يوليو، أقال سعيد وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالوكالة حسناء بن سليمان. قال المشيشي إنه سيسلم السلطة لمن يختاره الرئيس في خطوة من شأنها تخفيف الأزمة. قال إنه “سيخدم تونس من أي مكان”. كما أعلن سعيد حظر تجول لمدة شهر من 26 يوليو إلى 27 أغسطس 2021.

في 30 يوليو، اعتُقل ياسين العياري عضو البرلمان والمنتقد المعروف للرئيس سعيد، من منزله من قبل رجال الأمن، والذي ٱخلي سبيله فيما بعد، كما اعتقل عضو البرلمان ماهر زيد.

وفي 24 أغسطس، بعد انتهاء مدة الـ30 يوما أصدر سعيد قرارًا بتمديد فترة التدابير الاستثنائية التي أعلنها منذ شهر إلى غاية إشعار آخر.

في 22 سبتمبر 2021، أصدر الرئيس قيس سعيّد أمرا رئاسيا يتعلق بتدابير استثنائية جديدة اعتبرت “إلغاءً لدستور 2014” منها :

  • مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه.
  • مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.
  • تولي رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بـ”الإصلاحات السياسية” بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي.
  • يتم إصدار النصوص ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، وذلك بعد مداولة مجلس الوزراء: (تولي الرئيس ممارسة السلطة التشريعية إلى جانب التنفيذية).

 

ردود الفعل المحلية والعالمية المؤيدة والمعارضة لقرارات الرئيس قيس:

بالنسبة لردود الفعل المحلية: في الشارع التونسي، انتشرت مظاهرات مساندة لقرارات الرئيس يوم 3 أكتوبر 2021 في شارع الحبيب بورقيبة.

بالنسبة للأحزاب السياسية: دعت عدة أحزاب معارضة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية كحل سياسي وحيد للاضطرابات المستمرة.

ردود الفعل العالمية

فرنسا

أصدرت وزارة الخارجية إعلانًا في 26 يوليو 2021 تشير إلى أن فرنسا ترغب في احترام سيادة القانون والعودة، في أقرب وقت ممكن، إلى العمل الطبيعي للمؤسسات. تناشد فرنسا جميع القوى السياسية للحفاظ على التقدم الديمقراطي المكتسب.

ألمانيا: أصدرت ماريا أديبهر، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، بيانًا قالت فيه “لقد ترسخت الديمقراطية في تونس منذ عام 2011″، لكن ألمانيا كانت “قلقة للغاية”، مضيفة “لا نريد التحدث عن انقلاب”، وأنه “من المهم العودة إلى النظام الدستوري في أسرع وقت ممكن”.

الكويت

قال وزير الخارجية أحمد ناصر المحمد الصباح إنه تحدث مع وزير الخارجية التونسي بشأن التطورات الأخيرة.

قطر

نقلت وكالة الأنباء القطرية عن بيان لوزارة الخارجية: «تأمل قطر أن تتبنى الأطراف التونسية طريق الحوار لتجاوز الأزمة».

روسيا

قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن روسيا تراقب التطورات، وإننا نأمل ألا يهدد أي شيء استقرار وأمن شعب ذلك البلد.

السعودية

صرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أنه حادث وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي ووضح «حرص المملكة على أمن واستقرار وازدهار الجمهورية التونسية الشقيقة ودعم كل ما من شأنه تحقيق ذلك».

إسبانيا

أصدرت وزارة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون بيانا أعلنت أنها تتابع بقلق التطورات الأخيرة في تونس ودعت إلى “الهدوء والاستقرار” ودعت إلى العمل المنتظم للمؤسسات مع الاحترام اللازم في دولة القانون والحريات والحقوق السياسية.

تركيا

قالت وزارة الخارجية التركية إنها تشعر بقلق بالغ،«وأن الحفاظ على الإنجازات الديمقراطية لتونس، التي تعد قصة نجاح من حيث العملية الديمقراطية التي تتم بما يتماشى مع تطلعات شعوب المنطقة، يكتسي أهمية كبيرة للمنطقة وكذلك لتونس» وأصدر الناطق باسم الرئيس رجب طيب أردوغان، إبراهيم كالين، رسالة على تويتر: «نرفض تعليق العملية الديمقراطية وتجاهل إرادة الشعب الديمقراطية في تونس الشقيقة والصديقة. ندين المبادرات التي تفتقر إلى الشرعية الدستورية والتأييد الشعبي. نعتقد أن الديمقراطية التونسية ستخرج أقوى من هذه العملية».

الولايات المتحدة

قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، جينيفر بساكي، إن الولايات المتحدة “قلقة” بشأن التطورات، مشيرا إلى “أننا على اتصال على مستوى رفيع من كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية مع القادة التونسيين لمعرفة المزيد عن الوضع. نحث على الهدوء وندعم الجهود التونسية للمضي قدما بما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية.

وأضاف: “لقد حدثت الكثير من التطورات حتى خلال الـ 24 ساعة الماضية. سوف نتطلع إلى وزارة الخارجية لإجراء تحليل قانوني قبل اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان إنه انقلاب “.

قال وليام لورانس من الجامعة الأمريكية إنه لا توجد أيضًا طريقة لمراجعة دستورية تصرفات الرئيس، حيث أن المحكمة الدستورية التي يتطلبها دستور 2014 لم يتم إنشاؤها بعد وسط عدم وجود توافق في الآراء بين مختلف مستويات الحكومة.