بالفيديو جراف| أمريكا تغرق أسواق الغاز العالمي.. فرصة للهيمنة أم فقاعة عرض؟

تسابق الولايات المتحدة الزمن لتعزيز نفوذها في سوق الطاقة العالمي، من خلال توسيع قدراتها على تصدير الغاز الطبيعي المسال (LNG) بوتيرة غير مسبوقة، في خطوة تعكس طموحًا استراتيجيًا قد يغيّر خريطة تجارة الطاقة، لكنها في الوقت ذاته تثير مخاوف من إغراق الأسواق العالمية بالمعروض وتراجع الأسعار.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فقد منحت الإدارة الأمريكية خلال شهر واحد تراخيص لثلاثة موانئ تصدير جديدة، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى ثمانية قبل نهاية العام، ضمن خطة تستهدف مضاعفة صادرات الغاز بحلول نهاية الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب.
ويأتي هذا التوسع بعد أن رفعت إدارة ترامب قرار التجميد الذي فرضه الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عام 2024، والذي تسبب حينها في موجة انتقادات من كبرى شركات الطاقة، معتبرين أنه يعرقل خطط واشنطن لمنافسة روسيا وقطر في سوق الغاز المسال.
وفقًا لتقديرات شركة Expand Energy، من المتوقع أن تصل صادرات الغاز الأمريكي من ساحل الخليج إلى نحو 28 مليار قدم مكعب يوميًا بحلول عام 2030، وهو ما يعادل أربعة أضعاف استهلاك بريطانيا اليومي.
لكن هذا النمو السريع أثار قلقًا واسعًا في أوساط الشركات الكبرى، إذ حذّر وائل سوان، الرئيس التنفيذي لشركة شل الهولندية البريطانية، من أن وتيرة التوسع "ليست عقلانية اقتصاديًا بالكامل"، نظرًا للتكاليف الضخمة لإنشاء محطات جديدة في وقت يشهد فيه السوق انخفاضًا للأسعار.
من جانبه، تساءل باتريك بويانيه، الرئيس التنفيذي لشركة توتال إنرجيز الفرنسية، عن مدى قدرة الأسواق على استيعاب هذه الكميات الهائلة، معتبرًا أن بعض العقود التي وُقّعت مع مشترين آسيويين خلال إدارة ترامب كانت ذات دوافع سياسية، محذرًا من فائض في العرض قد يمتد لسنوات.
تراهن الشركات الأمريكية على استمرار نمو الطلب في آسيا، خصوصًا من الصين والهند واليابان، مع سعي تلك الاقتصادات إلى تقليص الاعتماد على الفحم.
إلا أن هذا التفاؤل يواجه تحديات بعد تراجع واردات الصين مؤخرًا، وامتناعها عن شراء شحنات أمريكية منذ فبراير/شباط الماضي، مفضّلة الغاز الروسي الأرخص سعرًا، ما أضعف الرهان الأمريكي على السوق الآسيوي كمحرك رئيسي للنمو.
في المقابل، يرى بن ديل، رئيس شركة Commonwealth LNG الأمريكية، أن الانخفاض الحالي للأسعار مؤقت وسيساهم في تحفيز الطلب مجددًا، مشيرًا إلى توقيع شركته عقدًا طويل الأجل مع أكبر شركة مرافق يابانية لإنشاء محطة غاز في ولاية لويزيانا.
وفي داخل الولايات المتحدة، يتوقع محللون أن يخفف توسع الذكاء الاصطناعي من آثار فائض المعروض، إذ إن مراكز البيانات العملاقة التي تُشغّل التقنيات الحديثة تستهلك كميات متزايدة من الكهرباء، ما يرفع الطلب المحلي على الغاز كمصدر رئيسي للطاقة.

وقال ويل جوردان، المستشار القانوني في شركة EQT الأمريكية، إن "العرض يسبق الطلب، لكن عندما يتوافر الغاز، يُخلق الطلب لاحقًا"، في إشارة إلى مرونة السوق الأمريكي.
وتشير بيانات شركة وود ماكنزي البريطانية إلى أن انخفاض الأسعار سيعود بالفائدة على المستهلكين في أوروبا وآسيا، لكنه قد يضغط على المستثمرين في مشاريع الغاز الجديدة، خصوصًا إذا استمر فائض العرض لسنوات مقبلة.
ويرى خبراء الطاقة أن الأسواق تمر بدورة طبيعية: انخفاض الأسعار يؤدي إلى تقليص الاستثمارات، يعقبه ارتفاع جديد في الأسعار بمجرد عودة التوازن بين العرض والطلب.
وبينما تواصل الولايات المتحدة مساعيها لبناء قدرات تصديرية غير مسبوقة، تبقى الأسئلة مفتوحة حول ما إذا كانت واشنطن تسير نحو تعزيز هيمنتها على أسواق الطاقة، أم نحو فقاعة عرض قد تهز تجارة الغاز العالمية لعقد قادم.