فرنسا الثقافية 2025... صدمة التراث المنهوب وتحديات «السيادة الرقمية»
شهد عام 2025 تحولات كبرى، أعادت رسم ملامح المشهد الثقافي والفكري في فرنسا، فبين أسوار المتاحف العريقة وطاولات لجان التحكيم الأدبية، عاشت باريس مخاضاً فكرياً وتقنياً، وضع الهوية الفرنسية على محك التحديث والرقمنة، وسط صخب سياسي لم يغب عن ردهات الثقافة.
استهلت باريس عامها على وقع زلزال أمني وتراثي، تجاوزت ارتداداته الحدود الفرنسية، حين استيقظ العالم على نبأ السطو الصادم على «كنوز التاج» من قلب متحف اللوفر. إذ استهدفت السرقة «تاج لويس الخامس عشر» المرصع بنوادر الأحجار الكريمة التي تختزل تاريخ السيادة الفرنسية منذ مطلع القرن الثامن عشر. هذا التراث المنهوب يمثل حقباً سياسية متعاقبة، من الملكية المطلقة إلى الإمبراطورية النابليونية، ما جعل ضياعها خسارة لا تُقدر بثمن مادي.
وقد أثارت الواقعة موجة عارمة من التغطية الإعلامية الدولية، حيث سارعت كبريات الصحف والوكالات العالمية إلى وضع فرنسا تحت مجهر المساءلة، وسط تساؤلات حادة حول «هشاشة» المنظومة الأمنية في الصروح الثقافية الكبرى. وانصبت الانتقادات على وزارة الثقافة وإدارة المتحف، متهمة إياها بالتقصير في حماية «أمانة التاريخ» التي لا تخص فرنسا وحدها، بل البشرية جمعاء.
في قلب هذا المناخ المشحون، انفتح ملف «الرقمنة والذكاء الاصطناعي» في القطاع الثقافي، ليشكل أكبر معركة آيديولوجية شهدها العام. ولم يكن هذا الجدل محصوراً في الأدوات التقنية، بل امتد ليشمل «أخلاقيات الإبداع».
حيث دافعت وزارة الثقافة تحت إشراف رشيدة داتي عن استراتيجية «السيادة الرقمية»، الهادفة إلى رقمنة الأرشيف الوطني الفرنسي لحمايته من الاندثار وتسهيل وصول الأجيال الجديدة إليه عبر تقنيات الواقع المعزز.
إلا أن هذا التوجه قوبل بمعارضة شرسة من نخب فكرية رأت في «خوارزميات الإبداع» تهديداً لـ«الاستثناء الثقافي الفرنسي». واحتدم النقاش حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيعيد إنتاج المعرفة أم سيعمل على «تنميطها»، وسط مخاوف من أن تتحول المتاحف والمكتبات من فضاءات للتأمل الحي إلى منصات رقمية باردة تفقد العمل الفني روحه التاريخية.
كما شكّلت المعارض الكبرى التي احتضنتها المتاحف الباريسية خلال عام 2025 علامة فارقة في المشهد الثقافي الفرنسي، ليس من حيث الإقبال الجماهيري فقط، بل أيضاً من حيث الرهانات الفكرية والتاريخية والجمالية التي حملتها. وقد تصدّرت 3 معارض تحديداً قوائم «الأكثر انتظاراً» و«الأكثر زيارة»، وفرضت نفسها كأحداث ثقافية جامعة بين الفن والتاريخ والسياسة والذاكرة الإنسانية. منها معرض «الفن المُنحط»: محاكمة الفن الحديث في ظل النازية في متحف بيكاسو، وهو من بين أبرز معارض عام 2025، حيث وصف بالحدث الثقافي الاستثنائي لأنه أعاد فتح واحدة من أكثر الصفحات قتامة في تاريخ الفن الأوروبي، لأنه تناول سياسة النظام النازي في ثلاثينات القرن الماضي، حين جرى تصنيف أعمال فنية كبرى – لكاندينسكي، وبول كلي، وشاغال، وبيكاسو نفسه – على أنها «فن منحط»، وتمّ مصادرتها أو تدميرها أو استخدامها في حملات تشهير آيديولوجية. نجاح المعرض لم يكن جمالياً فحسب، بل معرفياً وسياسياً أيضاً.
فقد استطاع أن يقدّم قراءة عميقة لعلاقة السلطة الشمولية بالإبداع، مظهراً كيف يتحول الفن في الأنظمة القمعية إلى ساحة صراع رمزي.
وقد حظي المعرض بتغطية إعلامية واسعة، واستقبل أكثر من 240 ألف زائر، حسب أرقام المتحف، كما تصدّر قوائم «أهم 10 معارض التي لا تُفوّت في باريس عام 2025».
وعلى نقيض الطابع السياسي الحادّ لمعرض بيكاسو، جاء معرض «ماتيس ومارغريت: نظرة أب» في متحف الفن الحديث بباريس ليقدّم تجربة شديدة الخصوصية والحميمية، مسلطاً الضوء على العلاقة بين الرسام هنري ماتيس وابنته مارغريت، التي كانت حاضرة في أعماله كملهمة وموضوع ونقطة ارتكاز إنسانية.