مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. أنمار الدروبي يكتب: دوافع قيام التكتلات الاقتصادية وآثارها على الاقتصاد العالمي

نشر
الأمصار

 كان لانتشار التكتلات الاقتصادية بشكل متزايد آثار متعددة، وقد دفع هذا الانتشار إلى سؤال عن الدوافع والأسباب التي تؤدي الدول إلى طرح مبادرات الانخراط في مثل هذه التكتلات.

 

 وقد تنوعت أسباب قيام التكتلات ما بين أسباب اقتصادية تهدف إلى تجميع الإمكانيات الاقتصادية للدول الأعضاء وإزالة العقبات أمام انسياب حركة رؤوس الأموال والعمالة، لزيادة معدلات عوائد التجارة الخارجية التي تسهم في دفع عملية التنمية الاقتصادية، وأخرى غير اقتصادية تتمثل في نشر السلام والاستقرار وتسوية المنازعات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة العسكرية كما هو الحال في تجمع الآسيان، ومنها ما يجمع الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، كما في نموذج دول مجلس التعاون الخليجي.
أولا. الدوافع الاقتصادية:
يعد العمل على توسيع الأسواق من أهم الدوافع الاقتصادية لإقامة التكتلات، حيث تؤدي زيادة حجم السوق إلى الاستفادة من مزايا التخصص كما تزيد من فرص الاستثمار. لقد كانت معظم الدوافع التي تم التركيز عليها لدخول الدول تكتلات اقتصادية في بداية الأمر ذات طابع اقتصادي بحت، وذلك من خلال البحث عن المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن يحققها التكامل بين اقتصاديات الدول.
فهناك دول ترى أنها ستحصل على العديد من المكاسب المستمدة من نظريات التكامل الاقتصادي، وبعض الدول تركز على مكاسب التجارة العالمية، والبعض الآخر يهتم باتفاقيات السياسة التفضيلية. وقد يؤدي التكتل الاقتصادي إلى خلق مناخ ملائم للتنمية الاقتصادية، حيث يأخذ على عاتقه تهيئة الجو الملائم للتنمية، فهو يضمن التنسيق بين السياسات الاقتصادية واستقرار الأوضاع الاقتصادية للدول الأعضاء، والتنسيق أيضا بين مشروعات التنمية الإقليمية، من خلال استغلال الإمكانيات الاقتصادية للدول الأعضاء مستفيدة بذلك من أتساع السوق ووفرة العمالة وفرص التشغيل.
ومن بين الدوافع الاقتصادية الأخرى للتكتلات يمكن أن تؤخذ كضمانة ضد الأحداث الاقتصادية المستقبلية، فقد تلجأ الدول للانضمام إلى تكتل إقليمي وذلك من أجل مواجهة المخاطر والأحداث التي قد تتعرض لها في المستقبل، فيصبح التكتل بمثابة التأمين أو الضمان ضد الأحداث غير المتوقعة. لهذا يذهب البعض للقول" بأن الدول النامية تتحمس للانضمام إلى تلك التكتلات بغية أن تتجنب أي حرب تجارية مستقبلية يمكن أن تكون تلك الدول الخاسر الأكبر فيها، لذلك نجد اتفاقية (النافتا)، لم تخلو من هذه الدوافع، فإقدام كندا على إبرام ذلك الاتفاق كضمان لصادراتها ضد رسوم الإغراق والرسوم التعويضية التي كانت من المحتمل أن تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية في حالة عدم وجود الاتفاق. وفي المقابل يعتبر ضمان الولايات المتحدة ضد السياسات الكندية في مجال الطاقة والتي كانت تتعارض مع المصالح الأمريكية". (محمد إبراهيم الشافعي، التكتلات الاقتصادية الإقليمية وآثرها على النظام التجاري العالمي، ص16) كما تدفع التكتلات الاقتصادية إلى تحسين مستوى الرفاه الاجتماعي، وكذلك يمكن أن تؤدي هذه التكتلات إلى تغيير وتحسين معدلات التبادل التجاري لصالح دول التكتل، بالإضافة إلى مختلف الدوافع الاقتصادية آنفة الذكر، هناك دوافع اقتصادية أخرى يمكن أن تدفع الدول للانضمام إلى تكتلات اقتصادية مثل تنسيق السياسات الضريبية والمالية، تنسيق السياسات النقدية، تنسيق السياسات الإنتاجية، وبناء اقتصاد قوي يقلل من اعتماد دول التكتل على غيرها، مع استقرار السياسات الاقتصادية وذلك من خلال توافر السلع والعمالة وانخفاض الأسعار.
ثانيا. الدوافع السياسية:
  ﻗد ﯾﻛون اﻟــداﻓﻊ وراء إﻗﺎﻣــﺔ اﻟﺗﻛﺗــل هو سياسي ﺑﺎﻟدرﺟــﺔ اﻷوﻟــﻰ، كما حدث عندما أدرك زﻋﻣﺎء أورﺑﺎ ﺧطورة تزايد اﻟوزن النسبي للولايات المتحدة الأمريكية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومن ﺛم أﺟﻣﻌوا ﻋﻠﻰ ﺿرورة إﻗﺎﻣﺔ ﺗﻛﺗل اﻗﺗﺻﺎدي أورﺑﻲ يستطيع مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. وﻛﻣــﺎ ﻓﻌﻠﺗــﻪ أيضا الولايات اﻟﻣﺗﺣــدة لضم المكسيك وﻛﻧــدا ﻓــﻲ ﻣﻧطﻘــﺔ ﺗﺟــﺎرة ﺣــرة، وذلك للاستفادة من السوق المكسيكية الواسعة لكي تسد الطريق أمام أوربا واليابان للدخول إلى السوق المكسيكية، وكما هو الحال أيضا لقيام تكتل الآسيان، الذي كان الدافع السياسي من إنشاءه، هو لمواجهة التوسع الشيوعي. 
فمن خلال أيضا تشابك العلاقات الاقتصادية التي تساعد على ارتباط الدول الأعضاء وزيادة اﻟﺛﻘﺔ ﺑﯾﻧﻬﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺗﻛﺎﻣﻠﯾﺔ، فإن ﻫذﻩ اﻟدول ﺗﺗﺟﻧب اﻟﺧطر السياسي، وخير مثال على ذلك حل الصراعات التي كانت قائمة بين فرنسا وألمانيا بعد تأسيس المجموعة الأوروبية للفحم والصلب عام 1951م، وقد تكون الوحدة السياسية هي الهدف الأسمى الذي تسعى إلى تحقيقه الدول المنظمة إلى تكتل اقتصادي، أي أن هذا الأخير يمثل تمهيدا لإقامة تكامل سياسي إلا أنه في المقابل قد يحدث من وراء التكامل أثر معاكس، وبالتالي ترتفع درجة عدم الاستقرار والخلافات بين الدول الأعضاء نتيجة لمشاكل قد يخلقها التكامل الاقتصادي.
من هنا تشكل الدول تكتلات لأسباب غير اقتصادية، وذلك لتعزيز الأمن القومي والسلام العالمي، والمساعدة في تطوير المؤسسات السياسية والاجتماعية. لقد بحث علماء السياسة في استخدام الدبلوماسية التجارية من خلال سياق إقليمي، وتوصلوا إلى أن العلاقات التجارية قد تساعد على إنشاء علاقات سياسية بين الدول الأعضاء بتطوير وسائل التحكم في الصراع بينهما.
ومن الدوافع السياسية أيضا التي أدت إلى قيام التكتلات الاقتصادية هي، بروز مفهوم الحوكمة العالمية الذي أرسى مبادئ الشفافية في الرقابة والمساءلة والمشاركة السياسية. ومن خلال هذه المبادئ أصبح للدول شركاء يتقاسمون فيما بينهم الأدوار والمسؤوليات لتحقيق الرفاه الاقتصادي للشعوب، ومن بين هذه المبادئ التي أرستها الحوكمة العالمية هي، الانفتاح والشفافية، مما أدى إلى خضوع المؤسسات العامة بأن تكون أكثر انفتاحا على مختلف الفواعل وتقديم معلومات موثوقة ذات صلة بالأنشطة التي تقوم بها في الوقت المناسب والتواصل المستمر مع المواطنين حول أنشطتها وقراراتها.
والمبدأ الآخر والمهم في مفهوم الحوكمة هو، المشاركة، إذ ينبغي على المؤسسات العامة تقبل الآراء من المواطنين وباقي الشركاء. ومن الأسباب الأخرى والمهمة في انتشار التكتلات الاقتصادية هي، موجة الديمقراطية التي عرفتها الكثير من الدول، ففي فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي كانت هناك عديد من الأنظمة التسلطية وقليل من الأنظمة الديمقراطية، هذا التنوع بين الأنظمة السياسية منع تحديد أهداف السياسة المشتركة بين الدول، بالرغم من أنه كانت هناك محاولات لتحقيق التكتل الاقتصادي، إلا أن معظمها كان مصيره الفشل.
ويرى بعض الباحثون أن الضغوطات التي تمارسها القوى الكبرى على الدول خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، جعلت الدول الأقل قوة خاصة دول الشرق الأوسط تعمل على إقامة تكتلات اقتصادية وإبرام الاتفاقيات من أجل مواجهة الضغوط عن طريق توحيد سياساتها وتعزيز قوتها في المحافل الدولية.

ثالثا. الدوافع الأمنية:
يمثل الاستقرار اﻷﻣﻧﻲ ﻛﻬدف" ﻗد ﯾدﻓﻊ ﺑﻌض اﻟدول ﻟﻌﻘد اتفاقيات إقليمية ﻟﻬذا ﯾﻛون اﻟداﻓﻊ وراء ﺿم دول معينة ﻟﻠﺗﻛﺗل داﻓﻌﺎ أمنيا ورغبة الحكومات في المحافظة على سيادتها بالتعاون مع دول أخرى. هكذا تم مع مجتمع الفحم والصلب الأوربي والمجتمع الأوربي. فالطريق غير المباشر لتقوية الأمن من خلال تكامل اقتصادي يعتبر خطوة أولية أساسية، وكذلك اتجاه الاتحاد الأوروبي لضم دول جنوب البحر المتوسط في اتفاقات ثنائية واتفاقات شراكة رغبة منه في تأمين الجنوب وتجنب المشكلات التي يمكن يصدرها له". (عبد الوهاب رميدي، التكتلات الاقتصادية الإقليمية في عصر العولمة وتفعيل التكامل الاقتصادي في الدول النامية، ص39)