رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

بين الاعتراف بالتاريخ وإنكاره ..انتخابات فرنسا تضع ماكرون فى مأزق مع الجزائر

نشر
الأمصار

عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليثير الجدل من جديد ليضرب العلاقات الفرنسية الجزائرية بعرض الحائط، إذ أثار سخط كثير من الجزائرييين بعد تصريحاته التى أوردتها صحيفة لوموند الفرنسية خلال اجتماع مع أحفاد شخصيات من حرب الاستقلال، متهكمًا فيها على تاريخ دولة الجزائر بأن النظام السياسى فيها هو الذي أعاد كتابة التاريخ الاستعماري الفرنسي للبلاد، بمرجعية نابعة من “الكراهية لفرنسا”.

وردت الجزائر على ماكرون باستدعاء السفير الفرنسى للمرة الثانية إلى الجزائر للتشاور حول ما صرح به ماكرون ،وأغلقت السلطات الجزائرية بعدها مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية بحسب الجيش الفرنسي، استدعت الجزائر السفير الفرنسي للمرة الأولى عندما قررت فرنسا تخفيض التأشيرات الممنوحة للمواطنين الجزائريين.

وجاء في بيان لوزارة الشؤون الخارجية أن الأمين العام للوزارة، بلغ السفير احتجاجاً رسمياً من الحكومة الجزائرية على القرار الأحادي، الذي تم اتخاذه دون تشاور مسبق مع الجانب الجزائري.

وقررت باريس تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس، ردا على “رفض” الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها، وفق ما أعلنه الناطق باسم الحكومة غابرييل أتال .

ويري الخبراء أن تصريحات ماكرون تُعد خطوة تصعيدية من أن تأتي في سياق حملة انتخابية شرسة في فرنسا يسعى خلالها الكثير من المرشحين لاجتذاب أصوات اليمين أو حتى اليمين المتطرف. وهذا ما يفسر الرد الجزائري الحازم مع هذه التصريحات. فالسلطات الجزائرية ترفض إقحامها في هذا الصراع الانتخابي الذي غلب عليه الخطاب الهوياتي،بجانب غياب التفاهم بينهما.

وفى سياق متصل تطالب الجزائر فرنسا بالاعتذار عن الجرائم الاستعمارية التى ارتكبتها فى حق الجزائر على مدى 132 عام من (1930-1962) والتي راح ضحيّتها، وفقاً للرئاسة الجزائرية، أكثر من خمسة ملايين جزائري.

وكان ماكرون قد اعترف في 2018 أن فرنسا وضعت “نظاماً” للتعذيب المنهجي خلال حرب التحرير الجزائرية. ولكن ماكرون رفض اعتذار فرنسا عن جرائمها الاستعمارية في الجزائر، كما يطالب الجزائريون، بعد ستين عاماً لم تفلح في تهدئة التوتر بين البلدين.

كما أعلن ماكرون فى نفس العام 2018 تكريم 26 من الجزائريين الذين حاربوا في صفوف جيش الفرنسي ضد ثورة التحرير في بلادهم من 1954 إلى 1962، ومنحهم رتبة فارس في جوقة الشرف للدولة الفرنسية.

وفى موقف متناقض عام 2020أعادت فرنسا الجزائر رفات 24 شخصا من قادة المقاومة الشعبية ومعاونيهم إلى أرض الوطن. تعود الرفات لحركة المقاومة التي اندلعت في بداية الاحتلال الفرنسي بين عامي 1838 و1865.

وفي عام 2017، خلال زيارة للجزائر، تعهد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بإعادة رفات الجزائريين الموجودة في متحف الإنسان في باريس، والذي يضم أكثر من 18 ألف جمجمة بشرية، تم التعرف على نحو 500 منها.

استقبلت الجزائر الرفات خلال مراسم احتفال رسمية، بقيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وبحضور كبار قادة البلاد، وأطلقت المدفعية 21 طلقة، وبمشاركة من السفن الحربية.

تاريخ الجزائر
وقعت حادثة “مروحة الداي” التي اعتبرتها فرنسا إهانة لها، وبدأت على إثرها حصارا للجزائر استمر ثلاث سنوات1827.

وتذكر بعض المراجع التاريخية أن الداي حسين ضرب قنصل فرنسا على وجهه بمروحة يده ثلاث مرات عندما لم يجب القنصل على سؤال الداي بشأن ديون فرنسا للجزائر.

وقد اعتبرت فرنسا ذلك بمثابة إهانة، وفرضت حصارا على الجزائر.

وكان الفرنسيون يسعون في ذلك الوقت إلى استعادة هيبة الملكية والتوسع الاستعماري. ورغم أن الثورة أسقطت حكم أسرة البوربون عام 1830، إلا أن فرنسا واصلت مخططاتها بشأن الجزائر وتم الاحتلال.

 

حركة الأمير عبد القادر
وفي عام 1832، بايع الجزائريون الأمير عبد القادر لقيادتهم ضد الاحتلال، فاتخذ من مدينة معسكر عاصمة له، وبدأ في تكوين جيش ودولة، ثم أجبر الفرنسيين على إبرام هدنة معه، فكانت اتفاقية تافنا عام 1838 التي اعترفت فيها باريس بسيادته على غرب الجزائر ووسطها.
وشرع الأمير عبد القادر بعد هذه الاتفاقية في تشكيل حكومة وتنظيم الدولة ومكافحة الفساد.

لكن تلك الاتفاقية كانت فرصة لفرنسا لالتقاط الأنفاس، لتواصل بعد ذلك القتال لتسقط معاقل الأمير واحدا تلو الآخر.

وفى مقاومة مريرة، اضطر مع الامير عبد القادر وأنصاره للاستسلام عام 1847، بشرط السماح بانتقاله إلى الاسكندرية أو عكا. لكنه نُقل إلى فرنسا وسُجن هناك

 

حرب التحرير

في مارس عام 1943، قدم القيادي الجزائري فرحات عباس بيان الشعب الجزائري للإدارة الفرنسية، ووقع عليه 56 من القيادات الجزائرية والدولية. وطالب البيان بدستور يضمن مشاركة فورية وقانونية ومساواة للجزائريين.
ونظم الجزائريون مسيرة عام 1945 واجهها الفرنسيون بالعنف، ولقي آلاف الجزائريين حتفهم في تلك الأحداث.
وفي عام 1947، وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية على قانون يدعو لإنشاء برلمان جزائري بمجلسين، أحدهما يمثل الأوروبيين والآخر الجزائريين، وهو الأمر الذي رفضه الجزائريون.

ثم بدأت حرب الاستقلال في الأول من نوفمبر عام 1954، والتي واجهتها فرنسا بالعنف. وارتفع عدد القوات الفرنسية في الجزائر ليصل إلى نحو 400 ألف جندي بحلول عام 1956.

وفي يناير من عام 1959، بات شارل ديغول رئيسا للجمهورية الخامسة ثم قام لاحقا بزيارة الجزائر.

ومن هناك أعلن في مدينة قسنطينة شرقي البلاد عن مشروعه الاقتصادي الضخم لخلق الوظائف وتوزيع الأراضي على المزارعين وبناء المساكن وتحقيق التنمية، أما سياسيا فقد أعطى للجزائريين حق الترشح والتصويت بشكل معادل لما هو ممنوح للفرنسيين.

لكن الجزائريين رفضوا كل تلك الاغراءات، وواصلوا ثورتهم

وفي سبتمبر من العام نفسه، تحدث ديغول عن حق تقرير المصير للجزائريين، وهو ما اعتبره المستوطنون الفرنسيون خيانة لهم، فقاموا بتمرد في الجزائر، مدعوم من بعض وحدات الجيش. إلا أن التمرد فشل، ومثّل ذلك نقطة تحول في الموقف الرسمي الفرنسي.

وفي مايو 1961، انطلقت محادثات أفيان بين الحكومة الفرنسية وجبهة التحرير، وأسفرت عن اتفاقات افيان، والتي حددت مهلة ثلاث سنوات يختار بعدها الأوروبيون بين الجنسية الجزائرية أو يعتبرون غرباء.

وفي الثالث من يوليو عام 1962، تم توقيع مرسوم استقلال الجزائر، غير أن جبهة التحرير أقرت الخامس من يوليو يوما للاستقلال لمسح ذكرى الاحتلال من التاريخ.

 

جاك ماسو

وعندما نزلت الفرقة المدرعة الثانية في فرنسا في أغسطس من عام 1944 وشقت طريقها نحو تحرير باريس لعب ماسو دورا مهما في القتال.
وبعد الحرب العالمية الثانية خدم في الهند الصينية، وتدرب كمظلي وقام بمهام في تونس وغرب إفريقيا. ورقي إلى رتبة جنرال في عام 1955 حيث شكل الفرقة العاشرة للمظلات، والتي قادها في هجمات على بورسعيد وبور فؤاد خلال حرب السويس عام 1956.

وقد شعر ماسو بمرارة لأن حرب السويس تم تسويتها في النهاية عن طريق الدبلوماسية، وأصبح ماسو مقتنعا أن بعض الساسة الفرنسيين مستعدون للتخلي عن المصالح الحقيقية لبلادهم

وبحلول أوائل عام 1957، كانت الجزائر على أبواب حرب الاستقلال.

وفي 7 ينايرمن ذلك العام، ومع دعوة جبهة التحرير الوطنية إلى إضراب عام، تم تعيين ماسو مسؤولا عن العاصمة الجزائر التي تعتبر مركزا لنشاط المقاومة.

ولم يعجبه إدارة الأزمة شُرطيا، لذلك تولى إدارة خدمة المعلومات الشرطية ونظم قواته للإشراف على كل ما حدث في القصبة.

وقمع الفرنسيون الإضراب بلا رحمة، مما أجبر أصحاب المتاجر على فتح متاجرهم وأجبر الآخرين على العودة إلى العمل. كما تم الاستيلاء على إمدادات الأسلحة، واعتقال واستجواب الآلاف من الناس.

وكانت النتيجة أنه بحلول شهر أكتوبر، توقف نشاط المقاومة فعليا وعادت مطاعم المدينة ودور السينما إلى طبيعتها.
وقد برز ماسو وعناصر مظلاته فيما أصبح يعرف باسم معركة الجزائر.

لكن سرعان ما اندلعت فضيحة دولية بشأن استخدام ماسو للتعذيب في قمع القصبة، ومما زاد الطين بلة أنه بدا من المؤكد أن الحكومة الفرنسية بقيادة الاشتراكي جاي موليت كانت على علم بتلك الطرق ووافقت عليها.

وأدت الأزمة إلى انقسام المؤسسة الفرنسية حيث حُكم على الجنرال باريس دي بولاردير بالسجن لمدة 60 يوما لإشارته إلى أن المظليين يقوضون القيم الأخلاقية لفرنسا.

ومع ذلك، استمر التعذيب، وفي الواقع عندما نشر ماسو أول مجلد من مجلداته الخمسة من مذكراته “المعركة الحقيقة في الجزائر” عام 1971، قبل المسؤولية عن هذه الممارسة، مدعيا أنها كانت الطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها الحصول على معرفة مسبقة بخطط المقاومة.

وعلى الرغم من أنه كان يخشى أن تكون باريس على وشك التخلي عن الجزائر ، إلا أن ماسو لم يشارك في المؤامرات السياسية اليمينية التي ابتليت بها فرنسا عام 1958.

وقد قبل ماسو تمرد 13 مايو، ووافق على أن يصبح رئيسا للجنة السلامة العامة. ونفى أن يكون ذلك انقلابا، كما وافق على عملية البعث العسكرية، والتي بموجبها يمكن لمظلييه الهبوط في مطار فيلاكوبلاي، بالقرب من باريس وبهذه الطريقة يضطر الجنرال ديجول إلى تولي الرئاسة كما يضطر السياسيون في باريس إلى قبوله.

وفي 24 مايو استولى المظليون التابعون لماسو على جزيرة كورسيكا لتنتهي الجمهورية الرابعة.

وقد رفض ديجول إدانة هذا الغزو، ولكن في 27 مايو أصدر تعليمات غير رسمية بضرورة التخلي عن عملية البعث.

وبمجرد وصوله إلى السلطة، نأى بنفسه عن لجنة السلامة العامة، باستثناء ماسو الذي أصبح محافظا للجزائر العاصمة وعُهد إليه بهذه المنطقة العسكرية الأكثر أهمية حيث رقي إلى رتبة جنرال

وفي يناير من عام 1960، تحدث إلى صحفي ألماني حول هذه الخلافات، ويبدو أنه لم يكن يدرك أنه تم تسجيل محادثته
وعندما نُشرت المقابلة، أُعفي من مهامه على الفور.
لكن ظل ماسو يرفض الانضمام إلى أي مؤامرات ضد ديغول، أو أي محاولات للاستيلاء على السلطة في باريس.
وفي النهاية وافق ماسو على استقلال الجزائر، وصوت لصالح إجراء استفتاء في يناير من عام 1961ومع ذلك، لم يستطع ماسو أبدا الهروب من ماضيه في الجزائروتوفي في أكتوبرمن عام 2002.

اوساريس

وكان أوساريس قد دافع عن استخدام القوات الفرنسية التعذيب في حرب الاستقلال في الجزائر.
ويعد ذلك الجنرال الفرنسي الذي توفي عن 95 عاما هو أول ضابط فرنسي بارز يقر بقتل وتعذيب 24 سجين حرب جزائريا في كتاب نشر عام 2001 عن حرب الاستقلال في الجزائر
وفي عام 2002 أدانته محكمة فرنسية بالتعذيب
كما جُرد أوساريس من نوط الشرف، أحد أعلى الأوسمة الفرنسية إثر نشر الكتاب.
ولم يُعرب أوساريس أبدا عن أسفه لاستخدام القوة. وقال إن “استخدامها مشروع عندما يتطلب الموقف ذلك”.

 

مجزرة باريس

في 17 أكتوبر من عام 1961 شهدت العاصمة الفرنسية باريس مجزرة راح ضحيتها مئات من الجزائريين على يد الشرطة الفرنسية.

فقد دعت جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي كانت تقود حربا على سلطات الاستعمار الفرنسي، العمال الجزائريين إلى الخروج في مسيرات سلمية بباريس احتجاجا على حظر التجول، المفروض عليهم تحديدا من الثامنة والنصف مساء إلى الخامسة والنصف صباحا، من قبل مدير الشرطة وقتها، موريس بابون.

وخرج عشرات الآلاف من المتظاهرين السلميين الجزائريين، بينهم نساء وأطفال، من الأحياء العشوائية إلى شوارع باريس، استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني، على الرغم من منع السلطات الفرنسية، التي يبدو أنها أعطت التعليمات إلى أجهزة الأمن بقمع المتظاهرين بكل الوسائل.

ولكن أجهزة قمع المظاهرات كانت في استقبالهم في مداخل الشوارع الكبرى، حسب المؤرخين، الذين نقلوا روايات الشهود والمشاركين في المظاهرات، فاندلعت مواجهات دامية بشارع سانت ميشيل، وحي سانت سيفرين، وتكررت المشاهد الدامية في أحياء أخرى من باريس وضواحيها.

وكان القمع غاية في الضراوة والوحشية، حسب المؤرخين البريطانيين، جيم هاوس ونيل ماكماستر، اللذين وصفا ما تعرض له الجزائريون يوم 17 أكتوبر في كتابهما “الجزائريون، الجمهورية ورعب الدولة”، بأنه “أعنف قمع لمظاهرة في أوروبا الغربية في التاريخ المعاصر”.

ويذكر مؤرخون وكتاب شهدوا الأحداث أن الشرطة اعتقلت نحو 12 ألف جزائري واحتجزتهم في مراكز الشرطة وفي مخيمات أنشأتها لهم خصيصا، في قصر الرياضات في باريس، وقصر المعارض، وتعرضوا هناك للاستجواب والإهانة والضرب والتعذيب، والقتل، حسب شهود.

كما رحلت السلطات الفرنسية آلاف العمال الجزائريين من باريس وضواحيها إلى الجزائر، بسبب مشاركتهم في المظاهرات.

هل ستؤثر هذه التصريحات على التنسيق الأمني والاستخباراتي بين البلدين وما له من تبعات على منطقة الساحل والملف الليبي الذي يبدو أن البلدين غير متفقين بشأنه؟ ام سيتراجع ماكرون عن لهجته الحادة مع الجزائر ؟