إلغاء الرسوم الجمركية.. هل توصل ترامب لأهدافه أم يحاول ترميم العلاقات مع الحلفاء؟
فى تحول لافت فى السياسة التجارية للإدارة الأمريكية الحالية، تراجع الرئيس دونالد ترامب عن جزء من الرسوم الجمركية التي كان قد فرضها خلال الأشهر الأولى من ولايته الثانية، فى خطوة أثارت تساؤلات حول طبيعة هذا التراجع: هل هو اعتراف غير مباشر بفشل استراتيجية الضغط الجمركى أم أنه مناورة سياسية محسوبة تهدف إلى استعادة ثقة الحلفاء وتهدئة الأسواق قبل أن تتحول الأزمة إلى عبء داخلى، أم أن ترامب حقق أهدافه من وراء تلك الرسوم.
تخفيضات وتراجع.. ترامب يعيد تعريف علاقاته بعد أشهر المواجهة المفتوحة
وشهدت الأسابيع الأخيرة قرارات متتالية بخفض أو إلغاء رسوم جمركية على واردات من عدة دول من بينها البرازيل وكوريا الجنوبية وآخرها بريطانيا.
وفيما يخص البرازيل ، ألغت الإدارة الأمريكية رسومًا على نحو 40% من الواردات الزراعية والغذائية البرازيلية، تشمل القهوة والكاكاو واللحوم والفواكه، بعد موجة انتقادات داخلية بشأن ارتفاع أسعار هذه السلع داخل السوق الأمريكية، وهي الخطوة التي جاءت كمحاولة واضحة لتهدئة التضخم الغذائي وامتصاص غضب المستهلكين.
كوريا الجنوبية.. تهدئة تنعش قطاع السيارات
توصلت واشنطن وسيول إلى صفقة تجارية جديدة خفّضت الرسوم على السيارات وقطع الغيار الكورية من 25% إلى 15%، مقابل التزامات استثمارية كورية داخل الولايات المتحدة. هذا التراجع، الذي جاء بعد أشهر من التصعيد، يعكس رغبة في الحفاظ على شراكة صناعية حيوية وحليف آسيوي رئيسي.
بريطانيا.. تطورات جديدة تمس قطاع الأدوية
ورغم تمسك ترامب بنسبة 10% كتعرفة أساسية على الواردات البريطانية، فإن الإدارة الأمريكية خفضت الرسوم على السيارات والصلب والألومنيوم، إلى جانب اتفاق وصل إلى صفر رسوم على المنتجات الدوائية بين البلدين فى خطوة وُصفت بأنها محاولة لإعادة إنعاش العلاقات التجارية بعد مرحلة من التوتر.
هذه التحركات مجتمعة تمثل تحولًا من سياسة الرسوم الشاملة نحو نهج أكثر انتقائية، يوازن بين الضغط التجاري والحفاظ على العلاقات الاستراتيجية.
هدنة فى معركة الرسوم.. هذا ما جناه ترامب حتى الآن
ومثل إدارته للملف في ولايته الرئاسية الأولي ، أعاد ترامب خلال الولاية الرئاسية الحالية استخدام ورقة الضغط ذاتها لتحقيق مكاسب اقتصادية حيناً أو مكاسب سياسية من الدول المستهدفة ولكن في قضايا آخري، حيث أدت الرسوم إلى خلق مساحة تفاوض مكنت ترامب من إعادة صياغة بعض الاتفاقيات على نحو أتاح للولايات المتحدة شروطًا أفضل أو استثمارات إضافية.
ولا يمكن اغفال آثار معركة رسوم ترامب الجمركية السلبية علي المواطن الأمريكي خاصة فيما يخص السلع الغذائية، حيث كان ملف التضخم من الملفات الشائكة خلال الأشهر القليلة وسط ارتفاعات متتالية وواضحة فى الأسواق، ما دفع إدارة ترامب للتراجع جزئياً في العديد من قراراته فى هذا الشأن.
ويعد تراجع ترامب عن الرسوم الجمركية فيما يخص السلع الأساسية كاللحوم والقهوة استجابة لضغط جماهيرى واعلامى واضح بعد ارتفاع ملحوظ فى الأسعار، ما اضطر الإدارة إلى تعديل المسار. وهذا يكشف أن بعض الرسوم جاءت بنتائج عكسية لم يكن بالإمكان تجاهلها سياسيًا.
ووفقا لاستطلاع أجرته مجلة بوليتكو، رسوم ترامب الجمركية لم تلق دعما كبيرا بين ناخبية، فعلي سبيل المثال أفاد 22% فقط من الناخبين الذين صوتوا لترامب في عام 2024 بأن الرسوم الجمركية تساعد الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي وعلى المدى الطويل، وقال 36% من ناخبي ترامب إن الرسوم الجمركية تضر بالاقتصاد حالياً، لكنها ستفيد الولايات المتحدة مع مرور الوقت.
وأشار التقرير الى ان سياسات ترامب الجمركية تشكل خطراً سياسياً متزايداً على الحزب الجمهوري، مع ارتفاع أسعار المستهلك مع اقتراب موسم انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، حيث تحذر الشركات من ضرورة تحميل المستهلكين تكاليف الرسوم الجمركية.
في حين يُجادل ترامب وحلفاؤه بأن الرسوم الجمركية مُقايضة ضرورية لحماية الوظائف والصناعة في الولايات المتحدة، يُشير الاستطلاع إلى أن الناخبين الجمهوريين ينظرون إلى دعم أجندته التجارية والجمركية مشروطاً بانحسار ضغوط الأسعار في نهاية المطاف.
تهدئة الأجواء مع حلفاء واشنطن
وفى ظل الحاجة الأمريكية لاستعادة حلفائها خاصة مع احتدام الصراع مع الصين وروسيا في العديد من الملفات الدولية والإقليمية، وكذلك تعثر انهاء الحرب الأوكرانية، كان بديهياً أن يتراجع ترامب ولو جزئياً في ملف الرسوم الجمركية، وهو ما ظهر واضحاً في سلسلة قراراته الأخيرة من تخفيض الرسوم على السيارات الكورية، والصلب والألومنيوم البريطاني، وتخفيف الضغط على البرازيل