تقرير عن جهود أمريكا لتعزز الأمن البحري ومكافحة الإرهاب بالقرن الأفريقي.
شهدت منطقة القرن الأفريقي تحركات أمنية مكثفة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار جهودها لتعزيز الأمن البحري ومكافحة الإرهاب، خاصة في الممرات الحيوية للبحر الأحمر وخليج عدن.
تأتي هذه التحركات ضمن استراتيجية واشنطن لتوسيع حضورها الأمني في واحدة من أكثر المناطق حساسية واستراتيجية عالميًا، حيث تتقاطع مصالح مكافحة الإرهاب مع ضمان حرية الملاحة الدولية.
ويرى محللون أن هذه الخطوة الأمريكية تأتي بعد سلسلة من الأحداث الأمنية التي هزت المنطقة، بما في ذلك نشاط جماعات مسلحة في الصومال وتهديدات على السواحل الإثيوبية واليمنية. وتعكس هذه التحركات حرص واشنطن على إعادة بناء شبكات التحالفات الإقليمية لتأمين الممرات البحرية وحماية مصالحها الاقتصادية والعسكرية في شرق إفريقيا.

لقاءات قائد أفريكوم مع المسؤولين الإثيوبيين
قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا أفريكوم، الجنرال داغفين أندرسون، عقد سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين في إثيوبيا، شملت رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورئيس الأركان المشير برهانو جولا في العاصمة أديس أبابا. ركزت المحادثات على الأمن الإقليمي وتوسيع التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وإثيوبيا.
وأشار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عبر حسابه على منصة "إكس" إلى أن المناقشات كانت بناءة وشملت سبل تعزيز التعاون بين البلدين، مؤكداً أهمية التنسيق المستمر لمواجهة التحديات الأمنية في القرن الأفريقي، دون كشف تفاصيل إضافية حول الخطط المستقبلية.
ملف المنفذ البحري الإثيوبي
أحد أبرز الملفات التي تناولتها المحادثات هو حصول إثيوبيا على منفذ بحري، وهو الملف الذي لطالما شكل قضية استراتيجية للبلاد بسبب عدم امتلاكها ساحل على البحر الأحمر.

وقالت وزارة الدفاع الإثيوبية إن رئيس الأركان المشير برهانو جولا أكد للجنرال أندرسون أن المساعي الإثيوبية للوصول إلى البحر الأحمر سلمية وتهدف إلى تنشيط الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى أن أديس أبابا تسعى لتحقيق ذلك عبر الحوار والتفاهمات الإقليمية وليس عبر المواجهة العسكرية.
بدوره، أعرب الجنرال أندرسون عن دعم الولايات المتحدة لهذه المساعي، مؤكدًا أن حصول إثيوبيا على منفذ بحري يمكن أن يعزز السلام والاستقرار في المنطقة، مشددًا على أهمية دراسة الخطط والمصالح الإثيوبية مع المسؤولين الأمريكيين في واشنطن لضمان تنسيق جهود استقرار القرن الأفريقي.
مكافحة الإرهاب والتعاون العسكري
ركزت المباحثات أيضًا على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، خصوصًا في مواجهة الجماعات المسلحة النشطة في القرن الأفريقي، والتي تشمل التنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش في الصومال والقرن الأفريقي.
وأكد الجانبان على أهمية دعم القدرات العسكرية الإثيوبية، بما في ذلك التدريب والمعدات، لمواجهة التهديدات المتزايدة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاستخباراتي لتحديد ومكافحة الأنشطة الإرهابية قبل أن تتحول إلى تهديد مباشر للأمن البحري الإقليمي والدولي.
لقاءات أفريكوم مع مسؤولين أرض الصومال
في هرغيسا، استقبل رئيس أرض الصومال عبدالرحمن محمد عبدالله عرو الجنرال أندرسون ونائب رئيس البعثة الأمريكية جاستن ديفيس، بالإضافة إلى وفد أمريكي رفيع المستوى.
تناول الاجتماع تعزيز التعاون الأمني وحماية الاستقرار الإقليمي، مع التركيز على مواجهة التهديدات المتنامية في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. وخلال الاجتماع، قدم رئيس أرض الصومال عرضًا مفصلاً عن جهود حكومته في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود وحماية الممر البحري في خليج عدن، مؤكدًا أن مؤسسات الدولة المستقرة تجعلها شريكًا موثوقًا في جهود حفظ الأمن البحري الدولي.

أهمية أرض الصومال الاستراتيجية
أرض الصومال تحتل موقعًا استراتيجيًا على ساحل البحر الأحمر، ما يجعلها نقطة محورية للأمن البحري الإقليمي. أكد رئيس أرض الصومال أن المصالح الأمريكية في شرق أفريقيا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأرض الصومال، مشيرًا إلى أن البلاد حافظت على الاستقرار لأكثر من ثلاثة عقود، وهو ما يجعلها حجر زاوية في منظومة الأمن الإقليمي.
من جانبه، شدد الجنرال أندرسون على أهمية تعزيز التعاون مع هرغيسا لدعم الأمن البحري، مؤكدًا أن هذا التعاون سيساهم في الحد من نشاط الجماعات المسلحة وحماية الممرات البحرية الحيوية. كما أشاد نائب السفير الأمريكي بجهود أرض الصومال في بناء مؤسسات أمنية قوية وفعالة.
تفقد المنشآت الحيوية والاتفاقيات الأمنية
اختتمت زيارة الوفد الأمريكي باتفاق مشترك على تعزيز العمليات الأمنية والتعاون الاستراتيجي، وشملت الزيارة تفقد مطار وميناء بربرة والمنشآت الاستراتيجية الأخرى.
وأوضح مراقبون أن اللقاءات الأمريكية المتزامنة مع إثيوبيا وأرض الصومال تعكس حرص واشنطن على تعزيز حضورها الأمني في منطقة حساسة على المستوى العالمي.
ويرى خبراء أن تعزيز التعاون مع دول مستقرة نسبيًا مثل أرض الصومال، إلى جانب إثيوبيا، يساعد في حماية الممرات البحرية الحيوية وضمان استمرار حركة التجارة العالمية دون انقطاع.
خلفية تاريخية للقرن الأفريقي
القرن الأفريقي يعتبر منطقة استراتيجية منذ عقود، بسبب موقعه على الممرات البحرية الدولية والبحر الأحمر وخليج عدن. وتشمل المنطقة دولًا مثل إثيوبيا والصومال وأرض الصومال وجيبوتي، وهي مناطق شهدت نزاعات مسلحة وإرهابًا وانقلابات سياسية.
إثيوبيا، على الرغم من كونها دولة غير ساحلية، لطالما سعت للحصول على منفذ بحري لضمان وصول صادراتها ووارداتها عبر البحر الأحمر، بينما تعمل أرض الصومال على الاستقرار السياسي والأمني منذ أكثر من ثلاثة عقود، ما يجعلها نقطة محورية للشركاء الدوليين، وخاصة الولايات المتحدة، في جهود مكافحة الإرهاب والأمن البحري.
أهمية التحرك الأمريكي الإقليمي
يرى مراقبون أن التحرك الأمريكي الأخير يهدف إلى إعادة هندسة شبكة التحالفات في القرن الأفريقي، بما يضمن تعزيز الأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، ودعم الدول الشريكة في مكافحة الإرهاب، والحد من التوترات الإقليمية المرتبطة بالحدود والموانئ.
ويشير الخبراء إلى أن التعاون مع إثيوبيا وأرض الصومال يعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، ويحد من تهديدات الجماعات الإرهابية، ويضمن حماية المصالح الأمريكية والدولية في الممرات البحرية الحيوية.
التحديات المستقبلية
رغم الجهود المبذولة، تواجه المنطقة تحديات كبيرة، تشمل النزاعات الداخلية في إثيوبيا وجماعات الشباب المسلحة في الصومال، بالإضافة إلى التوترات السياسية بين الدول المجاورة. ولذلك يرى محللون أن الحلول الأمنية يجب أن تكون متكاملة، تشمل الدعم العسكري والتدريب، والجهود الدبلوماسية لتعزيز الاستقرار، مع مراقبة دقيقة للتهديدات الجديدة.
ويؤكد الجميع أن التعاون بين الولايات المتحدة والدول الشريكة سيكون محورياً للحفاظ على الاستقرار، وحماية التجارة العالمية، وضمان أمن الملاحة في الممرات البحرية الدولية.