مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

مفاوضات الدوحة بين باكستان وأفغانستان.. هل تُنهي سنوات النار على الحدود؟

نشر
الأمصار

تعود المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان لتتصدر عناوين الأخبار من جديد، بعد أن تجددت الاشتباكات بين الجانبين عقب انهيار هدنة قصيرة لم تدم سوى 48 ساعة.

 وبينما يحاول كل طرف تحميل الآخر مسؤولية الخرق، تتجه الأنظار إلى العاصمة القطرية الدوحة، حيث تجري محادثات رفيعة المستوى على أمل التوصل إلى اتفاق دائم يُنهي التوتر المزمن بين البلدين الجارين اللذين تجمعهما حدود مشتعلة وتاريخ طويل من الاتهامات المتبادلة.

انهيار الهدنة وعودة التوتر

الهدنة التي أُعلنت منتصف الأسبوع الماضي بين إسلام آباد وحركة طالبان الأفغانية لم تصمد طويلًا. 

فمع غروب يوم الجمعة، عادت نيران المدفعية لتضيء سماء المناطق الحدودية، معلنة انهيار الهدوء المؤقت الذي عاشه السكان لبضع ساعات فقط.

وقد أكدت مصادر أفغانية أن الجيش الباكستاني نفذ ضربات جوية دقيقة داخل الأراضي الأفغانية، ما أسفر عن مقتل 10 مدنيين بينهم طفلان، وإصابة 12 آخرين في إقليم باكتيكا، بينما وصفت باكستان العملية بأنها “استهداف لجماعة إرهابية مسؤولة عن هجوم وقع داخل أراضيها”.

من جانبها، سارعت حكومة طالبان إلى اتهام باكستان بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن قواتها “لن تقف مكتوفة الأيدي” وسترد في حال استمرار القصف عبر الحدود.

 وقال مصدر من الحركة لوكالة “فرانس برس” إن “الهجمات الأخيرة تمثل خرقًا واضحًا للهدنة، وأفغانستان ستدافع عن سيادتها بكل الوسائل”.

 

الوفود تصل إلى الدوحة

في محاولة لاحتواء الأزمة، أعلنت حكومة طالبان أنها أرسلت وفدًا رسميًا رفيع المستوى إلى الدوحة برئاسة وزير الدفاع محمد يعقوب، نجل مؤسس الحركة الراحل الملا عمر. وجاءت الخطوة بعد ساعات من تأكيد إسلام آباد إرسال وفد برئاسة وزير الدفاع خواجة آصف ومدير الاستخبارات اللفتنانت جنرال عاصم ملك إلى العاصمة القطرية للمشاركة في المباحثات.

وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا):“كما وعدنا، ستُعقد مفاوضات مع الجانب الباكستاني اليوم في الدوحة، سعياً لتحقيق تفاهم يضمن السلام والأمن في المنطقة”.

وتأتي هذه المحادثات وسط ضغوط دولية متزايدة تدعو الطرفين إلى ضبط النفس وتغليب الحوار على السلاح، خصوصًا بعد أن رصدت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما) مقتل 37 مدنيًا وإصابة أكثر من 400 آخرين خلال أيام معدودة من المواجهات الحدودية.

 

خلفية الصراع

منذ سيطرة حركة طالبان على الحكم في كابول، توترت العلاقات مع الجارة باكستان بشكل متزايد، إذ تتهم الأخيرة الحكومة الأفغانية بالسماح لمسلحين تابعين لـ“تحريك طالبان باكستان” (TTP) بالعمل بحرية من داخل الأراضي الأفغانية، بينما ترى كابول أن إسلام آباد تستخدم الملف الأمني كورقة ضغط سياسية.

وتقع معظم الاشتباكات في المناطق القبلية الواقعة على طول خط دوراند، وهو الخط الحدودي الذي رسمته بريطانيا في القرن التاسع عشر، وما زال مثار نزاع بين البلدين حتى اليوم.

وتقول مصادر أمنية إن الجماعات المسلحة تستغل وعورة التضاريس وضعف السيطرة الحكومية في تلك المناطق لتنفيذ هجمات متبادلة، ما يجعل المدنيين هم الضحايا الأبرز.

 

الموقف الباكستاني

أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية شفقت علي خان أن بلاده تمارس “أقصى درجات ضبط النفس”، لكنها لن تسمح بأن تكون أراضي أفغانستان “ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي الباكستاني”.

وقال خان في مؤتمر صحفي:“ننتظر أن نرى ما إذا كانت حكومة طالبان ستتخذ إجراءات ملموسة ضد تلك الجماعات، لأن الكرة الآن في ملعبها”.

وشدد على أن إسلام آباد ما زالت متمسكة بالمسار الدبلوماسي، لكنها سترد “بكل حزم” على أي هجمات تستهدف أراضيها.

من جانبه، اعتبر رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف أن استمرار الهدنة مرهون بمدى التزام كابول بمحاربة الإرهاب عبر الحدود، مؤكداً أن “السلام في أفغانستان هو مصلحة باكستانية بقدر ما هو مسؤولية أفغانية”.

 

رد طالبان: "الدفاع حق مشروع"

من الجانب الآخر، قالت طالبان إن قواتها تتحرك وفق “قواعد دفاعية واضحة” تمنع أي هجوم ما لم تبدأ القوات الباكستانية بالتصعيد. وأكد المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد في مقابلة مع قناة “أريانا” المحلية:“أصدرنا أوامر لقواتنا بعدم إطلاق النار إلا إذا هاجمت القوات الباكستانية، وفي تلك الحالة من حقنا الدفاع عن أرضنا وشعبنا”.

وأضاف مجاهد أن الحل الدائم يكمن في المفاوضات المباشرة، مشيراً إلى أن “لغة القوة لن تؤدي إلا إلى مزيد من الدمار، بينما الحوار قادر على إنهاء عقود من العداء”.

وساطة قطرية ودور إقليمي متنامٍ

تحتل قطر موقعًا محوريًا في هذه الأزمة الجديدة، ليس فقط لأنها تستضيف المحادثات، بل أيضًا لكونها لعبت في السابق دورًا مهمًا في المفاوضات التي سبقت انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. ويرى محللون أن الدوحة تمتلك القدرة على تقريب وجهات النظر بفضل قنواتها المفتوحة مع كلا الطرفين.

ويشير خبراء إلى أن أي اتفاق محتمل في الدوحة سيحتاج إلى دعم إقليمي ودولي، خصوصًا من الصين وإيران اللتين تربطهما علاقات اقتصادية وأمنية مع كابول وإسلام آباد، فضلًا عن الدور المنتظر من الأمم المتحدة في ضمان التهدئة ومراقبة تنفيذ أي اتفاق جديد.

خسائر بشرية ومخاوف إنسانية

تسببت المعارك الأخيرة في نزوح مئات الأسر من القرى الحدودية، بينما يعاني السكان من نقص حاد في المواد الغذائية والخدمات الطبية. وأفادت تقارير بأن مستشفيات إقليم باكتيكا تواجه ضغطًا متزايدًا مع توافد الجرحى والمصابين من مناطق القصف.

ودعت الأمم المتحدة إلى “وقف دائم لإطلاق النار” وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين، محذّرة من أن استمرار التوتر سيؤدي إلى “كارثة إنسانية جديدة” في بلد أنهكته الحروب والأزمات الاقتصادية.

 

هل تملك الدوحة مفتاح الحل؟

تُعتبر مفاوضات الدوحة اختبارًا حقيقيًا لمدى استعداد الطرفين لخفض التصعيد وبدء صفحة جديدة. فبعد سنوات من انعدام الثقة، يبدو أن الجانبين يدركان أن استمرار القتال لن يجلب سوى المزيد من الخسائر.

ويرى مراقبون أن نجاح هذه المفاوضات سيعتمد على ضمانات متبادلة، تشمل التزامات أمنية بعدم دعم الجماعات المسلحة، وتفعيل آليات تنسيق حدودي لتفادي أي خروقات مستقبلية. كما قد يتم طرح فكرة تشكيل قوة مراقبة مشتركة أو الاستعانة ببعثة مراقبة تابعة للأمم المتحدة لمتابعة تطبيق الاتفاق.

 

مستقبل العلاقات بين باكستان وأفغانستان

لا شك أن الطريق نحو سلام دائم بين الجارتين لا يزال طويلاً وشائكًا، لكن مجرد الجلوس إلى طاولة المفاوضات في الدوحة يمثل خطوة إيجابية في حد ذاته. فبعد سنوات من الدماء والاتهامات، ربما آن الأوان لإدراك أن الاستقرار الإقليمي لا يمكن أن يتحقق إلا بالتفاهم والتعاون.