مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

من التهديد إلى التفاهم..واشنطن تدرس مبادرة حوار جديدة مع كوريا الشمالية

نشر
الأمصار

في خطوة غير مسبوقة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ كوريا الشمالية أصبحت «قوّة نووية نوعًا ما» — وهو ما شكّل اعترافًا ضمنيًا من واشنطن بوضع بيونغيانغ العسكري النووي، وأثار تساؤلات عن احتمال عقد لقاء مباشر بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، لأول مرة منذ سنوات.

يأتي هذا التصريح بينما كان ترامب متوجّهًا إلى آسيا للمشاركة في فعالية منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا-المحيط الهادئ (APEC)، حيث من المنتظر أن يزور كوريا الجنوبية، ويبدو أن الملف الكوري الشمالي يتصدّر أجندته.

 

لماذا هذا الاعتراف مهم؟

يُعد تصرّح ترامب بأن كوريا الشمالية «قوّة نووية نوعًا ما» أمرًا مفاجئًا مقارنة بالخطاب الأميركي المعتاد، الذي كان يشدّد على أن البرنامج النووي الكوري الشمالي يجب أن يُبدّل أو يُعطّل بالكامل، وليس أن يُعترف به كحقيقة قائمة.

بإعلانه هذا، يلقي ترامب بظلال من الشكّ حول ثوابت السياسة الأميركية السابقة التي طالبت دي جور بإخلاء بيونغ يانغ من ترسانتها النووية، ويوحي بأن الأبواب قد تُفتح لنوع من التفاهم أو الحوار، ربما بإطار تفاوضي جديد ليس متعلّقًا بإزالة الأسلحة فحسب، بل ربما بإيجاد وضع تفاوضي جديد.

 

ماذا قال ترامب تحديدًا؟

أثناء وجوده على متن الطائرة الرئاسية متوجّهًا إلى آسيا، طُلب من ترامب التوضيح حول ما إذا كان منفتحًا على طلب كوريا الشمالية بأن يُعترف بها كدولة نووية كشرط مسبق للحوار مع الولايات المتحدة، فقال:«أظنّ أنها قوّة نووية نوعًا ما (…) لديهم الكثير من الأسلحة النووية، سأقول ذلك».

هذا التعبير البسيط «قوّة نووية نوعًا ما» لاقى اهتمامًا على نطاق واسع لأنه يمثّل — على ما يبدو — خطوة نحو تغيير لهجة واشنطن تجاه الملف الكوري الشمالي، أو على الأقل اختبار لما يمكن قوله رسميًا في مثل هذه القضايا الحسّاسة.

 

الخلفية التاريخية للعلاقة بين الطرفين

العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية أخذت منعطفًا دراماتيكيًا منذ تولي ترامب الرئاسة في ولايته الأولى؛ إذ شهدت لقاءات تاريخية مع كيم جونغ أون في عامي 2018 و2019، ومن ضمنها لقاء مفاجئ على الحدود بين الكوريتين.

لكن تلك المباحثات انهارت في نهاية المطاف بسبب فشل الاتفاق على مدى الأسلحة النووية التي ينبغي على بيونغ يانغ التخلي عنها، وما المقابل الذي ستمنحه واشنطن لكوريا الشمالية.

منذ ذلك الحين، كثّفت كوريا الشمالية من تجاربها الصاروخية والنووية، ووصفت وضعها النووي بأنه «لا رجعة فيه»، مما زاد من درجة التوتر في شبه الجزيرة الكورية والمنطقة عموماً.

 

ماذا يعني هذا التصريح على أرض الواقع؟

أولًا: تغيير لهجة سياسيّة
هذا الاعتراف — ولو بصيغة “نوعًا ما” — يُعَدّ تغييرًا في لهجة واشنطن؛ فمن دون القول صراحة “نحن نعترف بأنكم دولة نووية”، يقول ترامب إنهم بالفعل “قوّة نووية إلى حدّ ما”. هذا الأمر قد يُفسّر على أنه ترك مساحة أكبر للحوار أو سقف تفاوض جديد، وليس بالضرورة قبولًا نهائيًا كدولة نووية معترف بها دولياً.

ثانيًا: فتح الباب للقاء محتمل
تصريح ترامب أتى في سياق تأكيده أنه «منفتح على لقاء» مع كيم جونغ أون، رغم أن مسؤولاً أميركيًا كبيرًا قال إن أي اجتماع ليس مدرجًا حتى الآن في جدول الزيارة إلى كوريا الجنوبية. 
وبحسب تصريحات وزير التوحيد في كوريا الجنوبية، هناك «فرصة كبيرة» بأن يلتقي ترامب وكيم خلال الزيارة، لكن لم تُحدّد التفاصيل بعد.

ثالثًا: تأثير على السياسة النووية والمفاوضات
التحوّل المحتمل في الخطاب الأميركي من «إخلاء تام» إلى خطاب أكثر مرونة قد يُفسّر على أنه تحضير لتفاهمات مؤقتة أو تجميد مؤقت للتصعيد النووي. وكوريا الشمالية نفسها قد أبدت مؤخرًا استعدادًا للحوار بشرط أن تتوقف واشنطن عن «مطالبة غير واقعية» ببدء من التسليم بسلاح نووي موجود.

ردود الفعل المحتملة والمخاطر

– من المرجّح أن يقرأ المراقبون في هذا التصريح إشارة إلى احتمال «تغيير تكتيكي» في استراتيجية العقوبات الأميركية تجاه بيونغ يانغ، وربطها بحوافز اقتصادية أو لتخفيف التوتر على شبه الجزيرة الكورية.
– في المقابل، قد تُفسّر كوريا الجنوبية واليابان — الحليفان الرئيسيان لواشنطن في المنطقة — هذا التحوّل بحذر شديد، خشية أن يُفسَّر بأنه تخلي غير معلن عن مطلب تخلي كوريا الشمالية عن ترسانتها النووية.
– كما أن كوريا الشمالية قد تستخدم هذا التصريح كدفعة داخلية، لتأكيد موقفها بأنها وصلت إلى وضع “دولة نووية حقيقية” وتستخدم ذلك كأداة ضغط في المفاوضات.
– ولكن يبقى الأمر محفوفًا بالمخاطر: أي لقاء مباشر بين ترامب وكيم من دون اتفاق مسبق واضح أو ضمانات قد يؤدي إلى انتكاسة أو مفاجأة تصعيدية، لا سيّما إذا اعتبرت كوريا الشمالية أن الاعتراف “نوعًا ما” يمنحها ما تريده مادياً أو دبلوماسياً.

 

السياق الإقليمي والدولي

مقابل هذا التطور، يشهد الشرق الأقصى حركة دبلوماسية نشطة، حيث أن ترامب يزور آسيا (ماليزيا، اليابان، كوريا الجنوبية) ضمن جولة تستهل بالتركيز على الملف التجاري مع الصين، ثم أمن شبه الجزيرة الكورية.

على جانب آخر، كوريا الشمالية أعلنت مرات عدة أنها لا تعتزم التخلي عن أسلحتها النووية، وصفت سياسة واشنطن بأنها «هوس غير واقعي» بالتخلّص من ترسانتها. 
وهذا يعني أن حالة الجمود التي سادت العلاقة بين الطرفين منذ انهيار المباحثات بعد 2019 لا تزال حاضرة، ولكن تصريحات ترامب قد تفتح نافذة لإعادة فتحها.

 

ماذا بعد؟ السيناريوهات المتوقّعة

  1. لقاء مباشر بين ترامب وكيم: قد يُعقَد لقاء “رمزي” في منطقة مثل بانمونجوم، وقد يُعلن خلاله عن “خطوة أولى” تُمهّد لمفاوضات أكبر، ربما تشمل تجميدًا مقابل إعفاءات جزئية من العقوبات.
  2. إطار تفاوضي جديد غير مطروح فيه التخلي الكامل عن السلاح النووي: هذا الأمر قد يجذب كوريا الشمالية لكنه يثير تحفظات تاريخية من واشنطن وتحالفاتها.
  3. لا لقاء لكن تغيّر في الخطاب الأميركي: حتى من دون اجتماع مباشر، إعلان ترامب قد يُستخدَم كأداة ضغط لدفع بيونغ يانغ نحو تجميد أو خفض تدريجي في نشاطاتها النووية.
  4. تصعيد بدلاً من تهدئة: في حال فسّرت كوريا الشمالية تصريح ترامب باعتراف فعلي، أو وجدت أن التفاوض لا يؤدي إلى مكاسب ملموسة، فقد تستأنف أنشطتها النووية والصاروخية بوتيرة أكبر.

 

تصريح ترامب بأن كوريا الشمالية «قوّة نووية نوعًا ما» يمثل علامة فارقة في العلاقة بين واشنطن وبيونغ يانغ، ليس فقط باعتباره تحولًا في صياغة الخطاب الرسمي الأميركي، بل بفضل ما يحمله من تداعيات دبلوماسية محتملة. فتح الباب لحوار جديد، أو تغيير تكتيكي في الموقف الأميركي، يضع الملف النووي الكوري الشمالي مرة أخرى في بؤرة الاهتمام الدولي.