مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

محمد شياع السوداني.. رهان الخبرة والإصلاح في مواجهة تحديات العراق الانتخابية

نشر
الأمصار

مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في العراق المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تزداد الأنظار تركيزًا على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي يخوض أحد أهم الاستحقاقات السياسية في تاريخ البلاد الحديث.

 فالرجل الذي تولى رئاسة الحكومة عام 2022 بعد أزمة سياسية طويلة، يراهن على خبرته الإدارية والسياسية في إدارة شؤون العراق، ساعيًا لتجديد ولايته وفرض رؤيته للإصلاح والاستقرار في بلد أنهكته الصراعات والانقسامات.

السوداني بين الشعبية والاختبار الأصعب

يُعد محمد شياع السوداني، البالغ من العمر 55 عامًا، أحد أكثر القادة العراقيين حضورًا في المشهد العام خلال السنوات الأخيرة، إذ نجح في تعزيز صورته لدى فئات واسعة من الشعب العراقي من خلال وعوده بتحسين الخدمات الأساسية، واهتمامه بتطوير البنية التحتية، وزيادة فرص التوظيف في القطاع العام.
ويرى مراقبون أن السوداني تمكن من استعادة ثقة جزء كبير من الشارع العراقي، الذي طالما فقد الأمل في قدرة أي حكومة على إحداث تغيير ملموس.

لكن هذه الشعبية المتنامية تصطدم بواقع سياسي معقد، فالنظام العراقي القائم على التحالفات البرلمانية يجعل من الصعب لأي حزب أو ائتلاف أن يشكل حكومة منفردة، في ظل برلمان يتألف من 329 مقعدًا تتقاسمها عشرات الكتل السياسية. 

وهذا يعني أن نجاح السوداني في الانتخابات لا يقتصر على الفوز بعدد المقاعد، بل يتطلب نسج تحالفات جديدة تضمن له الاستمرار في السلطة وتطبيق برنامجه الإصلاحي.

ائتلاف الإعمار والتنمية.. أداة السوداني نحو التغيير

يقود السوداني ائتلاف الإعمار والتنمية، الذي يسعى إلى تقديم نفسه كقوة وطنية وسطية بعيدة عن الانقسامات الطائفية والسياسية التي أنهكت العراق لعقود.
ويركز الائتلاف على مشروعات التنمية والخدمات وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي ملفات تمس حياة المواطن اليومية بشكل مباشر.

وتعتمد حملة السوداني على رسائل واضحة تؤكد أنه الرجل القادر على تحقيق التوازن في علاقات العراق الخارجية، خصوصًا بين واشنطن وطهران، اللتين لطالما شكلتا محورًا حساسًا في السياسة العراقية ويؤكد رئيس الوزراء أن العراق يمكنه أن يكون جسرًا للتفاهم بين القوتين بدلًا من ساحة للصراع.

توازن دقيق بين واشنطن وطهران

منذ توليه منصبه، حاول السوداني أن يسير على خيط رفيع بين القوتين المتنافستين على النفوذ في العراق. فبينما يسعى إلى الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، التي تمتلك وجودًا عسكريًا في البلاد، فإنه لا يريد خسارة دعم إيران التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع معظم الأحزاب الشيعية المؤثرة.

هذا التوازن الدقيق لم يكن سهلًا. ففي عامي 2023 و2024، شهدت البلاد توترات على خلفية هجمات نفذتها فصائل مسلحة موالية لإيران ضد القوات الأمريكية احتجاجًا على الحرب الإسرائيلية على غزة. وعلى الرغم من مناشدات السوداني لوقف هذه الهجمات حفاظًا على الاستقرار، تجاهلت بعض الفصائل دعواته، مما أظهر حدود سلطته السياسية أمام النفوذ العسكري غير الرسمي لتلك الجماعات.

السوداني وإرث ما بعد 2003

 

ولد محمد شياع السوداني في 4 مارس 1970 في العاصمة بغداد، وينحدر من عائلة من محافظة ميسان جنوب العراق.
نشأ في ظل حكم صدام حسين، وعمل مشرفًا زراعيًا، رغم أن والده وأقارب آخرين قُتلوا بسبب معارضتهم السياسية للنظام آنذاك.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، بدأ السوداني مسيرته السياسية بتدرج لافت، إذ شغل مناصب عدة بينها رئيس بلدية، ومحافظ، ووزير، وصولًا إلى رئاسة الوزراء عام 2022.

ويُعتبر السوداني من بين القلائل الذين لم يغادروا العراق خلال سنوات الاضطراب التي تلت الغزو الأمريكي، على عكس كثير من السياسيين الذين عادوا لاحقًا بجنسيات أجنبية.
هذا البقاء في الداخل عزز صورته كـ"رجل الدولة القريب من الشعب"، العارف بتفاصيل معاناة العراقيين وتحديات بلدهم.

السيطرة على السلاح وإصلاح الدولة

من أبرز الملفات التي تضع السوداني أمام اختبار حقيقي ملف السلاح خارج سيطرة الدولة، خصوصًا أن العديد من تلك الفصائل المسلحة ترتبط بتحالفات سياسية داخل البرلمان.
ورغم الضغوط الأمريكية المتزايدة لدمج تلك القوى في المؤسسات الرسمية أو نزع سلاحها، يرى السوداني أن أي عملية من هذا النوع لن تنجح في ظل بقاء التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والذي تعتبره بعض الفصائل "قوة احتلال".

في الوقت ذاته، يتفاوض رئيس الوزراء مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية من البلاد، في خطوة تهدف إلى تعزيز السيادة العراقية وتقليل التوترات الداخلية والخارجية.

إصلاح الاقتصاد والخدمات

على الصعيد الاقتصادي، تعهد السوداني بإصلاح النظام المالي الهش والمعرض للفساد من خلال تطوير البنوك الحكومية وتعزيز نظام المدفوعات الرقمية. كما أطلق خطة طموحة لزيادة إنتاج الكهرباء وإنهاء الانقطاعات المتكررة التي عانى منها العراقيون لعقود.
إلى جانب ذلك، اعتمد على سياسة التحفيز عبر الإنفاق العام، حيث أقر أكبر ميزانية في تاريخ العراق، واستفاد من ارتفاع إيرادات النفط لتوظيف مئات الآلاف من المواطنين في القطاع العام.

ورغم أن هذه السياسة أكسبته شعبية كبيرة في الشارع، يرى بعض المراقبين الماليين أنها غير مستدامة على المدى الطويل، وقد تؤدي إلى ضغط متزايد على الاقتصاد العراقي إذا تراجعت أسعار النفط عالميًا.

التحدي الحقيقي.. بناء الثقة والإصلاح الجذري

يؤكد محللون أن نجاح السوداني في تحقيق تغيير جذري يتوقف على قدرته على التحرر من تأثير الأحزاب التي أوصلته إلى الحكم.
ويرى الباحث العراقي حيدر الشاكري من مركز "تشاتام هاوس" أن السوداني يمتلك رؤية واضحة وقدرات قيادية مميزة، لكنه لا يزال مقيدًا بالتحالفات السياسية المعقدة التي تحكم المشهد العراقي.
وأضاف أن الانتخابات المقبلة تمثل فرصة نادرة له لإثبات استقلاليته وتنفيذ رؤيته الإصلاحية بعيدًا عن إملاءات القوى التقليدية.

هل ينجح السوداني في إعادة تعريف القيادة العراقية؟

من الواضح أن محمد شياع السوداني يسعى إلى إعادة تعريف مفهوم القيادة في العراق من خلال الدمج بين الخبرة الإدارية والمرونة السياسية.
فهو لا يقدّم نفسه كزعيم ثوري، بل كإداري عملي قادر على إدارة الملفات المعقدة بعقلانية.
وتتمثل معضلته الكبرى في كيفية التعامل مع شبكة المصالح المتداخلة التي تحيط بالنظام السياسي العراقي، وفي قدرته على إقناع المواطنين بأن إصلاحاته ليست مجرد وعود انتخابية، بل خارطة طريق واقعية لمستقبل أفضل.

السوداني والانتخابات.. لحظة الحسم

مع اقتراب موعد التصويت، يحتدم التنافس بين السوداني وعدد من القادة السياسيين المنتمين إلى أحزاب شيعية وسنية وكردية، في مشهد يعكس التنوع والتوتر في آن واحد.
ويراهن السوداني على خبرته الحكومية واستقراره السياسي في مواجهة منافسين يتبنون خطابات أكثر حدة أو شعارات احتجاجية.
ويرى مراقبون أن أي نتيجة تتيح له الحصول على أكبر كتلة برلمانية منفردة ستعزز موقفه في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة.

في المقابل، لا تزال قوى الحراك الشعبي التي قادت مظاهرات عام 2019 تحتفظ بموقفها الحذر، معتبرة أن أي تغيير حقيقي يتطلب إصلاحًا جذريًا للنظام السياسي برمّته وليس فقط استبدال الوجوه.

 

بين رهانه على خبرته وحرصه على تحقيق الاستقرار، يقف محمد شياع السوداني أمام لحظة حاسمة في مسيرته السياسية.
فإما أن ينجح في تجديد الثقة به ويدشن مرحلة جديدة من الإصلاح والتنمية المتوازنة، أو يجد نفسه في مواجهة مشهد سياسي جديد أكثر تعقيدًا مما كان عليه عندما تولى المنصب قبل ثلاث سنوات.

ومهما كانت نتيجة الانتخابات المقبلة، فإن تجربة السوداني ستظل علامة فارقة في السياسة العراقية الحديثة، بوصفها محاولة جادة للجمع بين الواقعية والإصلاح في بلد لا يزال يبحث عن توازنه بعد عقدين من الاضطرابات.