مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الأزمة النووية الإيرانية.. تصاعد الضغوط وتضاؤل هامش المناورة

نشر
الأمصار

تجد إيران نفسها مجدداً في قلب أزمة متصاعدة مع الغرب، وسط ضغوط دولية متزايدة ومخاوف من انزلاق الوضع نحو مواجهة مفتوحة. 

فالقرار الأخير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والداعي إلى إعادة فتح المواقع النووية أمام المفتشين، شكّل خطوة تعكس مدى التوتر بين طهران والدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. 

ويأتي هذا القرار استناداً إلى التزامات إيران بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهو ما تعتبره طهران ورقة ضغط تُستخدم ضدها سياسياً وأمنياً.

ضغوط غربية متزايدة

تستخدم الدول الغربية قرار الوكالة الدولية كأداة ضغط متجددة، يمكن طرحها في كل اجتماع مقبل لمجلس محافظي الوكالة. 

وتعتقد هذه الدول أن إيران تماطل في فتح منشآتها النووية وتحدّ من وصول المفتشين، خصوصاً بعد استهداف ثلاثة مواقع نووية رئيسية: أصفهان، نطنز، وفوردو، خلال الهجمات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة.

وفي المقابل، تقول طهران إن كشف تفاصيل ما حدث في هذه المواقع للوكالة، وبالتالي لإسرائيل كما تزعم، أمر غير مقبول، وتتهم الوكالة بـ«التواطؤ»، وهو ما تنفيه الأخيرة بشدة.

ورغم توقيع «تفاهم القاهرة» بين إيران والوكالة في سبتمبر الماضي، والذي أتاح للمفتشين زيارة مواقع محدودة، أعلن وزير الخارجية عباس عراقجي أن هذا التفاهم «لم يعد قائماً»، مؤكداً صعوبة التعاون في ظل الظروف الأمنية الحالية ووجود ذخائر غير منفجرة ومخاطر إشعاعية في المواقع المستهدفة.

قلق غربي من غياب المفتشين

في المقابل، تتزايد مخاوف الدول الغربية من غياب الرقابة على البرنامج النووي الإيراني. وتشير تقديراتها إلى أن إيران امتلكت قبل الحرب نحو 440 كيلوغراماً من اليورانيوم عالي التخصيب، وتخشى أن تكون طهران استغلت الفترة التي أعقبت الهجمات لتسريع عمليات التخصيب والاقتراب أكثر من إنتاج السلاح النووي.

وقد أكدت الخارجية الفرنسية أن الوكالة «فقدت استمرارية معرفتها» بالأنشطة النووية في إيران، ما يزيد الشكوك حول طبيعة البرنامج.

ويرى مسؤولون أوروبيون أن إيران قد تكون تماطل في السماح للمفتشين بالعودة، في محاولة لكسب الوقت وتعزيز موقعها التفاوضي، مع السعي في الوقت ذاته إلى تقييد مهام الوكالة بدلاً من منحها حرية الحركة الكاملة.

مخاوف من التصعيد واحتمالات المواجهة

تدرك طهران أن التصعيد الحالي قد يفتح الباب أمام مواجهة عسكرية جديدة، خصوصاً في ظل الضغوط السياسية على الحكومة الإسرائيلية الحالية. ورغم تصريحات مسؤولين إيرانيين بأن بلادهم لا ترغب في حرب جديدة، فإن التوتر مع الوكالة الذرية وتعثر الحركة الدبلوماسية يشكلان أرضية خصبة لمغامرة عسكرية إسرائيلية، وربما بدعم أميركي غير معلن. 

ولا يبدو أن تفادي هذا السيناريو ممكن من دون العودة إلى طاولة المفاوضات، رغم أن الطريق إليها ليس معبداً حتى اللحظة.

التفاوض مع «الترويكا الأوروبية»: فائدة أم مناورة؟

رغم تصريحات عراقجي الأخيرة التي أكد فيها أن التفاوض مع الأوروبيين «لم يعد مفيداً»، وأن «الترويكا» أخطأت بتفعيل «آلية سناب باك» التي أعادت العقوبات الدولية، فإن طهران قد ترى فرصة في فتح قناة حوار جديدة مع الأوروبيين. فمع غياب أي تواصل مباشر مع واشنطن، يمكن أن يشكل الأوروبيون قناة لنقل الرسائل ولإظهار استعداد إيران للدخول في تفاهمات جديدة.

وفي الوقت ذاته، يتيح هذا المسار لطهران كسب الوقت بانتظار اتضاح مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة.

شروط متضاربة وعودة صعبة للمفاوضات

حتى الآن، لا تبدو شروط العودة إلى المفاوضات واضحة ولا متقاربة.

فإيران ترفض بشكل قاطع إدراج برنامجها الصاروخي أو سياساتها الإقليمية ضمن أي تفاوض، وتتمسك بحقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها، باعتبار ذلك حقاً تضمنه معاهدة عدم الانتشار. بينما تتمسك واشنطن بمبدأ «صفر تخصيب» وتعتبره شرطاً أساسياً لأي اتفاق جديد.

وزاد هذا الخلاف من فشل خمس جولات تفاوضية سابقة.

وتؤكد الدول الغربية أن إيران انتهكت التزامات الاتفاق النووي لعام 2015 عبر رفع نسبة التخصيب إلى 60 في المائة وتجاوز الكميات المسموح بها مرات عديدة من دون سبب مقنع، ما يفاقم انعدام الثقة بين الطرفين.

ضيق الخيارات واعتماد مقاربة جديدة

في ظل الانسداد السياسي واختفاء قنوات التواصل الفعالة، تدعو طهران اليوم إلى اعتماد «مقاربة جديدة» مع الوكالة الدولية تمكّن المفتشين من دخول المواقع المتضررة. وأوضح عراقجي أن المخاطر الأمنية والتهديدات المستمرة تجعل من الضروري وضع إطار جديد للتفتيش.

ومن المنتظر أن يشارك عراقجي في اجتماع «منتدى مسقط» في سلطنة عُمان، إضافة إلى حضوره اجتماعات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، وهي زيارات قد تشكل فرصة لفتح قنوات حوار جديدة أو تمرير رسائل دبلوماسية غير مباشرة.

خلاصة المشهد

تواجه إيران اليوم ضغوطاً دولية شديدة، ومخاطر أمنية متزايدة، وانسداداً دبلوماسياً قد يقود إلى مزيد من التصعيد. وفي ظل غياب الثقة المتبادلة، تبدو العودة إلى المفاوضات صعبة، لكنها تبقى الخيار الأقل كلفة لجميع الأطراف.

وبينما تحاول طهران كسب الوقت وتثبيت مواقعها التفاوضية، يصر الغرب على فتح المنشآت أمام المفتشين كشرط أولي لا تنازل عنه، ما يجعل الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد اتجاه الأزمة، إما نحو التهدئة، أو نحو مرحلة أخطر من المواجهة.