مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

أوكرانيا وأزمات الشرق الأوسط على طاولة قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل

نشر
الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي

انطلقت، أمس الخميس، في العاصمة البلجيكية بروكسل أعمال قمة الاتحاد الأوروبي، بمشاركة قادة الدول الأعضاء، لبحث عدد من الملفات الدولية الملحة، على رأسها الحرب في أوكرانيا، وتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية، إلى جانب التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، ولا سيما الوضع في قطاع غزة.

وتأتي القمة وسط تجاذبات سياسية بين الدول الأوروبية بشأن كيفية إدارة الدعم لكييف، وتوزيع الأعباء المالية والعسكرية داخل التكتل الأوروبي، بالإضافة إلى الانقسامات حول سبل التعامل مع تداعيات الصراع في الشرق الأوسط، وتأثيره على الأمن الإقليمي والعالمي.

دعم أوكرانيا في صدارة القمة

احتل الملف الأوكراني صدارة جدول أعمال القمة، إذ ناقش القادة الأوروبيون ما وصفوه بـ "الخطوات الملموسة لتعزيز الدعم لكييف وزيادة الضغط على موسكو" بهدف تحقيق سلام عادل ودائم.

وبحسب الموقع الإلكتروني للمجلس الأوروبي، فإن النقاشات ركزت على سبل تمويل أوكرانيا في السنوات المقبلة، بما في ذلك الاحتمالات المتعلقة باستخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم جهود الإعمار والمساعدات الإنسانية والعسكرية.

ومنذ اندلاع الحرب في فبراير/شباط 2022، قدم الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء 177.5 مليار يورو كمساعدات لأوكرانيا، منها 63.2 مليار يورو في شكل دعم عسكري مباشر، لتكون أوروبا بذلك أكبر داعم لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة.

وفي خطاب الدعوة الرسمي للقمة، قال رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا إن الاتحاد يواصل متابعة "الهجمات الروسية الشرسة ضد المدنيين والبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا"، مضيفًا أن القادة سيناقشون سبل تكثيف الدعم المالي والسياسي والعسكري لكييف، مع التأكيد على التزامهم الثابت بمواصلة المساندة "طالما تطلب الأمر ذلك".

وأشار كوستا إلى أن تحقيق السلام "يتطلب استمرار الضغط على روسيا ومواصلة دعم أوكرانيا بكل الوسائل الممكنة"، مؤكداً أن القادة سيستمعون في مستهل النقاش إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر تقنية الاتصال المرئي، لتقديم آخر التطورات الميدانية والاحتياجات الملحّة لبلاده.

نقاش حول الأصول الروسية المجمدة

تطرق الزعماء كذلك إلى قضية الأصول الروسية المجمدة في البنوك الأوروبية، والتي تقدر بمئات المليارات من اليورو، إذ يسعى الاتحاد لاستخدام العوائد المتولدة عنها لتمويل دعم أوكرانيا على المدى الطويل، مع الحفاظ على الإطار القانوني الدولي.

ويدور الجدل داخل التكتل حول مدى قانونية استخدام هذه الأموال، حيث تخشى بعض الدول الأعضاء من أن يؤدي القرار إلى توترات دبلوماسية واقتصادية مع موسكو، أو أن يعرّض الاستثمارات الأوروبية في الخارج لمخاطر مماثلة.

ومع ذلك، أكدت مصادر أوروبية أن هناك توجهاً متزايداً داخل الاتحاد لاستخدام الفوائد المتحققة من الأصول الروسية المجمدة في تمويل حزم دعم جديدة لكييف، وهو ما اعتبره مسؤولون خطوة "سياسية واقتصادية متوازنة" لتقوية الموقف الأوكراني دون المساس المباشر بالأموال المجمدة.

الشرق الأوسط على طاولة القمة

وفي موازاة الملف الأوكراني، خصص قادة الاتحاد الأوروبي جزءاً مهماً من القمة لمناقشة التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص الوضع الإنساني في قطاع غزة، ونتائج قمة شرم الشيخ للسلام التي استضافتها جمهورية مصر العربية في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

ووفق البيان التحضيري للمجلس الأوروبي، تطرق الزعماء إلى المقترحات الأمريكية الأخيرة التي تقدم بها الرئيس دونالد ترامب بشأن إعادة إطلاق عملية السلام في غزة، حيث أكد القادة الأوروبيون دعمهم لأي مبادرة تضمن إحلال سلام عادل ودائم يستند إلى حل الدولتين.

كما ناقشت القمة سبل دعم جهود الوساطة الإقليمية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الجهود المصرية والأردنية والقطرية، لإطلاق سراح جميع الرهائن وإنهاء دوامة العنف التي تهدد استقرار المنطقة.

وأعرب المشاركون عن قلقهم البالغ من تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، داعين إلى تسهيل دخول المساعدات الإنسانية وضمان وصولها إلى المدنيين دون عوائق. وأكدوا في الوقت ذاته ضرورة التزام جميع الأطراف بالقانون الدولي الإنساني، ووقف استهداف البنى التحتية المدنية.

وشددت المفوضية الأوروبية على أن التكتل سيواصل تقديم الدعم المالي والإنساني للمنظمات العاملة في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب العمل الدبلوماسي المكثف لإحياء عملية السلام، مشيرة إلى أن إعادة إعمار غزة ستكون أولوية في المرحلة المقبلة بعد تثبيت وقف إطلاق النار.

تعزيز الدفاع الأوروبي في مواجهة التحديات

وفي ملف آخر، بحث القادة الأوروبيون جاهزية الاتحاد الدفاعية وسبل تطوير القدرات العسكرية المشتركة، في ظل تسارع التغيرات الأمنية والجيوسياسية حول العالم، بما في ذلك التهديدات السيبرانية والطائرات المسيّرة والهجمات المختلطة.

وذكّر رئيس المجلس الأوروبي في كلمته بضرورة البناء على ما تحقق منذ الاجتماع غير الرسمي في كوبنهاغن في فبراير/شباط الماضي، ودعا إلى تحويل المناقشات إلى التزامات وقرارات عملية تتعلق بمشاريع القدرات الدفاعية المشتركة والحوكمة داخل الاتحاد.

وأشار كوستا إلى أن المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للسياسة الخارجية سيقدمان قريباً خارطة طريق حول الاستعداد الدفاعي لعام 2030، لتكون مرجعاً أساسياً في وضع سياسات الدفاع الأوروبية في العقد المقبل.

وأوضح أن الهجمات المختلطة ومشاهدات الطائرات بدون طيار قرب المنشآت الحيوية الأوروبية، إضافة إلى التوغلات المتكررة في المجال الجوي للدول الأعضاء، تعد مؤشرات خطيرة على الحاجة الملحة لتسريع تنفيذ استراتيجية الدفاع الأوروبي.

وبحسب بيانات الاتحاد الأوروبي، بلغ إجمالي الإنفاق الدفاعي عام 2024 نحو 343 مليار يورو، بزيادة قدرها 19% مقارنة بعام 2023، و37% مقارنة بعام 2021، ما يعكس التوجه المتصاعد نحو إعادة تسليح أوروبا وتعزيز استقلالها الدفاعي ضمن خطة "الاستعداد الدفاعي 2030".

كما يناقش القادة إمكانية تفعيل أداة العمل الأمني لأوروبا (SAFE)، وهي مبادرة تهدف إلى تحسين التنسيق العسكري بين الدول الأعضاء، وتمويل مشاريع مشتركة لتطوير القدرات الدفاعية والتقنيات المتقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة.

توازن بين الأمن والسلام

يرى مراقبون أن القمة الأوروبية الحالية تعكس تحدياً مزدوجاً أمام قادة الاتحاد، يتمثل في ضرورة الاستمرار في دعم أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، مع الحفاظ على وحدة الصف الداخلي، في وقت تتصاعد فيه الأزمات الدولية من الشرق إلى الغرب.

كما أشار محللون إلى أن الاتحاد الأوروبي يحاول إيجاد توازن دقيق بين تعزيز قدراته الدفاعية لمواجهة التحديات الأمنية، وبين الاضطلاع بدور دبلوماسي فاعل في تحقيق الاستقرار والسلام العالمي، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي ترتبط أوروبا بها جغرافياً واقتصادياً بشكل وثيق.

ومن المتوقع أن يصدر عن القمة بيان ختامي شامل يتضمن مواقف التكتل من الملفات الثلاثة الرئيسية — أوكرانيا، والدفاع الأوروبي، والشرق الأوسط — إضافة إلى الخطوات المستقبلية لتعزيز وحدة العمل الأوروبي في مواجهة المتغيرات الدولية.