مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

واشنطن تصعّد ضغوطها لإسقاط مادورو عبر عقوبات وعمليات سرية

نشر
الأمصار

في إطار تحركات متسارعة تعكس انتقال المواجهة السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة فنزويلا إلى مرحلة أكثر حدّة، صعّدت واشنطن خلال الأشهر الأخيرة من أدوات الضغط الهادفة لإطاحة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي لا تعترف بشرعية فوزه في انتخابات الرئاسة لعام 2024.
وتنوّعت الأدوات الأمريكية بين تصنيفات إرهابية، وضربات عسكرية، وعقوبات اقتصادية، وعمليات استخباراتية سرية، ومكافآت مالية ضخمة، في مشهد يعيد إلى الأذهان محطات مشابهة في تاريخ التدخلات الأمريكية بأمريكا اللاتينية.

تصنيف "كارتيل دي لوس سوليس" منظمة إرهابية

أحدث الخطوات التي اتخذتها واشنطن تمثلت في إعلان وزارة الخارجية الأمريكية تصنيف جماعة كارتيل دي لوس سوليس، التي تقول إنها تتمركز داخل فنزويلا، كـ"منظمة إرهابية أجنبية". 

ويعد هذا التصنيف من أشد الإجراءات القانونية التي تسمح للولايات المتحدة بتوسيع نطاق العقوبات والملاحقات الجنائية.

وكان التحذير الأول قد صدر عن السلطات الأمريكية في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حين أعلنت أنها تستعد لإدراج الكارتيل على قوائم الإرهاب بعد أن فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات مباشرة عليه. تقول واشنطن إن الجماعة “مسؤولة عن أعمال عنف إرهابية في نصف الكرة الغربي”، وتُتهم كذلك بإدارة شبكات واسعة لتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

وفي يوليو/تموز الماضي، كانت وزارة الخزانة قد صنّفت الكارتيل بوصفه “إرهابيًا عالميًا مُدرجًا على لائحة خاصة”، مؤكدة أنه قدم “دعمًا ماديًا” لتنظيمات مصنّفة إرهابية، بينها جماعة "ترين دي أراغوا" الفنزويلية، وكارتيل سينالوا المكسيكي.

من جانبها، تنفي الحكومة الفنزويلية بقيادة الرئيس مادورو، وكذلك عدة شخصيات سياسية وقضائية وعسكرية في كاراكاس، أي ارتباط لهم بالكارتيل، ووصفت هذه الاتهامات بأنها “ادعاءات مفبركة” تهدف إلى تشويه الحكومة وخلق مبرر للتدخل.

وجاء رد وزير الخارجية الفنزويلي إيفان بينتو خيل، الذي ينتمي رسميًا لإدارة مادورو، شديد اللهجة؛ إذ أعلن رفض كاراكاس “القاطع والمطلق” لهذا التصنيف، معتبرًا أنه “اختلاق سخيف” يبرر “تدخلاً غير شرعي وغير قانوني” من قبل الولايات المتحدة لإسقاط الحكومة الفنزويلية.

ضربات عسكرية في البحر الكاريبي

إلى جانب الضغوط القانونية والسياسية، تتهم واشنطن حكومة مادورو بالضلوع في شبكات تهريب المخدرات، وهو ما رافقه تصعيد عسكري ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة.

 فقد أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذ سلسلة ضربات استهدفت سفنًا يُشتبه بضلوعها في عمليات تهريب في جنوب البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ.

وبحسب بيانات الإدارة، فقد أسفرت هذه العمليات منذ شهر سبتمبر/أيلول الماضي عن مقتل ما لا يقل عن 83 شخصًا، في مؤشر على ارتفاع مستوى العمليات الأمريكية ضد شبكات يُعتقد أنها مرتبطة بدوائر قريبة من الحكومة الفنزويلية.

وجاءت هذه الضربات بالتزامن مع تعزيز الانتشار العسكري، إذ وصلت أكبر حاملة طائرات أمريكية إلى المنطقة، وعلى متنها آلاف الجنود ومقاتلات شبح وسفن حربية، وهو تطور يرى خبراء أنه يهدف إلى رفع الضغط السياسي والعسكري على كاراكاس، ودفعها إلى تقديم تنازلات أو خلق حالة تزعزع استقرار النظام الداخلي.

عقوبات اقتصادية خانقة

تستمر الولايات المتحدة في استخدام سلاح العقوبات المالية بقوة ضد فنزويلا، إذ فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في يوليو/تموز عقوبات جديدة شملت تجميد جميع الأصول والممتلكات المرتبطة بكارتيل دي لوس سوليس داخل الولايات المتحدة أو لدى أي جهة أمريكية.

كما قطعت واشنطن العلاقات الاقتصادية مع أي كيان يملك الكارتيل أو المتعاونون معه 50% أو أكثر من حصصه. 

وأكد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) أن انتهاك العقوبات من قبل أفراد أمريكيين أو أجانب سيعرّضهم لتبعات مدنية أو جنائية.

وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن فرض عقوبات في يناير/كانون الثاني على ثمانية مسؤولين فنزويليين قالت إنهم مرتبطون بشبكات الفساد ودعم النظام الحالي. وعلى مدى سنوات، فرضت الولايات المتحدة ودول غربية متعددة قيودًا مالية وتكنولوجية على فنزويلا، شملت منع تصدير “التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج” التي يمكن أن تُستغل عسكريًا.

مكافآت مالية للقبض على مادورو وكبار المسؤولين

ضمن أدوات الضغط التي تستخدمها واشنطن، تعلن الإدارة الأمريكية مكافآت مالية ضخمة مقابل معلومات تقود إلى اعتقال الرئيس مادورو ومسؤولين بارزين في الحكومة الفنزويلية.

ورفعت إدارة الرئيس ترامب خلال أغسطس/آب الماضي قيمة المكافأة المخصصة لأي معلومة تؤدي إلى اعتقال مادورو لتصل إلى 50 مليون دولار، بعد أن كانت قد بلغت 25 مليون دولار في عهد بايدن، و15 مليونًا قبل ذلك.

ويواجه الرئيس الفنزويلي اتهامات رسمية لدى القضاء الأمريكي تتعلق بـ"الإرهاب المرتبط بالمخدرات" و”جرائم تهريب” تعود إلى عام 2020.

كما تواصل واشنطن تقديم مكافآت أخرى، بينها 25 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي لاعتقال وزير العدل الفنزويلي ديوسدادو كابيجو روندون، و15 مليونًا مقابل معلومات حول وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو لوبيز.

عمليات سرية وتفويض استخباراتي

ضمن التصعيد النوعي، منح الرئيس ترامب وكالة الاستخبارات المركزية CIA في الشهر الماضي تفويضًا خاصًا يسمح لها بتنفيذ عمليات سرية داخل الأراضي الفنزويلية.

وبينما تقول مصادر داخل الإدارة الأمريكية إن الغزو العسكري البري مستبعد لأنه يتعارض مع شعار “أمريكا أولًا”، يحذر مراقبون من أن هذا التفويض قد يفتح الباب أمام تحركات خطيرة، تشمل عمليات تخريب أو استهداف شخصيات قريبة من السلطة.

ضغوط دبلوماسية واسعة

لم تقتصر الأدوات الأمريكية على الضربات والعمليات، بل شملت إجراءات دبلوماسية واسعة. فقد أكدت مصادر في إدارة بايدن السابقة أن وزارة الخارجية الأمريكية ألغت نحو 2000 تأشيرة لمسؤولين فنزويليين خلال عام 2024، على خلفية اتهامات تتعلق بالفساد وتقويض الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان.

كما فرضت إدارة ترامب قيودًا إضافية على منح التأشيرات لبعض فئات المواطنين الفنزويليين.

 

يبدو أن الوضع بين واشنطن وكاراكاس يتجه نحو مرحلة أكثر تعقيدًا، مع استخدام الولايات المتحدة مزيجًا من الضغط الاقتصادي، والعمل الاستخباراتي، والتلويح العسكري، والحملات القانونية لإضعاف نظام نيكولاس مادورو وإيجاد مسار جديد في فنزويلا.

وبينما تصف الحكومة الفنزويلية هذه الخطوات بأنها تدخل خارجي يستهدف سيادة الدولة، ترى الولايات المتحدة أنها إجراءات ضرورية “لحماية مصالحها” ومحاربة ما تصفه بشبكات الجريمة والفساد.

وبين هذا وذاك، تبقى فنزويلا أمام مستقبل سياسي غامض، وسط تزايد الضغوط الخارجية، واستقطاب داخلي لم تهدأ حدّته منذ أكثر من عقد.