وسط توقعات بتكرار الأزمة.. في مثل هذا اليوم عام 1929 انهارت سوق الأسهم الأميركية وبدأ ما سمي ب”الكساد الكبير”
في مثل هذا اليوم من عام 1929، انهارت سوق الأسهم الأميركية، وبدأ ما سمي ب”الكساد الكبير”.
ومن المحتمل أن يتكرر سيناريو الكساد خصوصا بعد حادثة عطل فيسبوك وتغير الإسم إلى “ميتا”، وحالة التخبط في موضوع العملات الرقمية .
ميلاد الكساد الكبير
ويعد الكساد الكبير هو أزمة اقتصادية حدثت في عام 1929م ومروراً بعقد الثلاثينيات وبداية عقد الأربعينيات، وتعتبر أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، وقد بدأت الأزمة بأمريكا ويقول المؤرخون أنها بدأت مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر 1929 والمسمى بالثلاثاء الأسود.
تشير بعض التقديرات إلى استمرار الكساد لمدة 10 سنوات، لكن مؤرخين واقتصاديين يعتقدون أن آثاره السيئة استمرت أطول من ذلك ولم تتلاش بشكل كامل حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وتحديدًا في عام 1946.
على أي حال، كانت البداية في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1929، عندما باع المتداولون 12.9 مليون سهم في يوم واحد، وهو ثلاثة أضعاف الحجم المعتاد في “وول ستريت”، وعلى مدى الأربعة أيام التالية، تراجعت أسعار الأسهم بنسبة 23% خلال ما عرف بانهيار البورصة الأمريكية آنذاك، بحسب موقع “ذا بالانس”.
طالت آثار الكساد الكبير جميع جوانب المجتمع في الولايات المتحدة، وبحلول عام 1933 قفزت البطالة من 3.2% إلى قرابة 25% من القوى العاملة بالبلاد، وانخفضت الأجور بنسبة 42%، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 55 مليار دولار من 103 مليارات، وكان ذلك نتيجة طبيعية للانكماش، الذي دفع الأسعار للهبوط بنسبة 10% سنويًا.
تأثير الكساد الكبير
وكان تأثير الأزمة مدمراً على كل الدول تقريباً الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين، كما أنخفض متوسط الدخل الفردي وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح.
أكثر المتأثرين بالأزمة هي المدن وخاصة المعتمدة على الصناعات الثقيلة كما توقفت أعمال البناء تقريباً في معظم الدول، كما تأثر المزارعون بهبوط أسعار المحاصيل بحوالي 60% من قيمتها.
ولقد كانت المناطق المعتمدة على قطاع الصناعات الأساسية كالزراعة والتعدين وقطع الأشجار هي الأكثر تضرراً وذلك لنقص الطلب على المواد الأولية بالإضافة إلى عدم وجود فرص عمل بديلة، وأدت إلى توقف المصانع عن الإنتاج, وتشردت عائلات بكاملها وصارت تنام في أكواخ من الكرتون وتبحث عن قوتها في مخازن الأوساخ والقمامة، وقد سجلت دائرة الصحة في نيويورك أن أكثر من خُمس عدد الأطفال يعاني من سوء التغذية.
وكانت أمريكا قد بدأت بازدهار اقتصادي في عقد العشرينات ثم ركود أعقبه الانهيار الكبير عام 1929م، ومن ثم عودة الكساد عام 1932م. وبعد انهيار مصفق وول ستريت كان مايزال التفاؤل سائداً وقال رجل الصناعة الشهير جون روكفيلير:«خلال هذه الأيام يوجد الكثير من المتشائمين ولكن خلال حياتي التي امتدت لثلاثة وتسعين عاماً كانت الأزمات تأتي وتذهب ولكن يجب أن يأتي الازدهار بعدها دائماً».
أسباب الكساد الكبير
كانت البنوك الأمريكية سببًا في اندلاع أزمة الرهن العقاري التي أشعلت نيران أزمة مالية على نطاق أكبر وجدت سبيلها إلى باقي أنحاء العالم، كان الاحتياطي الفيدرالي سببًا في وقوع أكبر كارثة اقتصادية في القرن العشرين والمعروفة باسم الكساد الكبير أو الكساد العظيم والتي اندلعت عام 1929 ولم يتلاش أثرها تمامًا حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في الواقع كانت أزمة 2008 والمعروفة أيضًا باسم “الركود الكبير” تيمنًا بـ”الكساد الكبير” أخف وطأة على الصعيدين الأمريكي والعالمي، وهنا يجدر التفريق بين الركود والكساد، فالأول هو انكماش الاقتصاد على مدى أشهر متتالية، والثاني يعكس تدهورًا اقتصاديًا حرجًا قد يستمر لسنوات، ويمكن التعرف على الفرق بين الاثنين بشكل مفصل من هنا.
الكساد الكبير في الولايات المتحدة
وبحسب “وول ستريت جورنال”، كان الكساد الكبير أشبه بالسقوط من القمة إلى الحضيض بالنسبة للعالم، الذي لم يختبر أي تجربة قاسية شبيهة به منذ مدة طويلة، ولا حتى خلال الأزمة المالية الأخيرة، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 15% خلال الفترة من عام 1929 إلى 1932 -مع العلم أن الآثار السلبية والتداعيات امتدت إلى ما بعد ذلك- فيما تراجع بنسبة 1% فقط بين عامي 2008 و2009.
تشتمل التفسيرات المعتادة على عوامل عديدة، خصيصًا ارتفاع مديونية المستهلك وأسواقًا سيئة التنظيم سمحت بقروضٍ مفرطة في التفاؤل من قبل المصارف والمستثمرين، والافتقار لصناعاتٍ جديدة ذات نمو عالٍ. تفاعلت جميع هذه العوامل لتخلق دوامة تدهور اقتصادي من إنفاق منخفض وهبوط في الثقة وإنتاج منخفض. اشتلمت الصناعات الأكثر تضررًا على البناء والشحن والتعدين والتحطيب (تضاعفت مع قصعة الغبار في المركز). وتضرّرت بشكل كبير أيضًا صناعات بضائع متينة مثل السيارات والأجهزة، التي يمكن تأجيل شرائها. وصل الاقتصاد إلى أسوأ أحواله في شتاء 1932-1933، ثم تلتها أربع سنين من النمو حتى أعاد الركود الاقتصادي في 1937-1938 مستوياتٍ عالية من البطالة.
تسبب الكساد بتغيرات سياسيةٍ كبرى في أمريكا. بعد ثلاثة أعوام على الكساد، خسر الرئيس هيربيرت هوفر، الذي عُيِّر على نحو واسع لعدم فعله ما هو كافٍ لمواجهة الأزمة، انتخابات عام 1932 لمصلحة فرانكلين روزفلت بفارق كبير إلى حد محرجٍ. وَضَعت خطة الرئيس روزفلت للإنعاش الاقتصادي، الصفقة الجديدة، برامجًا غير مسبوقةٍ من المعونة والإنعاش والإصلاح وأحدثت تعديلًا كبيرًا في السياسة الأمريكية، لكنها لم تحقّق إنعاشًا حقيقيًا من الكساد الكبير.
نتج عن الكساد أيضًا زيادةٌ في النزوح للمرة الأولى في تاريخ أميركا. عاد بعض المهاجرين إلى بلدانهم الأم، وذهب بعض المواطنين الأصليين الأمريكيين إلى كندا وأستراليا وجنوب أفريقيا. كان هناك هجراتٌ ضخمة لأهالي المناطق المتضررة بشدة في السهول الكبرى (الأوكيز) والجنوب إلى أماكن مثل كاليفورنيا ومدن الشمال (الهجرة الكبرى). تزايدت أيضًا توترات عرقية خلال هذه الفترة. بحلول أربعينيات القرن العشرين عادت الهجرة إلى مستواها الطبيعي، وتراجع النزوح. كان فرانك مكورت، الذي ذهب إلى أيرلندا، المثال الشهير لمهاجر كما يَذكر في كتابه رماد آنجيلا.
صاغت ذكرى الكساد أيضًا نظرياتٍ حديثةً في الاقتصاد ونتج عنها تغيرات عديدة في كيفية تعامل الحكومة مع الانكماشات الاقتصادية، مثل استخدام الحِزم التحفيزية والاقتصاد الكينزي والضمان الاجتماعي. كذلك صاغت أيضًا الأدب الأمريكي الحديث، إذ نتج عنها روايات شهيرة مثل روايات جون ستاينبيك عناقيد الغضب وفئران ورجال.
انهيار السوق المالي
يُستشهد عادة بانهيار وول ستريت عام 1929 كبداية للكساد الكبير. بدأ في 24 أكتوبر 1929، وكان انهيار السوق المالي الأكثر تدميرًا في تاريخ الولايات المتحدة. يمكن أن يُعزى الجزء الأعظم من انهيار السوق المالي إلى الوفرة والتوقعات الخاطئة. في السنوات التي سبقت عام 1929، خلق أسعار السوق المالية المرتفعة مبالغ ضخمة من الثروة لمن استثمروا، ما عزز بدوره الاقتراض لشراء المزيد من الأسهم. إلا أنه في 24 أكتوبر (الخميس الأسود)، بدأت أسعار الأسهم بالهبوط وتسبّب تهافت المستثمرين على البيع بهبوطٍ حاد للأسعار. في 29 أكتوبر (الثلاثاء الأسود) هبطت أسعار الأسهم بقيمة 14 مليار دولار في يوم واحد، وأكثر من 30 مليار دولار خلال أسبوع. كانت القيمة المتبخِّرة خلال ذلك الأسبوع أكبر بعشر مرات من الميزانية الفيدرالية بأكملها وأكبر من كل ما أنفقته الولايات المتحدة على الحرب العالمية الأولى. بحلول عام 1930، كانت قيمة الأسهم قد هبطت بنسبة 90%.
ونظرًا لاستثمار العديد من المصارف مدخرات عملائها في السوق المالي، أُرغمت هذه المصارف على الإغلاق عند انهيار السوق المالي. بعد انهيار السوق المالي وإغلاق المصارف، كان الناس خائفين من خسارة المزيد من الأموال. ولخوفهم من تحديات اقتصادية إضافية، توقف الأفراد من جميع الطبقات عن الشراء والاستهلاك. خسر آلاف من المستثمرين الأفراد الذي ظنوا أنهم سيصبحون أثرياء بواسطة الاستثمار على الهامش كل ما يملكون. أثّر انهيار السوق المالي على نحو خطير على الاقتصاد الأمريكي.
أهم الأسباب
يمكن القول أن أهم الأسباب التي أدت إلى حدوث الكساد الكبير، هو التغيرات العميقة التي مر بها العالم بعد الحرب العالمية الأولى، لاسيما وإن الاقتصاد حينها كان عبارة عن هيكل واحد متكامل ،يتأثر كل جزء منه بالآخر. وقد صعبّت الحرب الحركة على الناس و البضائع والأموال الانتقال من مكان لآخر حول العالم؛ فقد كان عدد الأشخاص الذين انتقلوا من أوروبا إلى دول العالم الجديد حوالي 55 مليون لكننا نجد أن هذا العدد انخفض كثيرًا فيما بعد ليس فقط نتيجة للحرب، بل أيضًا نتيجة لفرض دول العالم الجديد للعديد من القيود على المهاجرين، وكذلك فرض تعريفات باهظة على البضائع التي تصل إليها.
فقد قامت كل من (الولايات المتحدة)، (كندا) و(استراليا) بوضع العديد من العقبات أمام الهجرة إليها من كل من (الصين ) و(اليابان )، ثم فيما بعد قامت (الولايات المتحدة ) بوضع قيود تمنع الهجرة إليها من آسيا بأكملها كما بدأت في منع هجرة فئات معينة كالسياسيين والمجرمين والفقراء والمعاقين، لكنها في الوقت نفسه استمرت بالسماح لملايين المهاجرين الأوروبيين بالانتقال إليها، وبعد أن كانت (بريطانيا) هي القوة العظمى الأولى في العالم أصبحت تلك القوة في يد (الولايات المتحدة ) وهو ما كتبه المؤرخ البريطاني (إي إتش كار) قائلاً “إن زعامة العالم في عام 1918 م ذهبت بالإجماع تقريبًا إلى الولايات المتحدة”.
فقد قامت (الولايات المتحدة) بتقديم العديد من الدعم المادي والقروض المالية للدول المحاربة؛ كي تنفقها على الذخائروالقذائف ورفع راية الحرب، وتحولت حينها (الولايات المتحدة) إلى أكبر دائن في العالم، وحلّت (نيويورك) محل (لندن) باعتبارها المقرض الرئيسي في شبكة الائتمان العالمية، لكن تلك الدول المقترضة قد خرجت من الحرب لتجد نفسها في وضع اقتصادي سيء لا يسمح لها بسداد ديونها وهو ما أدى إلى توقف الامداد المالي للائتمان الأمريكي.
مع توقف قدرة الائتمان على توفير المال؛ تأثرت أجور الأمريكيين؛ وجد الأمريكان أنفسهم غير قادرين على شراء كافة السلع الباهظة والكمالية التي كانوا يحصلون عليها فيما سبق كأجهزة الراديو، الفونوجراف والأجهزة المنزلية كالثلاجة الكهربائية، بالإضافة إلى السيارات التي كان الإقبال على شرائها أكبر بكثير من كافة الأجهزة السابقة؛ حيث نجد إنه بحلول عام 1929 قد تم إنتاج حوالي 23 مليون سيارة في (الولايات المتحدة).
وقد انقلبت أوضاع الاقتصاد الأمريكي رأسًا على عقب نتيجة انهيار بورصة (وول ستريت)- فيما عُرف بـِ (الخميس الأسود)- حيث انخفضت أسعار الأسهم واستمرت في الانخفاض حتى فقدت سوق الأوراق المالية أكثر من ثلث قيمتها، وفي عام 1930 م وصل انخفاض الإنفاق على السلع الاستهلاكية المعمّرة نسبة 20% وأغلقت المصانع وأفلست البنوك وبلغ معدل البطالة في هذا العام أكثر من ضعف معدله في عام 1929 م.