مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

ذكاء اصطناعي وجناح خفي.. كيف تعيد «فيكتيس» التفوق الجوي الأمريكي؟

نشر
الأمصار

تجد الولايات المتحدة نفسها أمام تحديات غير مسبوقة تتعلق بالحفاظ على تفوقها الجوي، فمع تقلص حجم أسطول الطائرات المأهولة وتقدّم خصومها ببرامج عسكرية متطورة قائمة على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الخفية، كان لا بد من ابتكار حل يعيد التوازن.

وهنا تدخل شركة لوكهيد مارتن على الخط بطائرتها الجديدة «فيكتيس»، التي لا تعد مجرد طائرة مسيرة، بل مشروعًا استراتيجياً يحمل مفهوم «الجناح المخلص» (Collaborative Combat Aircraft – CCA) ليشكل ثورة في أسلوب القتال الجوي الأمريكي.

التراجع في حجم الأسطول الأمريكي

وبحسب تقارير أمريكية، فقد تقلص حجم القوات الجوية الأمريكية إلى أدنى مستوى له في التاريخ الحديث. ففي عام 2024، نشرت الولايات المتحدة أقل من نصف عدد المقاتلات التي كانت تملكها في عام 1987، وهو مؤشر يعكس أزمة هيكلية. 

المعضلة لا تكمن في الأعداد فقط، بل في شيخوخة الأسطول، حيث تُحال الطائرات القديمة إلى التقاعد بوتيرة أسرع من استبدالها بأخرى حديثة. 

وهذه الفجوة تمنح المنافسين، خصوصًا الصين وروسيا، مساحة لتعزيز مكانتهم على الساحة الدولية، ما يهدد مكانة واشنطن كقوة جوية أولى في العالم.

«فيكتيس».. أكثر من طائرة مسيرة

هنا تظهر أهمية «فيكتيس» التي كشفت عنها لوكهيد مارتن. فهذه المنصة ليست مجرد مسيرة عادية، بل تُقدَّم كحل مبتكر لتعويض النقص في الأسطول التقليدي. 

وصُمّمت فيكتيس لتكون طائرة قتالية بدون طيار ذات تصميم شبح متطور، قادرة على العمل بشكل مستقل أو كجناح داعم للمقاتلات المأهولة مثل إف‑35. 

الفكرة الجوهرية هي إنشاء فريق متكامل يجمع بين البشر والآلات، حيث يتولى الذكاء الاصطناعي إدارة المهام المعقدة ويترك للطيار البشري اتخاذ القرارات الحاسمة.

مميزات تقنية متقدمة

تتمتع فيكتيس بمجموعة من الخصائص تجعلها منصة متعددة الاستخدامات:

تصميم خفي يقلل من بصمتها الرادارية، ما يمنحها قدرة أكبر على اختراق الدفاعات المعادية.

قابلية التشغيل بشكل مستقل أو ضمن تشكيلات يقودها طيارون بشريون.

مهام متنوعة تشمل الحرب الإلكترونية، الضربات الدقيقة، الاستطلاع، والدفاع والهجوم الجوي.

أنظمة متقدمة لجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها بشكل لحظي لدعم القادة.

مدى تشغيلي طويل يناسب العمليات في المحيطين الهندي والهادئ، أوروبا، الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا.

خطة زمنية لدخول الخدمة بحلول عام 2028، وفق ما أعلنته الشركة.

«الجناح المخلص».. مفهوم يعيد صياغة القتال الجوي

يعتمد مشروع فيكتيس على فكرة «الجناح المخلص»، أي الطائرة المسيرة التي تحلق إلى جانب الطائرات المأهولة لتشكيل قوة مشتركة. 

الهدف هو تعزيز القوة النارية للطيارين البشريين وتوفير حماية إضافية لهم عبر طائرات أقل تكلفة وأكثر قابلية للتضحية. بهذه الطريقة، يمكن للمقاتلات الأمريكية اختراق أعتى الدفاعات الجوية دون المخاطرة الكبيرة بخسارة منصات مأهولة باهظة الثمن.

قال أو. جيه سانشيز، نائب الرئيس والمدير العام لشركة لوكهيد مارتن، إن «فيكتيس تمثل تتويجًا لخبرتنا الطويلة في تكامل الأنظمة المعقدة وتطوير المقاتلات المتقدمة والاستقلالية. نحن لا نبني منصة جديدة فحسب، بل نبتكر نموذجًا جديدًا للقوة الجوية يعتمد على إطار عمل مرن للطائرات بدون طيار، عال الكفاءة وقابل للتخصيص وبأسعار معقولة».

من جانبه، أكد الجنرال ديفيد ألڤين، رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية، أن برنامج CCA يهدف إلى منح الولايات المتحدة ميزة حاسمة في بيئات شديدة التنافس.

 وأضاف: «البرنامج يسرّع من وتيرة نشر القوات من خلال استراتيجيات مبتكرة في التصميم والاستحواذ. 

لقد حقق الموردون إنجازات رئيسية تجاوزت التوقعات، وهذه الطائرات ستساعدنا على تحويل الجاهزية إلى هيمنة تشغيلية».

المنافسة الدولية.. الصين في الصورة

التطور الأمريكي لم يأت من فراغ.

 ففي الوقت الذي تكشف فيه واشنطن عن مشاريعها الجديدة، تعمل الصين على تطوير برامج مماثلة. خلال احتفالات «يوم النصر» في بكين هذا الشهر، عرضت منصات جوية غير مأهولة، ما يعكس حجم الاستثمار الصيني في هذا المجال. 

المنافسة على التفوق الجوي لم تعد محصورة في الطائرات المأهولة فحسب، بل انتقلت إلى ساحة الذكاء الاصطناعي والتقنيات الخفية.

أبعاد تشغيلية واسعة

تفتح فيكتيس المجال أمام تطبيقات متعددة. يمكن استخدامها في:

مهام الاستطلاع والاستخبارات.

التشويش على أنظمة الرادار والدفاعات الجوية.

تنفيذ ضربات دقيقة في عمق أراضي العدو.

إغراق الدفاعات الجوية بأعداد كبيرة من الطائرات غير المكلفة.

العمل كدرع أمام المقاتلات المأهولة لامتصاص الهجمات.

هذه القدرات تجعلها إضافة نوعية لأي عملية عسكرية في المستقبل، خصوصًا في مناطق التوتر مثل المحيط الهادئ أو الشرق الأوسط.

تحديات أخلاقية وتقنية

رغم مزاياها، تثير فيكتيس مجموعة من التساؤلات.

 من أبرزها الجانب الأخلاقي المتعلق باستخدام أنظمة شبه مستقلة في اتخاذ قرارات إطلاق النار. كما أن الاعتماد الكبير على الذكاء الاصطناعي يفتح الباب أمام مخاطر القرصنة الإلكترونية أو الأعطال التقنية التي قد تكون كارثية في ساحة المعركة. إلى جانب ذلك، تواجه القوات الجوية تحديات تتعلق بدمج هذه المنصات في شبكات القيادة والتحكم الحالية، وتدريب الطواقم على التعامل مع تشكيلات مختلطة من الطائرات المأهولة وغير المأهولة.

اقتصاديات الحرب الجديدة

الاعتبارات الاقتصادية تلعب دورًا محوريًا في تبني هذه المنصات. 

فتكلفة إنتاج وتشغيل فيكتيس أقل بكثير من المقاتلات المأهولة المتقدمة، ما يجعلها وسيلة فعالة لتقليل النفقات مع الحفاظ على القدرات القتالية. في عالم يشهد تصاعدًا في ميزانيات الدفاع وتنافسًا شرسًا على الموارد، تشكل مثل هذه الحلول خيارًا عمليًا ومستدامًا.

باختصار، تمثل فيكتيس علامة فارقة في تاريخ الطيران العسكري الأمريكي. فهي تجسد انتقالًا من الاعتماد الكامل على المقاتلات المأهولة إلى منظومة هجينة تدمج بين الإنسان والآلة. 

وبينما يتوقع أن تدخل الخدمة بحلول عام 2028، تظل الأسئلة مطروحة حول كيفية التعامل مع تحدياتها الأخلاقية والتقنية.

لكن المؤكد أن هذه الطائرة المسيرة تحمل وعدًا بإعادة الهيمنة الجوية الأمريكية إلى مسرح الأحداث، في مواجهة خصوم يسابقون الزمن لتقويض هذا التفوق. 

وبينما تواصل واشنطن استثماراتها في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الخفية، قد تكون فيكتيس بالفعل بداية حقبة جديدة من القتال الجوي، حيث تتشارك العقول البشرية مع الخوارزميات في رسم ملامح المعارك القادمة.